الخلفية الأموي (الوليد بن عبد الملك )

نشأته ونسبه: هو الوليد بن عبد الملك بن مروان، وأمه: ولادة بنت العباس بن جزء العبسي، وكنيته أبو العباس، ولد سنة 50هـ- 670م ولم تكن له ولاية عهد إلا بعد أن مات عمه عبد العزيز بن مروا، فعند ذلك أصبح وليا للعهد بعد والده عبد الملك بن مروان . هذا وقد كان الوليد ضعيفا جدا في اللغة وآدابها وكاد ذلك أن يطيح به ويبعده عن الخلافة ولا أدل على ذلك مما رواه روح بن زنباع قال: دخلت يوما على عبد الملك فوجدته مهموما، فقال: فكرت فيمن أوليه أمر العرب فلم أجده. فقلت: أين أنت من الوليد؟ قال: إنه لا يحسن النحو. قال: فقال لي عبد الملك: دع إلي العشية فإني سأظهر كآبة فسلني. قال: فرحت إليه والوليد عنده فقلت له: لا يسوءك الله، ما هذه الكآبة؟ قال: فكرت فيمن أوليه أمر العرب فلم أجده. فقلت: أين أنت عن ريحانة قريش وسيدها الوليد؟ فقال لي: يا أبا زنباع، إنه لا يلي العرب إلا من تكلم بكلامهم. قال: فسمعها الوليد فقام من ساعته، وجمع أصحاب النحو وجلس معهم في بيت وطبق عليه ستة أشهر ثم خرج وهو أجهل مما كان. فقال عبد الملك: أما إنه قد أعذر. ثم ولاه العهد، وكتب إليه بالبيعة هو وأخوه سليمان من بعده. زوجاته وأولاده: للوليد بن عبد الملك عدة زوجات وممن عرف من زوجاته: أم البنين بنت عمه عبد العزيز، وأم عبيدة فزارية. كان للخليفة الوليد بن عبد الملك من الولد تسعة عشر ولدا ذكرا وهم: عبد العزيز ومحمد والعباس وإبراهيم وتمام وخالد وعبد الرحمن ومبشر ومسرور وأبو عبيدة وصدقة ومنصور ومروان وعنبسة وعمر وروح وبشر ويزيد ويحيى، توليته الخلافة: ولي الوليد الخلافة بعد وفاة أبيه عبد الملك بن مروان في نفس اليوم الذي مات فيه وذلك سنة 86هـ- 705م. فلما انتهى من دفن أبيه وتمت له ا لبيعة قام فصعد المنبر وألقى أول خطبة له وكان مما قال فيها : أيها الناس، إنه لا مقدم لما أخر الله ولا مؤخر لما قدم الله، وقد كان من قضاء الله وسابق علمه وما كتب على أنبيائه وحملة عرشه الموت، وقد صار إلى منازل الأبرار ولي هذه الأمة الذي يحق عليه لله من الشدة على المربب واللين لأهل الحق والفضل وإقامة ما أقام الله من منار الإسلام وأعلامه من حج هذا البيت وغزو هذه الثغور وشن هذه الغارة على أعداء الله فلم يكن عاجزا ولا مفرطا، أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة.. صفاته: كان الوليد فيما يروى جبارا عنيدا، وكان طويلا أسمر به أثر جدري، أفطس وبمقدم لحيته شمط ليس في رأسه ولحيته غيره، إذا مشى يتبختر في مشيته وكان أبواه يدللانه فشب بلا علم ، ومع ذلك فقد كان ذا عبادة وطاعة وإقبال على قراءة القرآن فقد روى عبد الله بن عبد الملك، قال لي الوليد: كيف أنت والقرآن؟ قلت: يا أمير المؤمنين أضمه أي أختمه كل جمعة. ثم قلت: فأنت يا أمير المؤمنين؟ قال: كيف مع الاشتغال، قلت على ذلك، قال: في كل ثلاثة أيام. قال: فذكرت ذلك لابن أبي عبلة، فقال: كان يختم القرآن في رمضان سبعة عشرة مرة. قال ضمرة: سمعت إبراهيم بن أبي عبلة يقول: رحم الله الوليد، وأين مثل الوليد؟ فتح الهند والسند والأندلس وغيرها وبنى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ووسعه وبنى مسجد دمشق وكان يعطيني قطع الفضة أقسمها على قراء بيت المقدس. وكان نقش خاتمه: أومن بالله مخلصا، وقيل كان نقشه: يا وليد إنك ميت، ويقال: إن آخر ما تكلم به: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله. أهم أعماله وإصلاحاته: متابعة الجهاد والفتوحات: لما تولى الوليد الخلافة لم ينشغل بها عن الجهاد بل استمر على ما كان عليه الخفاء قبله فأرسل الجيوش للجهاد في سبيل الله حتى وصلت حدود الدولة في عهده إلى الهند والصين شرقا والمحيط الأطلسي الغربي، كما برز في عهده عدد كبير من قادة الفتح الإسلامي كقتيبة بن مسلم الباهلي وموسى بن نصير وطارق بن زياد، وفي عهد الوليد دخل العرب إلى الأندلس. الإصلاحات الاجتماعية : - بالإضافة إلى الجهاد والفتوحات قام الوليد بعدد كبير من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية فكان أحب الخلفاء إلى أهل الشام. وكان ولعا بالعمران والبناء وكان من نتيجة ذلك أن ترك آثار عمرانية خالدة لا تزال شاهدة على تفوق عصره. ومما فعله في مجال البنيان ما كتبه إلى والي المدينة يأمره بتسهيل الثنايا، وحفر الآبار، كما وجه كتبه إلى جميع البلدان لحفر الآبار وإصلاح الطرق. والوليد هو أول من أحدث المستشفيات في الإسلام وقد منع المجذومين من مخالطة الناس وأجرى لهم من خزينة الدولة أرزاقا يعيشون منها، وهو أول من عين لكل أعمى قائدا يتقاضى أجره من بيت المال وهو ما لم نجده في أي عصر من العصور وفي أي دولة من دول العالم، وهو الذي عين أيضا لكل عاجز مقعد خادما يعتني به ويتقاضى أجره من بيت المال. والوليد هو أول من أقام بيوتا ومنازل عامة يأوي إليها الغرباء، كما نظم قراء القرآن ورتب لهم أرزاقهم من بيت المال، وإلى جانب هذه الإصلاحات الاجتماعية والإنسانية البارزة فإن بصمات الوليد لا تزال واضحة على أهمية الإنشاءات المعمارية في العالم الإسلامي فقد هدم مسجد المدينة وكل البيوت المحيطة به، ثم أعاد بناءه بناءا جديدا وهو الذي صفح الكعبة والميزان والأساطين في مكة. وقد ذكر المؤرخون أن الناس حين كانت تلتقي في زمن عمر بن عبد العزيز كانت أغلب نقاشهم على قراءات القرآن والصيام وأمور الدين، أما في عهد سليمان بن عبد الملك وكان مغرما بالنكاح ولطعام فكان الناس لا يتبادلون إلا أحاديث الطعام والنكاح والجواري، وفي زمن الوليد كان حديث الناس دائما عن المصانع التي تنشأ والأبنية التي تقام. ولا عجب في ذلك فالوليد هو الذي بنى المسجد الأقصى، أحد أبرز المعالم الإسلامية المقدسة، وهو باني الجامع الأموي الكبير في دمشق الذي كان كنيسة هدمت وحولت إلى جامع بلغت نفقات بنائه إحدى عشر مليونا ومائتي ألف دينار وقد بدأ العمل فيه سنة 88هـ ولم ينتهي إلا في عهد سليمان سنة 97هـ. محاولة أخذ البيعة لابنه عبد العزيز بدلا من أخيه سليمان: كان الوليد من أحب الناس إلى قلب الحجاج ولما مرض أصابته غيبوبة طيلة يوم كامل فخرجت الكتب إلى الأمصار بموته، وحين بلغ هذا الخبر الحجاج حزن حزنا شديدا وأمر بحبل فشد على يديه ثم أوثق إلى إسطوانة، وقال: اللهم لا تسلط علي من لا رحمة له فقد طالما سألتك أن تجعل منيتي قبل منيته وظل قائما يدعو الله تعالى حتى وصل البريد ينقل صحوة الوليد من جديد. وقد قال الوليد بعد ذلك: ما أحد أسر بعافية أمير المؤمنين من الحجاج، ويذكر أن الوليد في أواخر حياته قد اصطدم مع أخيه سليمان، فقد كان والدهما عبد الملك قد أخذ لهما البيعة من بعده، الوليد ثم سليمان، لكن الوليد طلب من أخيه التنازل عن ولاية العهد لابنه عبد العزيز بن الوليد فرفض سليمان، فعرض عليه أموالا كثيرة لكنه أبى فكتب الوليد إلى عماله وقادة جيوشه لأخذ البيعة لابنه عبد العزيز من بعده ودعا الناس إلى ذلك فلم يجبه سوى الحجاج بن يوسف الثقفي وقتيبة بن مسلم وبعض الأشخاص المقربين وقد أشير على الوليد أن يستدعي أخاه سليمان ويجبره على مبايعة عبد العزيز خوف تألب الناس من بعده. فكتب الوليد إلى سليمان بالقدوم علبه، لكنه أبطأ، فهم الوليد بالخروج إليه لخلعه لكنه مرض قبل أن يفعل ذلك. وفاته: في سنة 95هـ توفي الحجاج، ومن بعده توفي الوليد بن عبد الملك سنة 96هـ وكانت وفاته بدير مران في غوطة دمشق وقد بلغت مدة خلافته تسع سنوات وثمانية أشهر ولم يتجاوز السابعة والأربعين من العمر وكان خاتم الوليد طيلة عهده يا وليد إنك ميت.