عباءة خريفية

إنني أشم رائحة الخريف .. ووجع الخريف يعتريني.. عواء رياحه يصم أذني.. خرجت لأشاهد مظاهره التي تأسرني.. طويت الدروب.. لامست الأشجار .. لكن كل شيء لا يشابه الخريف. الأشجار يانعة خضراء.. والشمس تسكب أشعتها على الأشياء فتتلألأ حبات الندى بفرح طفولي.. والخريف.. الخريف.. بعيد عنهم كل البعد. لكنه يعتريني .. يضرب أيامي بعريه وحزنه.. وكأنني شجرة وحيدة عارية وسط مساحات متباعدة المنال تتراكض أوراقي هاربة .. مقهقهة وهي تلوح لي بأصابع يابسة .. وعجلات الريح تفتتها بصخب مفجع.. نعم إنه الخريف الملون بلون الصبر واللوعة.. بعينيه المنتظرة المودعة.. بدموعه الحنونة .. التي تنسكب على قلبي الحزين.. أبدا لا أرى ما أحسه.. لعل الأشجار نسيت أن تمارس طقوس فصلها الكئيب .. لعل الرياح تعوي وتلهو في مكان آخر.. إلا أن الصقيع يلفح جوانبي .. ويطوق قلبي المكتوم.. والريح تهزني تريد أن تجتثني من جذوري.. الدروب تمتد أمامي.. تغريني في ملامستها.. فأنا أبحث عن الخريف الذي يجلدني بسوطه ولا أراه في أي مكان .. فمواسم الفرح في كل الأركان .. بينما قلبي يغلق أبوابه على أوجاعه الممضة.. جلست على صخرة ناتئة في طرف الطريق وعيناي معلقتان في الآفاق المترامية والمدى البعيد.. كل شيء على حاله .. فالزرع يتراكض في المروج المنبسطة .. وزهور الدروب تطل بأعناقها تستكشف القادمين.. بفضول. كل شيء يقول شيئا واحدا إلا قلبي المعتم الذي يلفحه الصقيع ويقض مضجعه.. نهضت لأرجع أدراجي.. لأتحقق من الأمر.. أي فصل هذا؟ أشحت بوجهي عن كل شيء حتى وصلت بيتي .. نظرت إلى التقويم .. نسيت أنني لم أبدله منذ زمن.. وبقي ليؤرخ يوم رحيل الحبيب.. فالرحيل أوقف الزمن في حياتي عند قدمي الخريف.. وألبسني عباءة خريفية.. لكن أحدا أيقظني من ذكرياتي .. وجعلني أبحث عن كل شيء.. إلا الخريف..