هذه هي الحياة

على الشرفة وقفت أنظر ما حولي من خلق الله أغرتني أشعة شمس الصباح الذهبية بجمالها ودفئها اللذيذ فجلست. في السماء بقايا غيمات شاردات يلملمها الشتاء الذي يستعد للرحيل يجري خلفها بريح نصف باردة داعبت الريح وجهي فأنعشته. حديقة صغيرة، حفنة من أشجار عارية، سور خفيض يمتد فوقه قط باسترخاء، وطريق عريض يتفرع منه درب يمر بجانب السور الخفيض على الطرف الآخر للطريق شجرة خضراء تداعب الريح أوراقها فأسمع حفيفا جميلا، قضت شتاءها وحيدة تتذكر، كم لاذ بظلها أناس في الصيف الذي مضى. هي لا تدري أن الناس هم هكذا، لا يعرفونك إلا حين الحاجة إليك. تحت الشرفات وفي زوايا البيوت، تلوذ بعض من عصافير الدوري تمد رؤوسها باحثة مستطلعة. وعلى الرصيف فتى غض الشارب، يروح ويجيء وعينه على نافذة بعينها. حليب، حليب حليب صاغ ما هو مغشوش نادى رجل أربعيني يحمل سطلا ومكيالا، يميز حليبه. فالغش هو القاعدة هذه الأيام، هو يؤكد هذا بقوله. عجوز يمشي الهوينى، يده على عكاز عتيق، وبالأخرى يحمل بضعة أرغفة. ابتسم الشاب بسمة رضى، وحول عينيه من على النافذة إلى الطريق، حفنة من بنائين يمضون مسرعين. قال كبيرهم سننهي اليوم بناء الدور الثالث، سننتقل إلى بناء آخر ريثما يصب السقف، صاحب البناء الجديد ثري وأي ثري، يريد بناء قصر متفرد. ثيابهم وصرر طعامهم تنبئ عن معيشتهم، يبنون قصورا لا يسكنونها، بل لا يحلمون بسكناها. هلت فتاة بجديلتين من طرف البناء المقابل، تحمل حقيبة مدرسية، ابتسمت ابتسامة خجولة، والتحقت بالفتى الذي صعد الحافلة القادمة مسرورا، كانت على موعد معهما. طفل حفرت الريح نصف الباردة أذنيه وأرنبة أنفه، يحمل على ظهره حقيبة صغيرة، يسير على الدرب بجانب السور، وبكلتا يديه يمسك رغيفا يقضمه بلهفة، وهو يمضي مسرعا كي لا يسبقه الوقت. لوحت له أمه من النافذة. وقلبها وعيناها يسيران معه يحرسانه هو لا يشعر بها الآن سيعرف ذلك فيما بعد تساقط من رغيفه بعض الفتات انقضت حفنة من عصافير الدوري على ما تساقط تصارخت تعاركت كل يريد السطو على ما تساقط تحفز القط انقض عليها أنشب أظفاره وأنيابه بواحد منها وفرحا مضى به ليلتهمه طارت بقية العصافير مذعورة وقفت على الأغصان العارية والشرفات وعينها على الفتات تنتظر فرصة الانقضاض عليه تناست من سقط منها قبل قليل هكذا هم الساقطون ينسون بسرعة لملمت نفسي السارحة في ملكوت الله ودخلت كان وقت عملي قد حان والحياة لا تنتظر.