شعر الأطفال في التراث العربي

الشعر والأغنية في أدب الطفل كانت إحدى فعاليات الندوة الثقافية المتخصصة ( الموروث الشعبي وعلاقته بالإبداع الفني والفكري في العالم العربي أدب الطفل). والتي أقيمت على هامش المهرجان الوطني للتراث والثقافة الثامن عام 1413هـ - 1993م. وشارك في هذه الفعالية كل من: د. إبراهيم أبو عبادة ، يعقوب الشاروني، يحيى الدين سليمه، عبد الفتاح أبومدين، علي الصقلي، ومن تلك الندوة استقينا الموضوع التالي: أدرك العرب القدماء بفطرتهم النقية الأصول التربوية التي تدخل على صغارهم الفرحة والبهجة فقدموا لهم من شعر المناغاة ما يوفر لهم صفاء النفس وهدوء الخاطر وراحة الجسم. وحرصوا على نظم بعض الأبيات الشعرية الخفيفة التي تترنم بها الأم وتتغنى به من أجل تنويم صغيرها أو تلعيبه أو ترقيصه لإدخال السرور على نفسه. أغاني المهد وكانت الأم تعمد إلى هذا النوع من الشعر لتنويم طفلها أو لإرضائه ليكف عن البكاء، أو لتحريكه وترقيصه بهدف تسليته أو بهدف تمرين جسمه أو تشجيعه على الإقبال على الطعام أو لتعليمه النطق وتحفيظه بعض الكلمات الموزونة لتعويده على الحفظ وتعويد أذنيه على السماع والاستمتاع المنغوم وقد أطلق على الأغاني الخاصة بتنويم الطفل اسم أغاني المهد الخاصة بملاعبة الطفل فتسمى أغاني الترقيص. وهناك من لا يرى هذا التفريق فشعر ترقيص الأطفال يعد ضربا من ضروب الشعر الشعبي العربي ويطلق عليه كذلك أغاني المهد أو أغاني الطفولة. تقول هند بنت عتبة وهي تلاعب صغيرها معاوية: إن بني مغرق كريم محبب في أهله حليم ليس بفاحش ولا لئيم ولابطخرور ولا سئيم ويروى سؤوم صخر بني فهر به زعيم لايخلف الظن ولايخيم الزبير وأخوه العباس وهذا زبير بن عبد المطلب يقول في أخيه العباس: إن أخي عباس عف ذو كرم فيه عن العوراء إن قليت صمم يرتاح للمجد ويوفي بالذمم وينحر الكوماء في اليوم الشبم أكرم بأعرافك من خال وعم الأعرابي وطفلته وهذا أعرابي يعبر عن حبه الشديد لفلذة كبده، وقيل إن الأبيات لأعرابية لم ترزق ولدا وبقيت تندب حظها إلى أن رزقها الله بغلام بدل بؤسها فرحا فكانت تغني له وتقول: أحبه حب الشحيح ماله قد كان ذاق الفقر ثم ناله إذ يريد بذله بدا له أبو حمزة الغضوب وليس البنات بأقل شأنا من البنين في اهتمام الآباء والأمهات برتقيصهن وتلعيبهن. روي أن أعرابيا يدعى أبا حمزة الضبي كان قد هجر زوجه لأنها لا تلد الذكور فكان يقيل ويبيت عند بعض الجيران ومر يوما بخباء امرأته فوجدها ترقص ابنتها بهذه الكلمات: ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا غضبان ألا نلد البنينا تالله ما ذلك في أيدينا وإنما نأخذ ما أعطينا ونحن كالأرض لزارعينا ننبت ما قد زرعوه فينا وقد استطاعت هذه الأبيات أن تفعل فعلها في نفس الأب الغاضب فجاء إلى بيته وأولاده معتذرا لزوجته عما بدر منه من تصرف غير جميل وأدرك بعد أن عاد إلى صوابه ورجع إلى عقله وعمل أن هذه المرأة المسكينة لا ذنب لها ولاحول لها ولاقوة. أم الحكم وهذا الزبير بن عبد المطلب يرقص ابنته أم الحكم ويشبهها بالظبي، يقول: ياحبذا أم الحكم كأنها ريم أحم يابعلها مذا يشم ساهم فيها فسهم وهذا إعرابي يرقص ابنته فيقول: كريمة يحبها أبوها مليحة العين عذبا فوها لا تحسن السب وإن سبوها شعر تعليمي وكما نظم شعراؤنا القدماء الشعر عن الأطفال نظموه أيضا للأطفال والشعر الذي نظموه للأطفال عبارة عن شعر تعليمي يهدف إلى الحث على مكارم الأخلاق والتبصير بأمور الحياة في سلمها وحربها.. ويتمثل ذلك في قصيدة للشاعر يزيد بن الحكم الثقفي يعظ فيه ابنه بدرا يقول فيها: دم للخليل بوده ما خير ود لا يدوم وأعرف لجارك حقه والحق يعرف الكريم واعلم بأن الضيف يوما سوف يحمد أو يلوم وتعلم بني فإنه بالعلم ينتفع العليم شعر للعب!! وهناك أنواع أخرى من الشعر الموجه للطفل في تراثنا كتلك المقطعات التي يتغنى بها الأطفال أثناء ممارستهم للعب وهو ما يسمى بأغاني الألعاب ومن ذلك قول امرئ القيس في لعبة الزحلوقة: لمن زحلوقة زل بها العينان تنهل ينادي الآخر الأول ألا حلوا ألا حطوا ويفسر المفضل قول امرئ القيسألا حلوا بأن هذا معنى لعبة الصبيان إذ يجتمعون فيأخذون خشبة فيضعونها على كومة رمل ثم يجلس على أحد طرفيها جماعة فأي الجماعتين كانت أكثر ارتفعت الأخرى فينادون أصحاب الطرف الآخر ألا حلوا أي :خففوا من عددكم حتى نساويكم في التعديل.