نجيب محفوظ ... جاهل بعالم القرية المصرية!!

صدرت في القاهرة دراسة بعنوان رواية مجهولة وتجربة فريدة حول رواية ما وراء العشق للأديب المصري نجيب محفوظ، بمناسبة عيد ميلاده التسعين، والتي رفض نشرها مطلع الثمانينات لجهله بعالم القرية المصرية. ويؤكد كاتب الدراسة الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية حسين عيد أن رواية محفوظ غير المنشورة تعتبر التجربة الوحيدة للكاتب عن عالم القرية المصرية ولم يشعر بالارتياح لها لجهله بها. ويستند الكاتب إلى مجموعة تصريحات للروائي يؤكد فيها أنه لم يزر الريف سوى مرة واحدة في حياته عندما ذهب لقضاء عطلة الصيف عند أصدقاء لوالده في الفيوم، ولم يتجاوز الثانية عشرة لكنه لم يكررها بعد ذلك. وتتطرق الدراسة إلى آراء محفوظ حول مادة الكتابة التي يستند إليها المبدع، مشيرا إلى أن عالم الحارة المصرية وتحديدا حارة الجمالية في القاهرة الفاطمية شكلت عالمه السحري الذي نهل منه مادة كتابته الأساسية. رفض رواية لمحفوظ وكان محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1988 قد أعلن في لقاء مع الكاتب جمال الغيطاني عام 1980 في أول إشارة إلى الرواية المجهولة أنه انتهى من كتابة ثلاث روايات أرسل اثنتين منها للناشر، لكنه رفض إرسال الرواية الثالثة (ما وراء العشق) بسبب عدم ارتياحه. ولم يعرف بعدها شيء عن مصير الرواية حتى صدرت الدراسة الجديدة التي أرفقت بنهايتها صفحات متفرقة من الرواية الأصلية بخط محفوظ، إضافة إلى مادة الدراسة الأساسية التي قارنت بين الرواية الريفية الوحيدة وكيفية تحولها إلى عمل جديد في القصة القصيرة أهل الهوى التي نشرت عام 1982 ضمن المجموعة القصصية رأيت فيما يرى النائم. ووافق محفوظ على اقتراح الباحث إجراء المقارنة، وبعث برسالة حول الأمر صورت نسخة منها على الغلاف الخلفي للدراسة، مما يؤكد موافقته على ملاحظات الباحث. وفضلا عن اعتراف محفوظ بجهله عالم القرية، باستثناء ما قرأه للكتاب المصريين مثل الراحل محمد عبد الحليم عبد الله وثروت أباظة وآخرين، برزت عدم قدرته على التواصل مع الشخصيات الريفية التي حملت أفكاره ولم يستطع إكمالها. القاهرة .. الملهمة لكن محفوظ تجاوز هذه الثغرة بعودته إلى عالم الحارة القاهرية في قصة أهل الهوى، حيث احتفظ بشخصيات العمل الروائي، إلا أنه خلق عالما خاصا أبرز فيه صراع الحياة بين العوالم الحسية والعلمية والصوفية من خلال رموزه وشخصياته التي كونت مادة عالمه القصصي. واستند في كلا العملين على رمز الخروج من القبو كرمز لدخول الحياة (الولادة)، إضافة إلى فقدان البطل للذاكرة، وتعرضه لنهم الحياة التي يمضي فيها البشر، عبر تناقضات بين عوالم الحس والعلم والدين كل ضمن تأثيراته، حيث تبقى الخاتمة للدين من خلال الرمز الصوفي والدخول إلى القبو والخروج من الحياة (الموت).