فتح حارم

حارم بلدة تقع غربي حلب، على طريق أنطاكية، فيها أثار حصون منيعة كانت سببا في بقائها تحت ملك الفرنج مدة طويلة وكان ابتداء فتحها في عام 551 هـ عندما هاجم القائد المجاهد نور الدين بن زنكي قلعتها الحصينة المعروفة بـ قلعة تل حارم (وكانت من أحص القلاع وأمنع البقاع) وقد تمكن بفضل الله من اقتلاعها من أيدي الفرنج والاستيلاء عليها، وذلك بعد قتال عظيم ووقعة هائلة كانت من أكبر الفتوحات في ذلك الوقت، حتى إن الشعراء تبادروا إلى مدحه والثناء عليه بعد هذا الانتصار. فلما كان في شهر رمضان من عام 559 هـ قام نور الدين زنكي بجمع جيوشه ومهاجمة المدينة مرة ثانية وكان سبب ذلك أن شاور وزير مصر، هرب إليه بعد أن تمكن ضرغام من تولي الوزارة في مصر بالقوة، فهرب منه واستجار بنور الدين زنكي وأقام عنده، ثم طلب من نور الدين أن يرسل معه جيشا لاستعادة مصر من ضرغام، على أن يكون له ثلث ما تخرجه من مصر، فأرسل معه نور الدين زنكي جيشا بقيادة الأمير أسد الدين شيركوه بن شادي، فاقتتلوا مع من بها من أتباع ضرغام واستطاعوا هزيمتهم، وقتل ضرغام وطيف برأسه في البلاد، واستقر أمر شاور في الوزارة، لكنه لم يف لنور الدين بما وعده بل نكث العهد وتعاهد مع العاضد (وهو حاكم مصر في ذلك الوقت) على أسد الدين شيركوه، وطلب منه الخروج بجيوشه من مصر، فأبى عليه شيركوه وأخذ في فتح البلاد والاستيلاء على القرى المصرية، فما كان من شاور إلا أن استغاث بملك الفرنج في عسقلان واسمه مري، وأطمعهم في البلاد ووعدهم بتسليمها لهم إن هم أغاثوه وأعانوه على البقاء في الوزارة، فأقبل مري هذا في خلق كثير من الإفرنج وجيوش عظيمة، ومعه من تبعه من جيوش المناطق المجاورة، لما بلغ أسد الدين شيركوه نبأ خروجهم تحول بجيوشه إلى قرية بلبيس وحصنها وشحنها بالعدة والآلات والمؤونة وغيرها، فلما وصل الإفرنج حاصروه فيها ثمانية أشهر، فامتنع عليهم ورفض الاستسلام، وأرسل إلى نور الدين زنكي يخبره بما جرى، فما كان من نور الدين إلى أن جمع الجيوش واستغاث بمن حوله من الملوك والأمراء. فاستجابوا له وحضروا بجيوشهم واستنفر الناس للجهاد، فلما اجتمعت عنده الجيوش المسلمة، خرج في رمضان من سنة 559هـ واتجه صوب مدينة حارم معقلهم المنيع. فلما بلغ الإفرنج ما فعله نور الدين جمعوا عساكرهم وجيوشهم واستغاثوا بمن حولهم فحضر البرنس صاحب أنطاكية والقومص صاحب طرابلس، والدوك وهو مقدم الروم جميعا، فالتقوا عند مدينة حارم واستبسلوا في الدفاع عنها، وثبت المسلمون ثباتا عظيما وصبروا مع شدة المعركة وقوة القتال ومناعة حصون حارم وشدتها، حتى فرج الله عنهم وأنزل نصره المبين فانتصر المسلمون عليهم نصرا عظيما، فهزموا هزيمة نكراء، فقتل منهم عشرة آلاف وقيل عشرون ألفا. وأسر كثير من أمرائهم وقادتهم منهم البرنس صاحب أنطاكية، والقومص صاحب طرابلس، والدوك مقدم الروم، وابن جوسلين، وغيرهم. هذا وقد حاول الإفرنج استعادة المدينة عدة مرات فلم يتمكنوا من ذلك، منها ما حدث في عهد الملك الصالح صاحب حلب حيث حاصروا حارم فلم يتمكنوا من أخذها وأزاحهم عنها الملك الصالح، ودفع إليه بعض الأموال وأفرج عن بعض الأسرى فلم يصلوا إلى ما أرادوا.