في تلك الليلة

-1- كان أمي العجوز تحب النوم كثيرا.. وكنت أحسدها على هذه الميزة العجيبة، فهي لا تنهض إلا عند الضرورة، لدرجة أنني أقوم بأعمال المنزل على أكمل وجه: أمسح زجاج النوافذ والسجادة الحمراء، وأشطف الدرج والشرفة الصغيرة، وأحيانا كثيرة أطبخ.. ونحن أقصد أنا وأمي. نسكن داخل غرفة صغيرة من بيوت المدينة، وبالرغم صغرها، كنت أجد صعوبة في تنظيفها، وارتبك أحيانا في ترتيب أثاثها البسيط. وكان الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن تراه، هو ذاك الغزال الحزين دائما، وهو تمثال احتفظت به أمي منذ طفولتها. كانت تقول لي باستمرار: هذا الغزال هدية من جدك، إذا مت احتفظ له- أمانة برقبتك. وكان التمثال يحزنني، ويبعث في نفسي الخوف والقلق من الآتي، فأحاول بأن لا أنظر إليه عن قصد. لم يخطر ببالي أن اسأل أمي عن سبب هذا الحزن العميق في عيني الغزال. لكنني ومنذ أيام قليلة، أيقظتها لأسألها، نهضت بتكاسل، وتثاءبت ثم حدقت إلى الغزال وأجابت: الغزلان دائما حزينة يا بني، لأنها مهددة بالخطر من قبل الإنسان والحيوانات المفترسة، لذلك تبدو الدموع في عينيها وكأنها تبكي على حياتها التي لا تدوم طويلا. -2- عدت متأخرا هذا المساء.. كانت والدتي العجوز نائمة كالعادة.. أو هكذا بدت لي، هادئة وساكنة أكثر من أية ليلة مضت. أكلت بشراهة، لأن الجوع عضني اليوم بقسوة، ونهش معدتي. لم أوقظ أمي، تعمدت هذه الليلة ألا أزعجها، في ساعة متأخرة من الليل، انسليت من فراشي ببطء وهدوء، وأثناء ذلك لمحت الغزال الوديع، القابع فوق الطاولة، وقد امتلأت عيناه بدمعتين كبيرتين. فيما بعد عرفت أن الغزلان يمكن أن تحزن وتبكي على الأشخاص الذين عاشت معهم. آه تذكرت.. على فكرة.. لقد نسيت أن أخبركم أن أمي العجوز ماتت في تلك الليلة!