أدب السيرة الشعبية والطفل العربي

القصة والمسرح في أدب الطفل كانت إحدى فعاليات الندوة الثقافية المتخصصة ( الموروث الشعبي وعلاقته بالإبداع الفني والفكري في العالم العربي أدب الطفل). والتي أقيمت على هامش المهرجان الوطني للتراث والثقافة الثامن عام 1413هـ - 1993م. وشارك في هذه الفعالية كل من: أحمد عبد السلام البقالي، علوي الصافي،أحمد محمود نجيب، د.عبد المحسن القحطاني، محمد حسن بريغش، ومن تلك الندوة استقينا الموضوع التالي. تعتبر السيرة الشعبية إلى جانب كل ما يدخل تحت الموروث الشعبي من أهم مصادر أدب الأطفال. وبالرغم من أن السيرة الشعبية التي وصلت إلينا قليلة العدد.. إلا أن الكتاب قد أقبلوا عليها يقدمونها في أشكال مختلفة من التبسط والتيسير والتخليص. ونلاحظ أن السيرة الشعبية باعتبارها أدبا شعبيا يمكن أن يكون لها عدة وظائف أهمها: 1-وظيفة ثقافية.. فالأدب الشعبي ليس مجرد وسيلة تسلية أو متعة أو ترفيه.. ولكنه زاخر بالمعارف العامة التي يحصلها الطفل من الإطار الاجتماعي الذي يحيط بهذا الأدب مثل المواقيت وأسماء الشهور والأماكن والمناخ وغيرها. 2-وظيفة جماعية أو قومية.. وهي الوظيفة التي تحافظ على التراث الجماعي من ناحية وعلى مزايا الأمة وأمجادها من ناحية أخرى.. وهذه الوظيفة تقوم على ركيزتين أساسيتين هما: أ-مرحلة التطور للبيئة والمجتمع منذ بدأت السيرة من البداوة إلى الحضارة ب-البيئة أي أبعاد الوطن جغرافيا..ونوعية هذه البيئة الاجتماعية. وظائف نفعية وتفسيرية 3-وظيفة نفعية.. حيث يرتبط الأدب الشعبي بمنفعة الإنسان وثروته أكثر مما يرتبط بتحقيق القيم الجمالية أو التسلية أو تزجية الفراغ ولذا فهو يقد م معاني عملية وقيما تربوية مختلفة. 4-وظيفة الشعور بالذات.. الفردي والجماعي.. وهذه الوظيفة تبدو في حكمة الشعب المبثوثة في أمثاله وملاحمه الكبرى التي تحكي سيرة الفرسان والأبطال. 5-وظيفة تفسير الظواهر.. بالمحافظة على الأصالة والقيم القديمة.. ويرى بعض العلماء أن السيرة الشعبية هي أهم الأشكال التي تصلح للطفل وهي تعد الحلقة الكبرى في التراث الأدبي الشعبي.. ويرون أنها بمضامينها ومحاورها خط مشترك بين العرب.. وجميعها تستهدف التصعيد إلى مثال تحرص الإنسانية أو الجماعة عليه كما تستهدف تثبيت القيم الإنسانية العليا بالإضافة إلى الترفيه والتعليم.. مراحل السيرة الشعبية إن السيرة الشعبية تقدم بطلها في مراحل خمس هي: 1-مرحلة التكوين أي فترة ولادة الشخصية قبل ملامحها وسماتها وجذورها الأولى وما يمكن أن يبدو عليه من الصغر من صفات تسمو وتتسع وتتبلور حتى يصبح بطلا. 2-مرحلة الفروسية وفيها يخلص البطل من جميع الدوافع الذاتية التي كانت تتحكم فيه ليحل محلها دوافع أخرى تحدد تقاليد الفروسية بكل مقوماتها.. 3-المرحلة الأسطورية.. حيث يصبح البطل رمزا للفارس الذي لايقهر وتصبح أهدافه أهدافا موضوعية لا ذاتية. 4-المرحلة الملحمية.. وكما هي الحال في الأعمال الملحمية بعدما يصل البطل إلى القمة..لا يجد أمامه إلا الطريق الوحيد إلى الانحدار مرة أخرى. 5-مرحلة الامتداد..حيث تنتهي حياة البطل وتنتهي إلى جواره الخيوط التي كانت تربط مجمتعه الخاص ومجتمعه العام فتتفكك كلها وتتهاوى بعد موت البطل الذي كان يربط بينها.. لكن موته الجسدي لا يعني موت أعماله أو قيمه أو بطولاته.. فكل هذا يظهر في أكثر من شكل وصورة..يظهر في أبطال صغار .. أو في معارك مماثلة ممتدة تتجسد فيها كل ما كان يفعله البطل القديم. رؤية عصرية ولاشك أن هذه المراحل إنما تترجم وتصور مجتمعا كبيرا بكل ملامحه وانتصاراته وهزائمه..طموحاته وعثراته..ونجد فيها العادات والتقاليد والقيم التي تعيش في وجدان الإنسان غير مبالية بحاجزي الزمان والمكان. مع الزمن .. وهذه السمة بالذات هي التي تغري الكاتب بتقديم السير الشعبية برؤى مختلفة للكبار والصغار على السواء..أو كما نقول بتعبير العصر.. تقديم السير الشعبية في ضوء رؤية العصر.. لأنها تتميز بالمرونة والثراء والرموز والإيحاءات والمواقف التي تمتد بدلالتها إلى الحاضر.. ومن هنا كان الجذب وكان الإغراء بتقديمها إلى قراء العصر.. وبنفس أسلوب التعامل مع ألف ليلة وليلة أو كليلة ودمنة.. الأصالة العربية يمكن أن يتعامل الكاتب مع السير الشعبية في إطار كثير من العناصر أهمها: 1-إن السيرة الشعبية منبع خصب للخيال 2-أنها تتميز باحتضان القيم الإنسانية والصراع بين الخير والشر وانتصار الخير. 3-إنها تقدم نماذج البطولة العربية ..تلك البطولة التي تعتمد على الشجاعة والإقدام وترفض التواكل والفشل والتقاعس عن العمل القومي المنشود. 4-إنها تقدم مواقف يمكن أن تتكرر وتوجد في أي عصر .. باعتبار السيرة..هي سيرة نماذج إنسانية في جميع أحوالها وتقلباتها. 5-أنها تقدم الأصالة العربية..تلك السمة التي ينبغي أن نجسدها ونحييها من جديد وأن تتوحد في وجداننا بما تبقى من جمال الماضي وروعته. 6-أنها تقدم الدراما بما فيها من عناصر السرد والتشويق والحكمة والمتعة جميعا.. وكلها تدخل في ذكاء وجدان الصغير وعقله. 7-أنها تقدم الثقافة والمعرفة بكل آفاقها وعناصرها. 8-إنها تعطي أمثلة كريمة يستعين بها الصغير والكبير في مواجهة الصعاب والمواقف المعقدة.. بفكر مفتوح وقلب لا يتقهقر 9-أنها تجسد الرغبة الملحة في تحرير النفس والجماعة من أي قيود أو حصار أو ضغوط. 10-إنها تجسد حاجة المجتمع إلى البطل الشعبي في كل العصور حيث يعطي البطل البعد الاجتماعي والإنساني والفني لأشهر الأحداث التاريخية التي يمكن أن تحدث في أي عصر. السيرة الشعبية والصغار أما القوالب الفنية التي يمكن أن تكون فيها السيرة الشعبية للصغار فيمكن أن تكون أحد القوالب الآتية: 1-تبسيط أو تيسير السيرة في قصة متعددة الفصول أو الأجزاء 2-تقديمها في صورة درامية مسرحية. 3-تقديمها أو تقديم جوانب منها في قصص صغيرة. 4-التعبير عنها شعرا 5-تقديمه في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. وهناك ملاحظة أخيرة ينبغي أن تكون تحت عين وبصيرة الكاتب هي أن السيرة الشعبية والموروث الشعبي بصفة عامة- يجب أن توضع تحت مشرط الاختيار والتنقية والتصفية.. بحيث نحترم فيما تقدمه عقلية الصغير وما يتناسب مع مرحلة عمره ومع مستوى إدراكه وثقافته ووجدانه..فنسقط كل ما يطيح بقيم الصغار.. ونعمل على تغذية خيال ووجدان وعقل الصغير بكل ما يفيد وما يضيف.