التبرع بالكلى بين الحاجة الملحة والضوابط الشرعية

مع التزايد الكبير في أعداد مرضى الفشل الكلوي، ونجاح كثير من العمليات الجراحية في نقل الكلى من إنسان إلى آخر، والحاجة الملحة إلى ذلك يتساءل كثير من الناس ما إذا كان الإنسان يملك التبرع بكليته لمن احتاج إليها، وما هي الضوابط الشرعية التي تبيح إجراء مثل هذه العمليات، وهل هذا الأمر على إطلاقه، ومن الذي له الحق بالإذن بالتبرع بالكلية إلى غير ذلك من الأمور التي تجول في خواطر كثير من الناس يحدثنا عنها فضيلة الشيخ الدكتور مناع خليل القطان فيقول: المقصود بالكلية الكلية: عضو بالبطن خلف الغشاء البريتوني، وهو المختص باستخلاص البول والسموم من الدم توطئة لإخراجها والتخلص منها. وبالجسم كليتان، تقع كل منهما على جانب من العمود الفقري أسفل الضلع الأخير مباشرة- وتشبه الكلية حبة الفول لونها أحمر قاتم ويبلغ طولها نحو 12 سم، وعرضها نحو 7 سم، وسمكها نحو 3 سم، وهي تتكون من عدد كبير (قد يبلغ مليون) من الأنابيب الدقاق هي التي ترشح البول من الدم فتقوم بتركيزه، وتتجمع تلك الأنابيب بالتدرج، وعلى عدة مراحل حتى تنتهي بنحو (400) قناة واسعة تفتح في حوض الحالب، وهو الذي ينقل البول إلى المثانة، ويؤدي عجز الكليتين إلى التسمم بالبولينا، ثم إلى الموت، ويسبب مرض الكليتين ارتفاع ضغط الدم، وقد تتكون بعض الحصيات فيهما (انظر الموسوعة العربية الميسرة لمجموعة من الخبراء) وتجمع الكلية على كلى وكليات، والكلوة بالواو لغة فيها وكلاه يكليه كليا: أصاب كليته فآلمها0 وكلى يكلى كلى: أصيبت كليته-وكليته- كرميته- فكلي- كرضي- واكتلى: أصيبت كليته فآلمته(انظر القاموس المحيط). وقد تصاب الكلى بأمراض عديدة لا تنفع فيها العقاقير الطبية ولا الغسيل، فتعجز عن أداء وظيفتها عجزا تاما يؤدي إلى الوفاة، ولا يكون هناك سبيل لإنقاذ حياة المرضى سوى زراعة الكلى، ولا يتأتى الحصول على كلية لزراعتها في المريض إلا بأن يتبرع أحد الأصحاء بكليته عند وفاته، أو يتبرع بها وهو وحي، أو يأخذ عوضا في ذلك. حفظ حياة الناس من مقاصد الشريعة وحفظ حياة الناس وسلامة أبدانهم من مقاصد الشريعة، حيث شرع الإسلام لبقاء النوع الإنساني الزواج للتوالد والتناسل، وفرض للحفاظ على الأنفس ما يقيمها من ضروري الطعام والشراب واللباس والسكن، وأوجب القصاص والدية والكفارة على من يعتدي عليها، وحرم أن يعرض الإنسان نفسه للهلاك، قال تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( الآية 125 من سورة البقرة). ولذا كان العلاج والتداوي من الأمراض مشروعا، فتداوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بالتداوي(صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وقال: إن الله جعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام رواه أبو داود) وأخبر أنه ما من داء إلا وله شفاء (فقال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء رواه البخاري في كتاب الطب، وقال: إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا أخرجه النسائي وصححه ابن حيان والحاكم.). ويدل كثير من القواعد الفقهية على أنه حيث يتعذر إنقاذ حياة شخص مشرف على الهلاك بعلاج مباح فإنه يعالج بالحرام، للضرورة أو الحاجة، وإن أدى ذلك إلى مفسدة أقل ومن هذه القواعد: أ الضرورات تبيح المحظورات: وهذه القاعدة أصولية فقهية، يدل عليها قوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه)( الآية 119 من سورة الأنعام.) فالممنوع شرعا يباح عند الضرورة، ومن ثم جاز أكل الميتة عند المخمصة، وإساغة اللقمة بالخمر عند الغصة، إذا لم يوجد سواهما مما يحل للحفاظ على حياة الناس. وحد الضرورة أن المضطر إذا لم يتناول المحرم هلك أو قارب الهلاك. ب والضرورات تقدر بقدرها فالمضطر ليس له أن يتناول من المحرم إلا قدر ما يسد الرمق ولا يباح له أن يأكل على سبيل التلذذ، بل يقتصر على قدر الحاجة. الضرر يزال: وأصل هذه ا لقاعدة قوله صلى الله عليه وسلم، لا ضرر ولا ضرار (أخرجه مالك في الموطأ مرسلا، وأخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي والدارقطني من حديث أبي سعيد الخدري، وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس وعباده بن الصامت.) وهي تفيد وجوب إزالة الضرر ودفعه بعد وقوعه، وقيدها العلماء بالقواعد الآتية: 1 الضرر لا يزال بمثله. 2 الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف. 3 يختار أهون الشرين وأخف الضررين. 4 إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها ضررا بارتكاب أخفهما. وهذه القواعد الأربع الأخيرة تفيد أن إزالة الضرر لا تكون بإحداث ضرر مثله، ولا بأكثر منه بالأولى، وإذا دار الأمر بين ضررين أحدهما أشد من الآخر فإنه يتحمل الضرر الأخف ولا يرتكب الأشد. الحاجة تنزل منزلة الضرر الحاجة تنزل منزلة الضرر عامة كانت أو خاصة فالمراد بالحاجة هنا ما كان دون الضرورة، فإن الضرورة هي بلوغ الإنسان حدا إذا لم يتناول الممنوع عنده هلك أو قارب الهلاك، وهذا يبيح تناول المحرم، أما الحاجة فهي بلوغ الإنسان حدا لو لم يجد ما يسد حاجته إليه لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح له الحرام، ولكنه يسوغ له الخروج على بعض القواعد العامة، والحاجة إذا عمت كانت كالضرورة. درء المفاسد مقدم على جلب المصالح والمراد بدرء المفاسد دفعها وإزالتها فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالبا، لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) (رواه النسائي). وإذا تعارضت مصلحتان قدم أعلاهما، وإذا تعارضت مصلحة ومفسدة قدم الأرجح منهما. وينبني على هذا كثير من المسائل، فالمرأة الحامل إذا ماتت وفي بطنها ولد علم أنه حي، إذا شق بطنها لإخراج ولدها الحي يكون في هذا انتهاك لحرمتها، لكن فيه الإبقاء على حياة الحمل، الذي في بطنها، وإذا ترك شق بطنها للمحافظة على حرمتها يكون في هذا القضاء على حياة الحمل، فأجاز أو أوجب كثير من الفقهاء شق بطنها إن لم يمكن إخراج الولد منها حيا إلا بذلك، إيثارا لجانب الحي على جانب الميت، ولأن رعاية حرمة الحي آكد من رعاية حرمة الميت، إذ أن الاعتداء على الميت بقطع رقيته مثلا، أو قطع عضو من أعضائه لا يوجب قصاصا ولا دية، وإنما يوجب تعزيرا، بخلاف قتل الحي مسلما أو ذميا فإنه يوجب قصاصا أودية. المبادئ الإسلامية العامة التي تنبني عليها مسألة التبرع بالكلى وهناك مبادئ عامة دعا إليها الإسلام، وينبني عليها مثل هذه الأحكام، منها: أ الإيثار: وهو مبدأ من المبادئ التي رغب فيها الإسلام ومعناه أن يقدم الإنسان مصلحة أخيه على مصلحة نفسه بما هو حق له لا يحرم عليه بذله فيترك حظه لحظ غيره اعتمادا على صحة اليقين، وتحملا للمشقة في عون أخيه، وهو من محامد الأخلاق، وله شواهد كثيرة تصل إلى بذل النفس مرضاة لله. فقد آثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه حين بات على فراش رسول الله ليلة الهجرة وهو يعلم تآمر الكفار على قتله. وترس أبو طلحة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين انهزم الناس عنه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتطلع ليرى القوم، فيقول له أبو طلحة: لا تشرف يا رسول الله يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك، ووقى بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت.( راجع في ذلك كتب السيرة وكتب السنة). وأثنى الله على الأنصار الذين استوطنوا المدينة قبل غيرهم من المهاجرين، بحبهم من هاجر إليهم، وطهارة قلوبهم حيث لم يجدوا في نفوسهم حرجا مما أوتي المهاجرون. من الفيء وغيره من الأموال وبإيثارهم المهاجرين على أنفسهم يقول الله تعالى فيهم: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (الآية 9 من سورة الحشر)، والخصاصة: الفاقة والحاجة. ب التعاون: وحث الإسلام على التعاون وأمر به، ورغب في مساعدة الأخ لأخيه، وتقديم العون له، حتى يقوى بناء الأمة، ويشتد ساعدها، وتأتلف قلوبها على قلب رجل واحد ويكون المجتمع المسلم مجتمعا متآخيا رحيما، يتألم كل فرد فيه لألم الآخر، ويفرح لفرحه، فيشاركه سروره في الرخاء، وينفس عنه كربته في الشدة. يقول تعالى في هذا: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، المائدة، ويقول صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه أحمد ومسلم، ويقول: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد ومسلم، ويقول: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (رواه البخاري ومسلم). ج الهبة: والتبرع كالهبة، والهبة-وكذلك الهدية- مما رغب فيه الشارع وندب إليه، وهي من مكارم الأخلاق، وأمارة الجود والسخاء وصفة من صفات الكمال، وصف الله بها نفسه بقوله عز وجل: ( أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب).( الآية 9 من سورة ص)، فمن باشرها اكتسب شرفها، لما فيها من استعمال الكرم، وإزالة شح الأنفس، وإدخال السرور في قلب الموهوب له، وإيراث المحبة والمودة بينهما، وإزالة الضغينة والحسد، وقد عرفها الفقهاء، بأنها تمليك بلا عوض ولو بغير مال، يتفضل بها الواهب على غيره من إخوانه، رغبة في الخير، من محبة وحسن ثناء في الدنيا، ومن ثواب في الدار الآخرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( تهادوا تحابوا) (أخرجه ابن عساكر) وكان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها (أخرجه ابن مردويه) وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا الكفار، وأهدى إليهم، فإن الإحسان لا يستلزم الموالاة المنهي عنها. الإنسان حرمته حيا كحرمته ميتا ولكل إنسان معصوم الدم حرمته حيا وميتا (يدل على هذا آيات القصاص في النفس والأطراف، قوله صلى الله عليه وسلم بأن دماءكم وأموالكم عليكم حرام رواه البخاري. وقوله: كسر عظم الميت ككسره حيا رواه أبو داود، وقوله: من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة رواه البخاري) فلا يجوز لأحد أن ينتهك حرمته إلا بحق (يقول تعالى: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق 33 الإسراء) أو يعتدي عليه ويعرضه للأذى، والإنسان لا يمتلك نفسه، فلا يجوز له أن يتصرف في بدنه بإتلاف أو قطع عضو من أعضائه، أو التمثيل به، لأنه أمانة عنده لله، ولذا حرم الإسلام الانتحار(لعموم قوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم 29النساء، ولقوله صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، رواه البخاري ومسلم، والمثلة (لقوله صلى الله عليه وسلم في وصيته: لأمراء الجيوش والسرايا ولا تمثلوا رواه مسلم). وإذا كان قتل النفس بغير حق من أشد الجرائم، فإن إحياء النفوس يعتبر من أعظم القربات، يشهد لذلك قوله تعالى: في قصة، ابني آدم وقد قتل أحدهما أخاه بغير حق: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) .( الآية 32 من سورة المائدة). أي من كان سببا لحياة نفس واحدة بإنقاذها من موت كانت مشرفة عليه فكأنما أحيا الناس جميعا، فالإحياء هنا عبارة عن الإنقاذ من هلكة، فهو مجاز، إذا المعنى الحقيقي مختص بالله عز وجل، والمراد بهذا التشبيه. والآية تعلمنا ما يجب من وحدة البشر، وحرص كل واحد منهم على حياة الجميع، والقيام بحق الفرد من حيث أنه عضو من النوع . (تفسير المنار 6349). التبرع بالكلى قد يكون مندوبا أو واجبا وقد يصاب الإنسان بفشل كلوي يشرف فيه الهلاك، ولا سبيل لإنقاذ حياته إلا بزرع كلية له، وهذا أمر ميسور في الطب في الوقت الحاضر. وحيث كان حفظ النفس من مقاصد الشريعة، وكان العلاج والتداوي مشروعا وكان إحياء النفوس من أعظم القربات، وكان إزالة الضرر مطلوبة شرعا، واقتضت الضرورة التبرع بالكلية لإنقاذ حياة المريض، إن التبرع يكون مندوبا أو واجبا وذلك بالشروط الآتية: 1 أن تكون هناك ضرورة قائمة للتبرع بالكلية لزرعها في المريض. 2 أن لا تكون هناك وسيلة مباحة أخرى لإنقاذ حياته. 3 أن يغلب على الظن بقرار أهل الخبرة في الطب العدول شفاء المريض بذلك. 4 أن لا يؤدي هذا إلى ضرر أرجح من المصلحة المترتبة عليه. صور التبرع بالكلى وأحكامها الشرعية والتبرع بالكلية يكون بإحدى الحالات الآتية: أ الوصية بأخذ الكلى بعد الوفاة الصورة الأولى أ ن يتبرع شخص بكليته في حال حياته يحمل بطاقة التبرع بالكلى، فيوصي بأن تؤخذ منه الكلية عند وفاته، ويأذن في تشريح جثته لانتزاع كليته، حتى ينتفع بزرعها في شخص مريض بالكلى مشرف على الموت. فهذا التبرع مشروع. وهو من باب الهبة والوصية، ولا مانع شرعا من تنفيذه، ولا يكون هذا مثله، إذ لا يقصد به التشفي وقد رضي به في حياته وأذن فيه، وكان ذلك أمرا مشروعا لما يترتب عليه من حصول مصلحة أو دفع مفسدة، والمصلحة هنا راجحة. تبرع الولي الشرعي بكلية ميت ب الصورة الثانية أن يتبرع بكلية الميت وليه الشرعي، ويأذن في تشريح جثته لأخذ الكلية منها، ولا يكون هناك إذن منه في حياته. وظاهر هذا أنه مشروع كذلك، فإن الولي الذي يرث الحقوق المالية ويعفو عن القاتل أو يكتفي بأخذ العوض عنه (الدية) ولو حكم على القاتل بالقصاص له شبهة في ذلك بالمصلحة الراجحة في إنقاذ مسلم من الهلاك، وانتهاك حرمة الميت في هذا إنما هو لمصلحة أرجح اقتضتها الضرورة إذ أن الإبقاء على صحة الحي أرجح من حرمة الميت، وإذا تعارضت مصلحة ومفسدة قدم الأرجح منهما، والضرورات تبيح المحظورات. التبرع بالكلى أثناء الحياة ج الصورة الثالثة أن يتبرع بكليته للمصاب بفشل كلوي، ويرضى بانتزاع إحدى كليتيه لزرعها فيه. وظاهر هذا أنه مشروع كذلك إذا أضيف إلى الشروط السابقة شرط خامس وهو: أن يقرر الطبيب المختص العدل أن الكلية الباقية في الصحيح سليمة كافية لحاجة جسمه، ولا يؤثر أخذ الكلية الأخرى على صحته، أو يؤثر تأثيرا يسيرا، لما يترتب على ذلك من الإبقاء على حياة المريض، ومع تفويت مصلحة يسيرة في الصحيح، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وما كانت منافعه ومصالحه أكثر من مفاسده وإثمه فإن الشرع لا يحرمه ولا يمنعه، وإذا كان المسلم يؤثر أخاه على نفسه بطعام أو شراب هو أحق به منه ولو أدى إلى ضعفه، فلأن يؤثره كذلك بعضو من أعضاء جسمه ينقذ حياته أولى وأفضل. وقد يكون هذا التبرع لأب أو أم، أو ابن أو بنت، أو أخ أو أخت، فيؤكد حق القرابة والرحم. الموتى الذين لا يعرف لهم أولياء الصورة الرابعة : إذا ظهر لولي الأمر مصلحة عامة للأمة تستوجب الإذن في تشريح جثث الموتى الذين لا تعرف شخصيتهم فلا يعرف لهم أولياء، سواء كان موتهم في حوادث أو في غيرها لأخذ الكلى والاحتفاظ بها لزراعتها في المرضى بالفشل الكلوي، إذا ظهر لولي الأمر ذلك فإنه يجوز له بناء على المصلحة المرسلة وما تقتضيه ا لسياسة الشرعية أن يصدر إذنا للمشافي المتخصصة بذلك، فإن مصلحة الحفاظ على حرمة الميت جزئية يسيرة منغمرة في المصلحة العامة التي تترتب على علاج أبناء الأمة وصحة أبدانهم، وفي هذا تعاون على مصلحة من المصالح المعتبرة شرعا، وهذا من التداوي المأمور به، لأن التداوي هو العلاج، وكما يكون العلاج بتعاطي الدواء، يكون بالجراحة ونقل الأعضاء. حكم بيع الكلى وأخذ الثمن عليها ومما لا شك فيه أن الله تعالى أكرم الإنسان وشرفه فخلقه في أجمل صورة، وأحسن هيئة، مستوي الأعضاء، متناسب الخلق (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)( الآية 4 من سورة التين)، (الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك) (الآيتان 7،8 من سورة الانفطار) (ولقد كرمنا بني آدم) (الآية 70 من سورة الإسراء) ولا يملك الإنسان نفسه حتى يتصرف فيها كما يشاء، ولكنه مؤتمن على جسمه وأعضائه، ليكون تصرفه وفق شرع الله، حفاظا على الأمانة، وانتفاعا بها، ولذا فإنه لا يجوز له أن يبيع عضوا من أعضاء جسده، أو يتصرف تصرفا يؤدي إلى هلاكه وإتلافه، يقول تعالى: ( ولا تقتلوا أنفسكم).( الآية 29 النساء) ويقول: ( ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة).( الآية 195 من سورة البقرة) وبيع جزء من الجسم يجعل الإنسان سلعة تجارية، وفي ذلك امتهان لكرامة الإنسان واحتقار لشأنه، وتصرف خسيس مبتذل. والتبرع أو الهبة يختلف عن البيع، لأن البيع تمليك بعوض? وإذا كان البيع لأجزاء البدن فهو تجارة رخيصة، لكسب مادي تافه، ومنفعة مالية دنيئة، لا تليق بكرامة الإنسان، أما التبرع أو الهبة في الحالات التي يجوز فيها ذلك لإنقاذ حياة إنسان آخر مشرف على الهلاك بالضوابط الشرعية الآنفة الذكر، فهو درء لمفسدة أعظم، وتحقيق لمصلحة أرجح، ونمط من المروءة ومحاسن الأخلاق، وضرب من الإيثار الذي رغب فيه الشرع، طلبا للثواب والأجر، ولا يكون هذا التبرع إلا عند الضرورة التي تبيح المحظور. ولا يقال: إن الله هو الذي يملك الإنسان ويملك أعضاءه (أم من يملك السمع والأبصار). (الآية 31 من سورة يونس) يونس. فإن الله هو المالك الحقيقي للكون كله قل اللهم مالك الملك ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير ( الآية 189 من سورة آل عمران) ( لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير) (الآية 120 من سورة المائدة)، وهي ملكية خلق وتدبير وتصرف، وما يباح للإنسان أن يتصرف فيه من ماله الذي يملكه فملكيته الحقيقية له. (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) (الآية 33 من سورة النور)، فإضافة المال إلى الله تعالى ووصفه بأنه من عطاء الله إياهم بيان للمالك الحقيقي المنعم المتفضل، وإسناد الإيتاء إليهم لأنه يتصرفون فيها على سبيل الاستخلاف( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه). (الآية 7 من سورة الحديد). ذلك هو التكييف الفقهي للتبرع بالكلية في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية ومبادئها الكلية وقواعد الفقه الإسلامي، وهو ما أفتى به هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ومجمع الفقه الإسلامي وهيئات أخرى. وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه. قرار هيئة كبار العلماء رقم 99 وتاريخ 6111402هـ قرر المجلس بالإجماع جواز نقل عضو أو جزئه من إنسان حي مسلم أو ذمي إلى نفسه إذا دعت الحاجة إليه وأمن الخطر في نزعه وغلب على الظن نجاح زرعه كما قرر بالأكثرية ما يلي: 1 جواز نقل عضو أو جزئه من إنسان ميت إلى مسلم إذا اضطر إلى ذلك وأمنت الفتنة في نزعه ممن أخذ منه وغلب على الظن نجاح زرعه فيمن سيزرع فيه. 2 جواز تبرع الإنسان الحي بنقل عضو منه أو جزئه إلى مسلم مضطر إلى ذلك وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. قرار المجمع الفقهي الإسلامي إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 إلى 13 صفر 1407هـ 11 إلى 16 أكتوبر 1986م. بعد تداوله في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع (أجهزة الإنعاش) واستماعه إلى شرح مستفيض من الأطباء المختصين. قرر ما يلي: يعتبر شرعا أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعا للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين: 1 إذا توقف قلبه وتنفسه توقفا تاما وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه. 2 إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلا نهائيا، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل. وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلا لا يزال يعمل آليا بفعل الأجهزة المركبة. والله أعلم.