نظرة مستقبلية إلى أدب الطفل

نظرة مستقبلية إلى أدب الطفل كانت إحدى فعاليات الندوة الثقافية المتخصصة ( الموروث الشعبي وعلاقته بالإبداع الفني والفكري في العالم العربي أدب الطفل). والتي أقيمت على هامش المهرجان الوطني للتراث والثقافة الثامن عام 1413هـ - 1993م. وشارك في هذه الفعالية كل من: عبد التواب يوسف،محمد بن سعد بن حسين، د. صابر عبد الدايم، د.يحيى أبو الخير، نجيب الرفاعي، ومن تلك الندوة استقينا الموضوع التالي: المستقبل لم يعد ضربا للرمل، وقراءة للفنجان، بل هو تحديد للأهداف ورسم الاستراتيجيات، ووضع الخطط، وتنفيذ للبرامج، والتفكير فريضة إسلامية لا عبادة مثل التفكير وقد منحنا العقل لنعمله، كي نستشرف المستقبل ونعد له، حتى لا يفاجئنا. وماضي أدب الطفل، قد بدأ شفهيا.. ربما مع حواء وهي تروي لقابيل وهابيل حكاية خروجها وآدم من الجنة.. وكان هناك أدب مصري قديم، إبان عهد الفراعنة، أصبح مصدرا لكثير من الأعمال الأدبية، بعضها معاصر، ومن ذلك قصة البحار الغريقوسنوحي المصري وقصص السحرة في عهد خوفو. وكانت المثيولجيا اليونانية مصدرا آخر للقصص، لم نتقبله لما يحويه من صراعات بين آلهتهم وإن كان هروثون قد صاغ بعضا منها للأطفال بشكل رائع. ألف ليلة وليلة وجاء عصر الحضارة العربية الإسلامية، وقد أمد الإنسانية بكنز رائع من الحكايات، في مقدمتها ألف ليلة، وما من طفل في العالم إلا ويعرف علي بابا وعلاء الدين والسندباد..كما حظيت قصص الحيوان في كليلة ودمنة باهتمام كبير.. بجانب تلك الحكايات العربية المتناثرة في العقد الفريد، وفي كتابات الجاحظ، وفي غير ذلك من كتب التراث. ومن المهم هنا أن نتوقف عند الأدب الشعبي الذي هو مصدر عالمي لقصص الأطفال..عبد الكريم جيمهان جمع تراث الجزيرة? وعبد الرحيم الغول حكايات الأردن، وداود سلوم حكايات العراق وصفوت كمال حكايات الكويت، ود. طالب الدوبك حكايات قطر، وفي مصر ريادة الاهتمام بالأدب الشعبي كانت على يد د.فؤاد حسنين ود. عبد الحميد يونس ود. سهير القلماوي.. وفاروق خورشيد وعز الدين إسماعيل ونبيلة إبراهيم ود. أحمد مرسي.. والتجميع تم بشكل متواتر على أيدي الكثيرين. وعالميا هناك ما جمعه ريديارد كلبنج من القصص السببية التي تفسر الظواهر الطبيعية، فضلا عن جامعي الحكايات من أمثال الأخوين جريم في ألمانيا، وشارم بيرو في فرنسا وكلبنج وجاكويز في إنجلترا..الخ. ثمة مأساة ومأساة أدب الأطفال في الحاضر تتمثل في ركون البعض إلى مجرد صياغة القديم.. لقد بدأ أدب الأطفال العرب شعرا على يد أحمد شوقي(1898) ونثرا على يد كامل كيلاني(1927).. وكانت هناك محاولات للإبداع على منوال التراث من ذلك (سندباد) لسعيد العريان وكريم الدين البغدادي و (عمرون شاه) لفريد أبو حديد. وكانت هناك جهود في المغرب لعبد السلام البقالي، وفي سوريا لزكريا تامر، وفي السودان لإبراهيم إسحاق. في المقابل ازدهر أدب الأطفال في الغرب ازدهارا كبيرا، بل أظنه تجاوز أدب الكبار في كثير من البلدان.. يتبدى ذلك في ما يزيد على ثلث مليون كتاب في مكتبة I.y.l في ميونخ، بجانب مراكز أدب الأطفال العالمية. وكانت هناك محاولة لترجمة كلاسيكيات أدب الأطفال والكلاسيكيات هي الدعامة التي يمكن أن ينبني عليها أدب للأطفال، إذا قرؤوها جيلا بعد جيل. والمأساة الحقيقية انفصام أدب الأطفال العرب عن أدب الأطفال العالمي، فليس هناك كاتب واحد عالمي معروف عربيا غير اندرسون، وربما لويس كارول.. وبعد الحرب العالمية الثانية بدأ سيل ينهمر من الأعمال الأدبية الرائعة، لا تصل إلينا، بل ليس لدينا من يعرف اسم فائز واحد بجائزة اندرسون..بدءا من اليانور فارجون وصولا إلى فرجينيا هاملتون..أسماء مجهولة هنا، مع أنهم يتساوون مع الفائزين بنوبل. أدب والت ديزني! هذا الأدب العالمي الراقي لم يصل إلينا، بينما ألحت علينا المؤسسات التجارية الأجنبية لتبيع لنا إنتاجها، الذي هو في تقديرنا تدمير لهذا الأدب(والت ديزني وغيره) وهو يدغدغ مشاعر المشاهدين،مغفلا الاحتياجات الضرورية للأطفال? الأمر الذي جعل النقاد يوجهون إليه انتقادات حادة. ولابد هنا من الإشادة بأدب الخيال العلمي الذي يحاول أن يستشرف المستقبل منذ كتب هـ. ج ويلز الإنجليزي وجول فيرن الفرنسي وسلجاري الإيطالي.. وقد تنبأ فيرون بنحو 19 اختراعا توصلت الإنسانية إلى 17 منها..وقد حدث انفجار في هذا المجال بعد الحرب العالمية الثانية واشتهر به إسحاق اسيموف. وجوهر الكلام أنه من الضروري أن نرصف جسورا بيننا وبين كتاب الأطفال المرموقين على المستوى العالمي وبخاصة هؤلاء الذين حصلوا على جوائز عالمية أمثال كارينجي، ونيويري ، توما.. كتاب مبدعون! مستقبل أدب الأطفال العرب يعتمد على ظهورمبدعين جدد وعلى انتهاء عهد اللصوصية والشارونية في هذا الأدب إذ أن هؤلاء يغلقون الطريق أمام المؤلفين ..لابد من الكشف المبكر عن المبدعين ورعايتهم ..ومنح التفرغ لهم.. ولن يتأتى ازدهار هذا الأدب، اللهم إلا إذا لقي تشجيعا حقيقيا، وإلا إذا وضعنا أيدينا على الأدب المبتكر. في أمريكا وحده يصدر فيها سنويا منذ عام 1988 خمسة آلاف عنوان، ولسنا ندري في عصر انفجار المعرفة كيف يكون المستقبل هنا. والحديث عن أدب الأطفال شعرا ونثرا، قصة ورواية وليس عن أدبيات الأطفال وما يكتب لهم من معارف ومعلومات.. والدراسات التي تكتب هنا عن هذا الأدب لا تواكب العصر بل نحن لا نعرف ما يكتب على المستوى العالمي.. الأدب الإسلامي وهناك فنون أدبية حديثة مثل( الكتب المصورة) لم ننتج منها شيئا، وقد أصبحت عالميا لها مكانتها الكبيرة.. وهي أصعب ألوان الكتب الأدبية، واقتحامها في حاجة إلى جهد حميد.. ونأتي للأدب الإسلامي للأطفال.. الكتابات الإسلامية قاصرة على التاريخ الإسلامي ، السير ،البطولات، ونادر هو كاتب الأطفال الإسلامي،الذي يكتب عن العقيدة، والقرآن الكريم، والحديث الشريف، وأركان الإسلام، والقيم التي يجب ترسيخها في نفوس الأطفال.