تعقيب رئيس التحرير الأدب في خدمة الدعوة.. الحدود والآفاق

تعتز مجلة الأدب الإسلامي بإسهـام النـاقد الرصين الدكتور حامد أبو أحمد فيها، ولن ننسى إنصافه للدكتور نجيب الكيلاني في مقاله الذي نشر في العدد الخاص عن رائد القصة الإسلامية حيث قرنه بكبار الأدباء مثل توفيق الحكيم وغيره. والدكتور حامد أبو أحمد يمتاز بثقافته الواسعة وانفتاحه على سائر المذاهب والتيارات الأدبية المعاصرة، كما يمتاز بالوداعة والدماثة وسعة الصدر، وهو ما شجعنا على أن نعقب على مقاله الذي سعدنا به إذ جاء عنوانه الأدب في خدمة الدعوة وهو من الموضوعات المهمة في ميدان الأدب الإسلامي، وإن كان الناقد الفاضل قد استطرد بطريقة لبقة إلى الحديث عن ضرورة توسيع مدى الرؤية في الأدب الإسلامي، ثم إلى ضرورة دعم كل اتجاه يؤكد ويدعم كل ما كان للعرب والمسلمين من أثر فعال في الثقافة الإنسانية، وأخيرا إلى ضرورة الانفتاح على الثقافات العالمية. وقد جعل الدكتور منطلقه في مقاله من خلال كتاب الدكتورة إخلاص فخري عمارة - الإسلام والشعر - دراسة موضوعية وقد أبدى إعجابه بالكتاب لعدة أسباب، ومع أننا نشاركه رأيه فيما ذهب إليه فإننا كنا نتمنى أن يرجع الدكتور إلى عدد من مصادر الأدب الإسلامي التي تناولت موقف الإسلام من الشعر، كما تناول بعضها موضوع الأدب في خدمة الدعوة وهو عنوان مقاله بالذات. على أن الدكتور حامد ما يلبث في معرض بيان أسباب إعجابه بكتاب الدكتورة إخلاص أن يقول: كذلك فإنها انطلقت في هذا البحث من منطلق منهجي موضوعي خالص، لا يقع تحت أي تأثير إيديولوجي. ومعروف أن المواقف الإيديولوجية تمارس في بعض الأحيان تأثيرات قوية تؤدي إلى التحيز المقيت. ونقول: كيف يتصــور الدكتور حامد أن يكون صاحب المعتقد أو الإيديولوجية غير واقع فيما يكتب تحت تأثير هذا المعتقد إذا كان مؤمنا به حقا، وهل يريد الدكتور أن يتخلى الكاتب عن إيديولوجيته عندما يكتب أم أن المهم - كما أنهى عبارته - ألا يكون موقفه الإيديولوجي دافعا له إلى التحيز المقيت. ونحن نجزم بأن الدكتورة إخلاص كما يبدو في منهج كتابها وفيما كتبته فيه لم تكن بعيدة عن التأثير العقدي أو الإيديولوجي ، فهي عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وهي - كما تقول في إهداء الكتاب - حاولت الإفادة من دراسة الأدب لحماية اللغة، والذود عن الدين . وإذن فليس مطلوبا من الكاتب فيما نرى أن ينأى بنفسه عن تأثير المعتقد فيه، وإنما المهم ألا يدفعه ذلك إلى التحيز المقيت كما سماه الدكتور حامد، أو إلى العصبية التي تدفعه إلى هذا التحيز، وهنا يجدر بنا أن نفرق بين الإخلاص للمعتقد الذي يؤمن به الكاتب إيمانا يخالط وجدانه وعقله، ولا يمكن أن ينأى بنفسه عن التأثر به، وبين التعصب الذميم الذي يجعله متشبثا بما يؤمن به ولو كان ما يؤمن به معتقدا باطلا. والفرق بين الإخلاص والتعصب أن الإخلاص يجعل صاحب المعتقد يتمسك بمعتقده فلا يزايله مادام لم يقم دليل على أن معتقده باطل وفاسد، وأما التعصب فهو الإيمان بمعتقد ما بصورة قبليـة A priori إذ يظل المتعصب صاحب الهوى مصرا على التشبث بمعتقده ولو قامت الأدلة والبراهين على فساد هذا المعتقد حتى يقع فيما يسمى بمنطق العواطف. والمسلم الحق أجدر الناس بالبعد عن التحيز المقيت وعن الحكم بالهوى وعن ظلم المعارضين له في معتقده مادام يقرأ قول الله تعالى: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى. ولا يكتم الدكتور حامد إعجابه بتقسيم المؤلفة لمواقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الشعر، فهو يقول: والجديد - حسب معلوماتنا - في هذا الشأن هو أن المؤلفة قسمت مواقف الرسول إلى ثلاثة، تندرج تحت ما أسمته: الكراهة، والموضوعية المحايدة، والترحيب. ونحن نخالف الناقد في إعجابه بهذا التقسيم دون أن يجد فيه مأخذا، كما نخالف المؤلفة الفاضلة فيما أطلقته من مصطلحات على هذه المواقف الثلاثة. ولا ندري كيف يسوغ للمؤلفة وهي درعمية وللناقد وهو أزهري الأصل أن يوصف الموقف الأول للرسول الكريم بكراهية الشعر، وأن يوصف الموقف الثاني بالموضوعية المحايدة، وأن يوصف الموقف الثالث بالترحيب، على ما بين هذه المواقف من تناقض وتعارض وبعد عن المنهجية الدقيقة. وكان الأولى بالمؤلفة أن تسمي الموقف الأول شبهة الكراهية لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصف الشعر بأنه مستكره، وهو ما أثبتته المؤلفة بعد ذلك، وإنما قامت شبهة الكراهية في بعض الأحاديث التي رويت على غير وجهها، أو التي لابد من تأويلها بما لا يتناقض مع معظم الأحاديث التي كانت تتراوح بين موقف الإباحة وبين التشجيع على قول الشعر واتخاذه سلاحا في المعركة بين الإسلام والكفر ووسيلة للدعوة إلى الدين الجديد. كذلك ليس مقبولا أن تطلق المؤلفة مصطلح الموضوعية المحايدة على الموقف الثاني للرسول صلى الله عليه وسلم لأن وصف الموقف الثاني بالموضوعية المحايدة يستدعي نفي هاتين الصفتين عن الموقف الأول والثالث، وهذا ليس لائقا ولا مقبولا في حق الرسول الكريم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى لا يمكن أن يكون في أي موقف من مواقفه، ولا في أي قول من أقواله بعيدا عن الموضوعية المحايدة وهو الذي قال لذلك الرجل الذي اتهمه بالجور في قسمة الغنائم: ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل. كذلك نجد قصورا في وصف الموقف الثالث للرسول صلى الله عليه وسلم من الشعر بأنه موقف الترحيب والأولى أن يسمـى مــوقـف التشجيع. والفرق ظاهر بين الترحيب الذي يكون قبولا بفعل صادر من الآخر، وبين التشجيع الذي يكون نوعا من الحض على فعل ما، بل يتجاوز الحض في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأمر بقول الشعر مع تعدد الصيغ التي جاء بها هذا الأمر، سواء كان أمرا صريحا كقوله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت رضي الله عنه: اهجهم وروح القدس معك أم كان أمرا بصيغة الاستفهام كقوله للشعراء من الصحابة: ما بال الذين نصروا رسول الله بأسنتهم لا ينصرونه بألسنتهم. وكقوله صلى الله عليه وسلم: أمرت عبد الله بن رواحة فقال وأحسن، وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن، وأمرت حسان بن ثابت فشفى واشتفى. ولعل من الأولى أن نطلق على ما نستظهره من مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم المصطلحات التالية: الأول شبهة الكراهية، والثاني: الإباحة والثالث: التشجيع. ولعل المؤلفة تأخذ بهذه المصطلحات إذا ارتضتها في طبعة ثانية لكتابها إن شاء الله. ويقرر الناقد الفاضل بعد ذلك قوله: وعلى أية حال فهناك مجموعة أخرى من أقوال الرسول وأفعاله تغض من شأن الشعر، ولكن المؤلفة ترى لكل قول أو لكل فعل مخرجا. ولو جعل الناقد عبارته تغض في ظاهرها من شأن الشعر لكانت عبارته دقيقة وصحيحة، وإلا فكيف نوفق بين ما يقرره الناقد من أن هناك مجموعة أخرى من أقوال الرسول وأفعاله تغض من شأن الشعر وبين الأقوال والأفعال الكثيرة والثابتة في سند روايتها، والتي تؤكد أن الرسول صلى الله عليـه وسلم لم يغض من شأن الشعر بل شجع عليه واستمع إليه وأجاز من قاله. وقصارى ما هنالك أن بعض الأحاديث التي توهم بالغض من الشعر نجدها مردودة في سندها أو لها رواية أخرى تنفي ما توهم فيها وإلا فهل يتصور المسلم العاقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغض حينا من الشعر، ويبيحه حينا آخر، ويشجع عليه حينا ثالثا. وأقول أيضا إن عبارة الناقد كما جاءت في أصل مقاله حيث يقول: ولكن المؤلفة ترى لكل قول أو لكل فعل مخرجا.. أقول: إن هذه العبارة تكاد تلقي ظلا من الشك على ما وصف به المؤلفة من قبل من الموضوعية، ومن أنها انطلقت في هذا البحث من منطلق منهجي موضوعي خالص، لا يقع تحت أي تأثير إيديولوجي.... وكأن الناقد الفاضل يعطي بيد ويسترد بأخرى. وقد ورد في مقال الدكتور حامد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أن امرأ القيس قائد الشعراء إلى النار، وقد جارى الناقد مؤلفة الكتاب في إدخال هذا الحديث في الموقف الموضوعي المحايد، مع أن ظاهر النص يدخله في الموقف الأول وهو كراهية الشعر وهو على رأينا من باب شبهة الكراهية. ولعل من المفيد أن نذكر هنا أن الحديث الذي نقله الدكتور حامد عن كتاب الدكتورة إخلاص بالنص التالي: امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار، لأنه أول من أحكم قوافيها حديث مردود لأنه منكر الإسناد كما أخرج ابن عدي في كتابه الكامل 4 1404، بل إن المناوي الذي روت المؤلفة نص الحديث عن كتابه فيض القدير 2 186قال في التيسير 1 238 إن إسناده ضعيف، ومع أن نص الحديث رواه أحمد في مسنده 1227 عن أبي هريرة مرفوعا بالنص التالي: امرؤ القيس صـاحب الشعراء إلى النار. فقد قال محققه: إسناده ضعيف جدا. ويترك الدكتور حامد كتاب الإسلام والشعر ليقترح ما يراه ضروريا ليكون الكاتب الإسلامي موجودا أو مؤثرا بشكل فعال. وهو يذكر في سبيل ذلك عددا من الإجراءات نقف عند أولها، وذلك في قوله: ينبغي العمل على توسيع مدى الرؤية الإسلامية بدلا من الوقوف عند بعض التحديدات ( كذا ) كالقول بأن الأدب الإسلامي هو التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان من خلال تصور الإسلام للكون والحياة والإنسان. وهو يعلل رأيه بأنه لا يستطيع أحد أن يدعي أن هذا التصور أو ذاك هو الذي تصح نسبته إلى الإسلام، أي أن تحديد التصور الإسلامي في حد ذاته أمر نسبي، وليس حقيقة مطلقة، لأنه خاضع للتفسير والتأويل البشري .. وما يقوله الناقد الفاضل هنا مهم وخطير لعدة أسباب أهمها أن استبعادنا للتعريف بما فيه من شرط الالتزام بالتصور الإسلامي يفقد الأدب الإسلامي معياريته، كما يفقده تميزه عن المذاهب الأدبية الأخرى، فالأدب الإسلامي قد يشترك مع الآداب الأخرى ر في الشرائط التي لابد لها لتوافر الفنية الجمالية، وينفتح الأدب الإسلامي في قضية الشكل حتى لا نرى بصورة مبدئية شكلا أدبيا يحرمه الإسلام إلا إذا كان هذا الشكل يعدو على المضمون الإسلامي. أما في قضية المضمون فالأدب الإسلامي يقيم له معيارية متميزة، وهي توافر التصور الإسلامي السليم ونقول للناقد الفاضل: إن التصور الإسلامي يعتمد على مصدرين أساسيين ثابتين وهما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واستظهار التصور الإسلامي من هذين المصدرين الثابتين أمر واضح وميسور وإن كان خاضعا للتفسير والتأويل البشريين لأن لهذا التفسير والتأويل ضوابط تحميه من المخاطر التي يتخوف منها الناقد الفاضل، فالحلال بين والحرام بين، والأمور المشتبهات يستطيع أهل العلم دفع الاشتباه فيها حسب قواعد أصول الفقه وضوابط الاجتهاد. ولو كان الخضوع للتفسير والتأويل البشري مانعا من التوصل إلى تحديد معالم التصور الإسلامي المبني على القرآن والسنة لصح هذا في كثير من أمور الدين عقيدة وعبادة وتشريعا وفقها. ومن حق دعاة الأدب الإسلامي أن تأخذهم الحيرة من مواقف بعض النقاد، فهم إذا تركوا تحديد الأدب الإسلامي أو تعريفه قيل لهم: ما هذا الأدب الذي تدعون إليه، ما حقيقته وما تعريفه وما حدوده؟ وهم إن توصلوا إلى تعريف لهذا الأدب كما تم في الواقع وضمن تطور مدروس في مسيرة هذا التعريف قيل لهم: إن التحديد يؤدي إلى التضييق أو الجمود. ومن العجيب أن يقال مثل ذلك مع أن تعريف الأدب الإسلامي كما ارتضته رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وكما جاء في نشرة التعريف بالرابطة من أنه التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون في حدود التصور الإسلامي لها.. لا يضيق حرية الأديب، ولا يضيق مجال التجربة، ولا يحد آفاقها التي تبدأ من الإنسان وحياته لتنتهي بالكون كله، كما جاء في التعريف ذاته. أما ما ذكره الدكتور حامد تعقيبا على اعتراضه على تعريف الأدب الإسلامي من قوله: وأنا أرى أن هذه النقطة بالذات أوقعت كثيرين من الإسلاميين في الخلط (كذا) عند تحديد نسبة هذا الكاتب أو ذاك إلى الأدب الإسلامي ثم ما أضافه من أن هذه المسألة بالذات بحثت بشكل موسع في معظم الكتب المتخصصة في الأدب الإسلامي. فأقول هنا: كنا نتمنى لو ذكر لنا الناقد الفاضل شيئا مما انتهت إليه هذه الكتب المتخصصة في هذا الشأن، وما رأيه هو فيما انتهت إليه، إذ لا أعرف كتابا ولا ناقدا إسلاميا يذهب كما ذهب الدكتور حامد إلى التخلي عن تعريف الأدب الإسلامي خشية من الخلط المزعوم. وأقول منصفا: ربما كان هناك نوع من الاختلاف في تعريف الأدب الإسلامي وحدوده، وبالتالي في وضوح نسبة هذا الكاتب أو ذاك إليه، ولكن هذا الاختلاف قد انتهى لدى معظم الملتزمين بتعريف الرابطة للأدب الإسلامي، ولدى معظم نقادها بعد أن انتهى الأمر إلى تقسيم النتاج الأدبي وفق تعريف الرابطة له إلى الأقسام المتمايزة التالية، وهو ما أطلق عليه بعض النقاد نظرية الدوائر الثلاث: 1 ) دائرة الأدب الإسلامي، وهو الأدب الذي ينطبق عليه التعريف السابق للأدب، إذ يجمع بين فنية الشكل وبين الالتزام الأدبي مع صدور هذا الأدب عن التصور الإسلامي السليم. وهذه الدائرة لا تقتصر - بدلالة التعريف - على ما يسمى بأدب الدعوة بل تتسع لتشمل أي موضوع يدور حول الإنسان والحياة والكون، وقد تتجاوز الحياة الأولى إلى الآخرة وقد ترقى من المخلوق إلى مناجاة الخالق سبحانه وتعالى. 2 ) والدائرة الثانية هي دائرة الأدب المباح، وهو أدب لا يخالف التصور الإسلامي وإن لم يلتزم به، وتتسع هذه الدائرة للأدب الجمالي المحض أو لأدب التسلية والترويح عن النفس. 3 ) وأما الدائرة الثالثة فهي دائرة الأدب الذي يخالف التصور الإسلامي ويضاده، وهذا الأدب هو الذي يرفضه الأدب الإسلامي، ويعد التصدي له من أول واجباته ومهماته، لأنه أدب العقائد والمذاهب المنحرفة عن الإسلام، أو أدب العبث الهدام، أو أدب الجنس والانحلال، أو أدب الحداثة الفلسفية المدمرة لا أدب الحداثة بمعنى التجديد في المضمون والشكل. وهناك دائرة رابعة أيضا تشمل ما يسمى بالأدب الموافق وهو الأدب الذي يوافق قيمة إسلامية أو إنسانية سامية، ولكن قائل هذا الأدب ليس مسلما، إذ تأتي الموافقة هنا من باب الفطرة، أو من باب شمولية الأدب الإسلامي للقيم الإنسانية الرفيعة. ومن هنا ليس معقولا ما قرره الدكتور حامد في قوله: وأنا أرى أن هذه النقطة بالذات - وهي قضية تعريف الأدب الإسلامي - أوقعت كثيرين من الإسلاميين في الخلط عند نسبة أي شاعر أو كاتب إلى الأدب الإسلامي، فالأديب الإسلامي هو الذي غلب على نتاجه ما يدخل في الدائرة الأولى، وقد يكون في نتاجه ما يدخل في الدائرة الثانية، ولا يكون في هذا النتاج ما يدخل في الدائرة الثالثة إلا أن يكون فيما مضى من حياة هذا الأديب قبل إنابته إلى دينه، والإسلام يجب ما قبله. أما غير هؤلاء من الأدباء فإنهم ينسبون إلى المذهب الأدبي الذي يحكم على أدبهم، فيقال أديب شيوعي وأديب وجودي وأديب حداثي. فإذا لم يكن الأديب صاحب إيديولوجية معينة أمكن أن ينسب إلى اللغة التي يكتب أدبه بها، فيقال: فلان أديب عربي.. وحين تتعدد الاتجاهات في شعر الشاعر أو نتاج الكاتب يمكن ذكر هذه الاتجاهات مادام أحدها لم يغلب على نتاجه حتى يدخله في مذهب أدبي معين. وإذا كان فيما قدمناه ما يقنع كل متسائل عن موقف الأدب الإسلامي من ضروب النتاج الأدبي شعره ونثره وفي مختلف اللغات والعصور، ويحل بذلك مشكلة تحديد نسبة هذا الكاتب أو ذاك إلى الأدب الإسلامي فإن في ذلك أيضا ما يسهل علينا الاتفاق مع الدكتور حامد عندما ينتقل بنا إلى ما سماه مد مظلة الأدب الإسلامي حيث يقول: وإذا كنا ندعو إلى توسيع الرؤية بحيث تشمل نقاط الاتفاق والاختلاف، وتسمح بمد مظلة الأدب الإسلامي إلى كل أدب صادر عن حس إنساني راق وبقلم أديب مسلم. ونحن على ضوء ما قدمناه نمد مظلة الأدب الإسلامي في حدود نظرية الدوائر الثلاث. وأما الأدب الذي يصدر عن حس إنساني راق فإننا ندخله في الأدب الإسلامي مادام صادرا عن التصور الإسلامي السليم لدى الأديب المسلم، وندخله في الأدب الموافق حين لا يكون صادرا عن أديب مسلم على ضوء الدائرة الرابعة التي كتبنا مرارا أنها أمر لازم لاحتواء النصوص الأدبية التي توافق قيمة إسلامية أو إنسانية سامية ولكن قائلها غير مسلم. وإذا كان بعض النقاد الإسلاميين وهم قلة قليلة يريدون أن يدخل في دائرة الأدب الإسلامي كل نص موافق وإن كان قائله غير مسلم فإنهم بهذه الحماسة المردودة يعملون على فقدان المعيارية في الأدب الإسلامي، حتى يصبح النصراني واليهودي والمجوسي والملحد معدودين في زمرة الأدباء الإسلاميين حينما يكثر في نتاجهم مثل هذه النصوص الموافقة كثرة غير مستبعدة، بالإضافة إلى أن غير المسلم لا يقبل أصلا أن يوصف بأنه أديب إسلامي. ويدعونا الناقد الفاضل بعد ذلك إلى توسيع دائرة الرؤية، التي ينبغي أن تمتد لتشمل كل مذاهب الأدب مع عدم التفريق بين هذا المذهب أو ذاك اللهم إلا في حالة وجود توجهات هدامة تتعارض مع القيم الإنسانية الراقية، التي هي أيضا قيم الإسلام والحضارة الإسلامية . ونحن نشكر الدكتور حامد على استثناء التوجهات الهدامة من توسيع دائرة الرؤية ولكننا نعترف أننا لم نفهم مراده بالرؤية، وإن كان من الواضح أن لا يريد هنا مد مظلة الأدب الإسلامي لتشمل مذاهب الأدب كلها. وعلى هذا تكون الرؤية على مقدار ما فهمناه هي الاطلاع على هذه المذاهب، ونحن معه في ذلك بل نزيد عليه أننا ندعو إلى مد الرؤية إلى كل المذاهب هدامة كانت أم غير هدامة شريطة أن توضع هذه المذاهب تحت مجهر التصور الإسلامي كما فعلت ذلك الأديبة الكبيرة سهيلة زين العابدين حماد،وعندئذ يأتي معيار الانفتاح المنضبط على هذه المذاهب الأدبية وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: الحكمة ضالة المؤمن وحيثما وجدها فهو أحق بها . وعلى هذا فنحن لا نوافق الدكتور حامد حين يقرر أن موقف الدكتور نجيب الكيلاني في كتابه مدخل إلى الأدب الإسلامي لم يجد صدى لدى الكثيرين، فالدكتور الكيلاني وهو من رواد الأدب الإسلامي الأوائل فرق - كما نقل عنه الدكتور حامد - بين الجانب الخاص في الأدب الإسلامي وهو التصور الإسلامي الذي هو سمة المضمون في هذا الأدب، وبين كل ما يدخل في الجانب العام من الأدب وخاصة فيما يتعلق بالأشكال الفنية . ونحن بعد ذلك مع الدكتور حامد حين يدعونا إلى الانفتاح على الثقافات العالمية سواء ما أراد أن يخصصه من أدب أمريكا اللاتينية أو من الأدب العالمي غربيه وشرقيه . على أنه لم يكن يخطر في البال أن يستدرجنا الدكتور حامد مما وافقناه عليه من الانفتاح على الآداب والثقافات العالمية إلى أن يقول في خاتمة مقاله المتشعب: ولعل هذا الانفتاح على الدوائر العالمية يؤدي إلى خروج تنظيرات الأدب الإسلامي من الحارات الضيقة التي وضعت نفسها فيها بدعوى الوصول إلى تحديدات جامعة مانعة للمصطلح. وليسمح لنا الدكتور حامد أن نقول له هنا: إنه ما من شك في أن الانفتاح على الآداب العالمية يفيد الشاعر الإسلامي والكاتب الإسلامي والناقد الإسلامي، ولكن هذا الانفتاح لا شأن له بخروج تنظيرات الأدب الإسلامي من الحارات الضيقة لأننا لا نسلم له بأن تنظيرات الأدب الإسلامي دخلت في حارات ضيقة، ولأن الأدب الإسلامي أدب الفطرة البشرية وبالتالي فهو أدب عالمي بمقدار ما في الإسلام من شمولية وإنسانية، وهذه التنظيرات بما فيها من تعريف جامع مانع للأدب الإسلامي هي التي مكنت لهذا الأدب ولرابطته العالمية في أنحاء العالم العربي والإسلامي، وهي التي أعطت هذا الأدب تميزه وفرادته ليكون - وهو الأدب الذي يقتبس من مشكاة الوحي وهدي النبوة - شاهدا على المذاهب الأدبية الأخرى ووريثا لها إن شاء الله. نشر في مجلة (الأدب الإسلامي ) عدد (29)بتاريخ (1422هـ)