غزوة أحد

اتفق المؤرخون على أن غزوة أحد وقعت في شوال، من السنة الثالثة من الهجرة النبوية وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، قد رأى رؤيا تختص بها، فقد روى أبو موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد رأت أني قد هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت في رؤياي بقرا، والله خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا يوم بدر (متفق عليه) أما سبب الغزوة فإنه لما أصيب مشركو قريش يوم بدر، ورجع المنهزمون إلى مكة ونجا أبو سفيان بالعير مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم، فكلموا أبا سفيان ومن كان له في تلك العير تجارة، فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وترككم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا بمن أصاب منا، فاجتمعوا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة. وقد استعان كفار قريش بكل ما أمكنهم من قوة سواء بالمال أو بالرأي، وكان ممن استعانت به قريش أبو عزة الجمحي، وقد سبق له المشاركة في غزوة بدر ووقع في الأسر، وكان ذا عيال وحاجة فقال: يا رسول الله، إني فقير ذو عيال وحاجة، فامنن علي. فمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه لحاجته وفقره وأخذ عليه العهد أن يؤلب عليه. فلما استعدت قريش للحرب أتاه صفوان فقال: يا أبا عزة إنك أمرؤ شاعر، فأعنا بلسانك ولتخرج معنا فقال: إن محمدا قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه. قال: بلى فأعنا بنفسك، فلك الله علي إن رجعت أن أعينك، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي مايصيبهن من عسر ويسر، فخرج أبو عزة يسير في تهامة ويدعو بني كنانة ويقول: إيها بني عبد مناة الرزام ???? أنتم حماة وأبوكم حام لا تعدوني نصركم بعد العام ???? لا تسلموني لا يحل إسلام ولم يبق أحد من كفار قريش يستطيع أن يعين على حرب النبي صلى الله عليه وسلم إلا فعل، حتى إن جبير بن مطعم دعا غلاما له حبشيا يقال له وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها، فقال له: اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق. فلما جاء الموعد المحدد خرجت قريش بحدها وحديدها، وقد أخرجوا معهم نساءهم حتى لا يفروا من المعركة، فخرج أبو سفيان وهو قائد الناس بهند بنت عتبة، وخرج عكرمة بأم حكيم بنت الحارث بن هشام. فما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخبر استشار الصحابة (وكان يكره الخروج إليهم ويرى البقاء في المدينة وقتالهم فيها ) فقال رجال ممن فاتتهم غزوة بدر: يا رسول الله اخرج بنا إليهم لا يرون أنا جبنا عنهم. وكانوا يرجون أن يحصل لهم من الفضل والثواب ما حصل لإخوانهم يوم بدر، ولم يزالوا بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل فلبس درعه وأدوات الحرب، فتلاوم القوم عند ذلك وقالوا: عرض نبي الله بأمر وعرضتم بغيره. اذهب يا حمزة فقل للنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا لأمرك تبع. فأتى حمزة قال: يا رسول الله، إن القوم قد تلاوموا، فقالوا: أمرنا لأمرك تبع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز. (أي حتى يقاتل العدو) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يهدف إلى الاستفادة من حصون المدينة وطبيعتها في القتال لكن كان أمر الله قدرا مقدورا. تجهز المسلمون وخرج بهم النبي صلى الله عليه وسلم وعدتهم ألف مقاتل، حتى إذا كان في مكان يقال له الشوط بين المدينة وأحد انخزل عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس وقال: أطاعهم وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس؟! (وقد كان ابن أبي سلول ممن أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بالبقاء في المدينة ) فلما عاد بالناس لحقهم عبد الله بن حرام والد جابر فقال: أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم. قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال. هذا وقد كادت بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس أن ينخذلوا مع المنافقين، لولا أن الله ثبتهم مع المؤمنين. هذا وقد عرض الأنصار على النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعينوا باليهود حلفائهم، فقال: إنا لا حاجة لنا فيهم. ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه من المؤمنين، وهم سبعمائة وجعل راية المهاجرين مرطا أسود لعائشة، وراية الأنصار معهم ويقال لها العقاب، فسار حتى نزل الشعب من أحد فجعل ظهره وعسكره إلى الجبل، ووجهه إلى المدينة وبدأ في إعداد أصحابه، فاختار خمسين رجلا من الرماة وجعل عليهم عبد الله بن جبير، وجعلهم فوق تل مقابل أحد حتى لا يطوقهم المشركون، ولكي يكون القتال من جهة واحدة، فقال لهم: انضحوا عنا الخيل بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت الحرب لنا أو علينا. بل روى البخاري أنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم. وجعل على ميمنته علي بن أبي طالب وعلى ميسرته منذر بن عمرو الساعدي، والزبير بن العوام على الرجالة ويقال المقداد بن الأسود، وجعل حمزة على القلب، واللواء مع مصعب بن عمير. وبهذه الطريقة سيطر المسلمون على المرتفعات وتركوا الوادي لجيش مكة ليواجه أحد وظهره إلى المدينة. أما كفار قريش فإنهم قدموا في ثلاثة آلاف مقاتل، معهم مائتا فرس قد جنبوها فلم يركبوها، حتى وصلوا المدينة لتكون في أكمل نشاطها، وقد جعلوا على الميمنة خالدا وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، ومعهم عبد عمرو بن صيفي وهو من الأوس خرج معاديا للنبي صلى الله عليه وسلم ومعه بعض غلمان الأوس، وكان يلقب بالراهب فلقبه النبي صلى الله عليه وسلم بالفاسق. وظل هذا الرجل يعد قريشا بأنه إذا لقي قومه ودعاهم إليه فإنه لا يختلف عليه منهم اثنان. فلما التقى الجيشان نادى قومه من الأوس لينضموا معه للحرب في صفوف المشركين ضد المسلمي، فأغلظوا له القول وكان مما قالوه له: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق. فقال عند ذلك: لقد أصاب قومي بعدي شرا. وقام النبي صلى الله عليه وسلم يحث الصحابة على القتال، وكان من ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفا يوم أحد فقال: من يأخذ مني هذا السيف بحقه؟ فبسطوا أيديهم كل إنسان منه يقول: أنا، أنا. فقال: من يأخذه بحقه؟ فأحجم القوم، فقال له أبو دجانة سماك: أنا آخذه بحقه. قال: فأخذه ففلق به هام المشركين. أخرجه مسلم. وبدأ القتال بالمبارزة بين علي وطلحة بن عثمان، حامل لواء المشركين فقتل علي طلحة ثم التحم الجيشان واشتد القتال واستبسل المسلون وقاتلوا أشد القتال، روى الزهري رحمه الله: أن رجلا من المشركين خرج يوم أحد فدعا إلى البراز فأحجم عنه الناس، حتى دعا ثلاثا، وهو على جمل له، فقام إليه الزبير فوثب حتى استوى معه على بعيره، ثم عانقه فاقتتلا فوق البعير جميعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذي يلي حضيض الأرض مقتول. فوقع المشرك ووقع عليه الزبير فذبحه. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قرب الزبير فأجلسه على فخذه وقال: إن لكل نبي حواريا والزبير حواريي (رواه ابن إسحاق والبخاري) وقاتل حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قتل أرطأة بن عبد شرحبيل بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء، ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني، وكان يكنى بأبي نيار، فقال له حمزة: هلم إلي يابن مقطعة البظور. وكانت أمه ختانة بمكة. وهنا استغل وحشي هذا الفرصة قال: والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يقوم له شيء، مثل الجمل الأورق، إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فضربه ضربة فكأن ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت في أسفل بطنه حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي فغلب فوقع وأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي، ثم تنحيت إلى العسكر ولم يكن لي حاجة بالقتال إنما قتلته لأعتق، فلما قدمت مكة أعتقت. وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي، وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى قريش فقال: قتلت محمدا فلما قتل مصعب أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب. والتقى حنظلة بن أبي عامر الغسيل بأبي سفيان واقتتلا فلما علاه حنظلة وكاد يقتله رآه شداد بن الأسود فضربه فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صاحبكم يعني حنظلة لتغسله الملائكة. فسألوا أهله: ما شأنه؟ فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتف. وأقبل أبو دجانة معلما بعصابته الحمراء آخذا بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم مصمما على أداء حقه فقاتل حتى أمعن في الناس وجعل لا يلقى مشركا إلا قتله، وأخذ يهد صفوف المشركين هدا، قال الزبير بن العوام وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة وقلت أي في نفسي أنا ابن صفية عمته، ومن قريش وقد قمت إليه فسألته، إياه قبله فآتاه إياه وتركني، والله لأنظرن ما يصنع؟ فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله، وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا زفف عليه فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا، فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته، فعضت بسيفه، فضربه أبو دجانة فقتله. ثم أمعن أبو دجانة في هد الصفوف، يقول أبو دجانة رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا فصمدت له، فلما حملت عليه السيف ولول، فإذا هو امرأة، فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة. هذا وقد حاول المشركون الهجوم على المسلمين من ناحية الرماة ثلاث مرات بقيادة خالد بن الوليد كل ذلك والرماة يردونهم برشقهم بالنبال. ثم أنزل الله نصره على المؤمنين وصدقهم وعده فتقدموا على المشركين وكشفوهم عن معسكرهم وكانت الهزيمة لا شك فيها. قال البراء بن عازب كما رواه البخاري فلما لقيناهم هربوا، حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل، يرفعن سوقهن قد بدت خلاخيلهن، وتبع المسلمون المشركين، يضعون فيهم السلاح، وينتهبون الغنائم. قال الزبير: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه، وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من خلفنا، وصرخ صارخ إلا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد من القوم، ولم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته فاجتمعوا عليه. إن الذي حدث أنه عندما انهزم المشركون في بادئ الأمر قال الرماة من أصحاب ابن جبير: الغنيمة الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال: عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة. ثم هرعوا إلى جمع الغنائم وتركوا أماكنهم. وهنا حانت التفاتة من خالد بن الوليد فرأى تخلي الرماة عن مكانهم فالتف حول المسلمين بمن معه من الخيالة وأتى جيش المسلمين من خلفهم بعد أن تمكن من قتل من بقي من الرماة مع عبد الله بن جبير فلما رآه المشركون عادوا إلى ميدان المعركة فأحاطوا بالمسلمين وارتبك المسلمون إلى الحد الذي الذي لم يقدر أن يميز بعضهم المسلم من الكافر، وفي هذه اللحظات قتل المسلمون اليمان والد حذيفة وابنه حذيفة يصرخ فيهم أي عباد الله أبي، ثم قال لهم عندما قتلوه يغفر الله لكم وتنازل عن ديته أخره البخاري وفر جمع من المسلمين من الميدان وجلس بعضهم دون قتال وتصدى آخرون للمشركين وحرضوا المؤمنين على القتال حتى نالوا الشهادة، ومن هؤلاء أنس بن النضر الذي كاد يتشوق لتعويض ما فاته من فضل بدر وكان الفارون لا يلوون على شيء على الرغم من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بالثبات معه، وكان من أسباب فرارهم سماعهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات وظل النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا في مكانه، قال جابر رضي الله عنه: انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار، وطلحة بن عبيد الله، وهو يصعد في الجبل، فلحقهم المشركون. فقال: ألا أحد لهؤلاء؟ فقال طلحة: أنا يا رسول الله. قال: كما أنت يا طلحة. فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله.فقاتل عنه، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه معه، ثم قتل الأنصاري فلحقوه فقال: ألا أحد لهؤلاء؟ فقال طلحة مثل قوله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله . فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فأذن له فقاتل ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصعدون، ثم قتل فلحقوه، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل قوله ويقول طلحة: أنا فيحبسه ويستأذنه رجل من الأنصار فيأذن له، حتى لم يبق معه إلا طلحة، فغشوهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لهؤلاء؟ فقال طلحة: أنا. فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله، فقال حس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت بسم الله أو ذكرت اسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء. ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلى أصحابه وهم مجتمعون. وروى أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوب عنه (أي يترس عنه) وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمر بالجعبة فيها النبل فينثرها لأبي طلحة ويشرف نبي الله صلى الله عليه وسلم، فينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر الصديق وأم سليم وإنهما مشمرتان أرى خدم سوقهما، تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم. وروى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة شلاء، وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد. ولذا فقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: من ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله. رواه الترمذي وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك يوم كله لطلحة. هذا وقد أبدى كثير من الصحابة بطولة نادرة فهذا أنس بن النضر، وقد ألقوا بأيديهم فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ فقال أين يا أبا عمر؟ فقال أنس واها لريح الجنة يا سعد، إني أجده دون أحد ثم مضى فقاتل حتى قتل فما عرف حتى عرفته أخته بعد نهاية المعركة ببنانه وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم. رواه البخاري وروى مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش فلما رهقوه قال: من يردهم عنا وله الجنة؟ أو هو رفيقي في الجنة؟ فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضا، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه أي القرشيين: ما أنصفنا أصحابنا. وقد أصيب النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المعركة بإصابات عديدة، فهذا عتبة بن أبي وقاص يرميه بالحجارة فيقع لشقه وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وكلمت شفته السفلى، وتقدم إليه عبد الله بن شهاب الزهري فشجه في جبهته ? وجاء عبد الله بن قمئة فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة،شكا منها النبي صلى الله عليه وسلم لأجلها أكثر من شهر، إلا أن لم يتمكن من هتك الدرعين، ثم ضرب على وجنة النبي صلى الله عليه وسلم ضربة عنيفة أخرى كالأولى، حتى دخلت حلقتان من المغفر في وجنته صلى الله عليه وسلم وقال: خذها وأنا ابن قمئة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له وهو يمسح الدم عن وجهه: أقمأك الله. فلم يلبث أن انتقم الله منه وذلك أنه خرج إلى غنمه فوافوها على ذروة جبل فدخل عليها فشد عليه تيسها فنطحة نطحة أرداه من شاهق الجبل فتقطع. كما ذكره ابن حجر في فتح الباري. هذا وقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته، وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول: كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله، فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون هذا وقد أنزل الله ملائكته تقاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم وتدافع عنه ففي البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض، كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد. وفي رواية يعني جبريل وميكائيل. وبعد أن أفاق الصحابة من هذه المفاجأة التي لم يتوقعوها بدأوا في البحث عن النبي صلى الله عليه وسلم والالتفاف حوله روى ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال أبو بكر الصديق لما كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أول من فاء على النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت بين يديه رجل يقاتل عنه ويحميه، قلت كن طلحة فداك أبي وأمي كن طلحة، فداك أبي وأمي فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح وإذا هو يشتد كأنه طير، حتى لحقني فدفعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا طلحة بين يديه صريعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم دونكم أخاكم فقد أوجب وقد رمي النبي صلى الله عليه وسلم في وجنته حتى غابت حلقتان من حلق المغفر في وجنته فذهبت لأنزعهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيدة نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني قال: فأخذ بفيه فجعل ينضضه كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استل السهم بفيه فندرت ثنية أبي عبيدة قال أبو بكر ثم ذهبت لآخذ الآخر فقال أبو عبيدة نشدتك بالله يا أبكر إلا تركتني قال فأخذه فجعل ينضضه حتى استله، فندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دونكم أخاكم فقد أوجب قال: فأقبلنا على طلحة نعالجه ? وقد أصابته بضع عشرة ضربة. وتتابع المسلمون في الاجتماع حول النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أبو دجانة وعلي بن أبي طالب وسهل بن حنيف ومالك بن سنان وقتادة وعمر بن الخطاب وغيرهم. وقام النبي صلىالله عليه وسلم ليسير، فسقط في بعض الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بها، فجحشت ركبته، وأخذ علي بيده، واحتضنه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما ثم انطلق بهم إلى جيشه وأخذ بالانسحاب بهم إلى الشعب، فكان أول من عرفه كعب بن مالك فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه أن أصمت. وأنزل الله النعاس على المؤمنين أمنة منه قال أبو طلحة: كنت ممن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا، يسقط وآخذه، ويسقط وآخذه. رواه البخاري وحاول أبي بن خلف أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل وهو يقول أين محمدا لا نجوت إن نجا؟ فقال القوم يا رسول الله أيعطف عليه رجل منا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فلما دنا منه تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة فلما أخذها منه انتفض انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله وأبصر ترقوته من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة، فطعنه فيها ضعنة تدحرج منها عن فرسه مرارا، فما رجع إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشا غير كبير، فاحتقن الدم قال: قتلني والله محمد. قالوا له: ذهب والله فؤادك والله ليس بك من بأس قال: إنه قد كان قال لي بمكة أنا أقتلك فوالله لو بصق علي لقتلني فمات عدو الله بسرف وهم قافون إلى مكة. وذهب علي بن أبي طالب فأحضر ماء للنبي صلى الله عليه وسلم ليشرب، فوجد به ريحا فعافه فلم يشرب منه، واكتفى بغسل وجهه بمساعدة ابنته فاطمة، فلما رأت أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها، فألصقتها فاستمسك الدم. كما رواه البخاري ثم قام المشركون بالتمثيل بقتلى المسلمين فقطعوا آذانهم وأنوفهم وبقروا بطونهم وبقرت هند بن عتبة كبد حمزة فلا كتها فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها، واتخذت من الآذان والأنوف خلاخيل وقلائد. وبعد ذلك بدأوا في الانسحاب وهنا أشرف أبو سفيان على الجبل فنادى أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه فقال أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه. فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يجيبوه وذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. فقال أما هؤلاء فقد قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا فلم يملك عمر بن الخطاب نفسه أن قال: يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله ما يسوؤك فقال قد كان فيكم مثلى لم آمر بها ولم تسؤني. ثم قال: أعل هبل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوه؟ فقالوا فما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل. ثم قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم. فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال. فقال عمر: لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. انظر البخاري وأحمد. فلما انصرف المشركون بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال له اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وما يريدون، فإن كانوا جبنوا الخيل وامتطوا الإبل، فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنهم، وفعل علي رضي الله عنه ما أمره به فوجدهم قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة. وقد انجلت المعركة عن سبعين شهيدا من المسلمين واثنين وعشرين قتيلا من المشركين. وأخذ المسلمون يداوون جرحاهم ويبحثون عمن أصيب منهم. وجاء محمد بن مسلمة بماء عذب سائغ فشرب منه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له بخير وصلى الظهر قاعدا من أثر الجراح وصلى المسلمون خلفه قعودا. ثم أمر عليه الصلاة والسلام بالشهداء أن يدفنوا في مكانهم في ثيابهم، بعد نزع الحديد والجلود وكان يدفن الاثنين والثلاثة في القبر الواحد، ويجمع بين الرجلين في الثوب الواحد ويقدم من هو أكثر قرآنا. وقد اشتد حزن النبي صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة لما رآى ما به من المثلة، وفي هذه الأثناء جاءت صفية أخته تريد أن تنظر إلى أخيها حمزة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنها الزبير أن يصرفها لا ترى ما بأخيها فقالت: ولم وقد بلغني أن قد مثل بأخي، وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله. فأتته فنظرت إليه فدعت له واسترجعت واستغفرت له، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدفنه مع عبد الله بن حجش وكان ابن أخته من الرضاعة. وتذكر النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن الربيع فقال: من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات؟ فقال رجل من الأنصار أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق، فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم الأموات؟ قال: أنا في الأموات فأبلغ رسول الله عني السلام وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف. قال ثم لم أبرح حتى مات فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره. هذا وقد واجه المسلمون صعوبة بالغة في دفن الموتى قال عبد الرحمن بن عوف قتل مصعب بن عمير وهو خير مني وكفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه، (وروى مثل ذلك عن خباب) وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله الإذخر. هذا وقد روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي أنه لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استووا حتى أثني على ربي عز وجل، فصاروا خلفه صفوفا، فقال: اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لا قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقت. اللهم إني أسألك النعيم المقيم، الذي لا يحول ولا يزول اللهم إني أسألك العون يوم العلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أتوا الكتاب إله الحق. ثم قفل النبي صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة. ما نزل من آيات في غزوة أحد نزل في محاول بنو سلمة وبنو حارثة التخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم والرجوع إلى المدينة قوله تعالى: إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا رواه جابر وقال: ما أحب أنها لم تنزل لقوله والله وليهما متفق عليه. وأنزل الله في اختلاف الصحابة في مقاتلة من رجع إلى المدينة مع عبد الله بن أبي قوله تعالى فما لكم في المنافقين فئتين سورة النساء فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها طيبة تنفي الخبيث كما تنفي النار خبث الفضة. متفق عليه. وورد في محاولة عبد الله بن عمرو بن حرام نصح عبد الله بن أبي ومن معه بالرجوع وعدم المفارقة وقولهم له: لا نرى هناك قتالا، ولوكنا نرى قتالا لم نرجع قوله تعالى وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، والله أعلم بما كانوا يكتمون سورة آل عمران روى ذلك ابن إسحاق وابن هشام مرسلا. ونزل في انتصار المسلمين في بادئ الأمر قوله تعالى ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه سورة آل عمران رواه البخاري ونزل في سعد بن الربيع وأمثاله من المجاهدين قوله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا سورة الأحزاب وانظر البخاري والحاكم. ونزل في فرار المسلمين واضطرابهم قوله تعالى إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم سوة آل عمران. ونزل في عفو الله عن هؤلاء الفارين قوله تعالى إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم سورة آل عمران ونزل في موقف النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار حين إصابته ودعائه علهيم قوله تعالى ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون سورة آل عمران. أخرج البخاري ومسلم. ونزلت آيات كثيرة أخرى غير ما سبق تبين أحداث هذه الغزوة وتظهر دروسا كثيرة للمسلمين فانظر الآيات من 139 من سورة آل عمران إلى 149 والآية 179 وغيرها.