معركة عين جالوت

معركة عين جالوت من المعارك الإسلامية العظيمة المشهودة، والتي انتصر فيها المسلمون بفضل الله عز وجل على عدوهم، نصرا مؤزرا وكانت من أسباب إيقاف الزحف التتاري على المسلمين وبلادهم، ومن أسباب عودة الإسلام إلى كثير من البلاد التي هاجمها التتار. وكما هو معلوم فإن التتار لما هاجموا بلاد المسلمين فعلوا فيها الأعاجيب وقتلوا من المسلمين خلقا لا يعلمهم إلا الله، ولم يستطع المسلمون الانتصار عليهم في معركة من المعارك، وقد أتوا من شرق الأرض من حدود الصين، وقطعوا هذه المسافة الطويلة إلى بغداد في زمن قصير جدا، مع معارك شرسة فظيعة خاضوها ضد المسلمين استولوا خلالها على جميع بلاد المسلمين التي مروا عليها حتى استطاعوا دخول بغداد بقيادة هولاكو وإسقاط الخلافة الإسلامية، بعد أن قتلوا الخليفة العباسي المستعصم بالله، وظلوا أربعين يوما في بغداد يقتلون وينهبون، حتى سال الفرات بالدماء، وأنتن الهواء من كثرة القتلى، ودخل على الإسلام وأهله شيئا لم يسمع به من قبل، حتى أن كثيرا من مؤلفي التاريخ لم يستطيعوا أن يصفوا ما حل ببغداد من الدمار والقتل والنهب والسلب، ولم يتمكنوا من ذكر الفظائع الواقعة فيها. والشاهد أنه بعد أن انتهوا من بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية، استعدوا لغزو بلاد الشام وعملوا الجسور لاجتياز نهر الفرات، ووصلوا إلى حلب فحاصروها سبعة أيام ثم فتحها أهلها بالأمان، فدخلوها وغدروا بأهلها وقتلوا منهم خلقا لا يعلمهم إلا الله، ونبهوا الأموال وسبوا النساء والأطفال، وجرى عليهم قريبا مما جرى على أهل بغداد، وجعلوا أعزة أهلها أذلة، ثم عزموا على غزو حماة فأرسل أميرها مفاتيح البلدة إلى هولاكو، حتى لا يتعرض لمثل ما تعرض له أهل حلب، فاستناب عليها رجلا من العجم. ثم إن هولاكو بعد أن استقر في حلب أرسل جيشا مع أمير من كبار دولته يقال له كتبغانوين إلى دمشق فاستولى عليها دون ممانعة، ونهبوا بلاد الشام كلها حتى وصلوا إلى غزة . فلما بلغ الملك المظفر قطز ما حل ببلاد الشام، وكان هو سلطان مصر وعلم أن التتار عازمون على دخول مصر، بعد تمهيد ملكهم بالشام، بادرهم قبل أن يبادروه وبرز إليهم بعسكره وجنوده وقد أعلن الجهاد العام ودعا الجميع لقتالهم من أهل مصر وغيرهم، واجتمعت كلمة الأمراء عليه، فسار إلى الشام، ونزل على مكان يقال له عين جالوت، (وهو مكان قرب عند مدينة بيسان في غور الأردن) فلما بلغ التتار في الشام خروج المسلمين وجيوشهم، خرجوا إليهم سريعا ، وكان عسكر التتار بقيادة كتبغانوين ، وأخذه الغرور ورفض الاستنجاد بهولاكو، وجمع جيوشه الموجودة في الشام، فالتقى بجيش المسلمين في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 658هـ فاقتتلوا قتالا عظيما، وثبت المسلمون في أماكنهم واستبسلوا في القتال هم وأمراؤهم ، وأخذ الخطباء يدعون لهم على المنابر في خطبة الجمعة ، واستمر القتال حتى إذا كان الليل أنزل الله جل وعلا نصره على المؤمنين، فانهزم التتار هزيمة منكرة هائلة، وقتل أميرهم وقائدهم كتبغانوين، وجماعة من أهل بيته، قتله الأمير جمال الدين آقوش الشمسي، وقد قاتل الملك المنصور صاحب حماه مع الملك المظفر قتالا شديدا حتى أنزل الله نصره عليهم. هذا ولم يكتف المسلمون بالانتصار في المعركة بل اتبعوا التتار الفارين بقيادة الأمير بيبرس البندقداري ومعه جماعة من المسلمين الشجعان حتى وصلوا خلفهم إلى حلب وهرب من كان بدمشق منهم فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم ويتفكون الأسارى من أيديهم. وأيد الله الإسلام وأهله تأيدا مؤزرا وكبت النصارى واليهود والمنافقين وجعل الدائرة عليهم، وذلك أنهم لما حضر التتار إلى الشام، ذهبوا إليهم وقد جمعوا لهم الهدايا والأموال وأعلنوا فرحهم بمقدمهم، وأخذوا لأنفسهم الأمان وعادوا إلى دمشق، فتطاولوا على المسلمين وأخذوا يرشون الخمر في كل مكان على الأبواب والمساجد، وأظهروا دين النصارى وأخرجوا الصليب، وأخذوا يسبون المسلمين ودينهم، وعمروا كنائسهم وحاولوا تخريب كثير من المساجد، فلما انتصر المسلمون على التتار في هذه الموقعة، تبادروا إلى الكنيسة التي أخرجوا منها الصليب فانتهبوا ما فيها وأحرقوها، وكان ذلك تأديبا لهم ونكالا على غدرهم ومعاونتهم التتار على المسلمين. ودخل الملك المظفر قطز دمشق في أبهة عظيمة وفرحة المسلمين غامرة فدعوا له دعاء كثيرا واستخلص حلب وحماه وحمص من أيدي التتار، وطهر بلاد الشام منهم ومن ظلمهم وبغيهم، وطردهم وجنودهم عنها. وكان هذه المعركة أول انتصار للمسلمين على التتار منذ خروجهم، بعد أن أخذ اليأس يدب في قلوب كثير منهم، وظنوا أن بلاد المسلمين كلها ستقع تحت أيديهم، لما عرفوا به من شدة البطش والطغيان، كما كانت هذه الغزوة سببا في إيقاف مد التتار وإزالة ملكهم بالكلية عن بلاد الشام وإن كانوا حاولوا مهاجمتها مرارا .