ويحك يا ليلى- قصة قصيرة

ظلام الليل الدامس الذي يخنق المكان لم يفتح شهية العين للنوم.. بينما أخذ الهم يلتهم بشراهة بقية الجسد المهترئ.. والبرد القارص يقطع أشلائي..أتخبط في العتمة.. بخطا تائهة.. التهمت رمال الصحراء الباردة بعضها.. أمشي إلى لا شيء.. فربما وجدتك هنا أو هناك من فضاء هذه الصحراء الواسعة.. جئت أبحث عنك بعد انتحر الانتظار في مشنقة الصبر..خلتك لن تعودي..ويحك ما أقسى قلبك. بدا نور من بعيد خلته نورك..لم أكن لأختار فقد حلقت بي قدماي إلى ذلك الوهج.. اقتربت..صوت يحترق طالت ألسنة لهبه تلسع قلبي المكلوم.. نهاري نهار الناس حتى إذا بدا لي الليل شاقتني إليك المضاجع أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ويجمعني والهم بالليل جامع لقد ثبتت في القلب منك محبة كما ثبتث في الراحتين الأصابع اقتربت أكثر.. شهقت الدهشة.. ثلاثة رجال حول النار..عفاريت من الجن..هكذا رسم الخوف صورتهم الكئيبة..وجوههم شاحبة.. نصفها مظلم.. والنصف الآخر يتموج فيه وهج النار الشفقي..كانت نقطة ارتكاز نظراتي الجافلة ذلك الأشعث الأغبر.. هو الذي كان يهذي بالكلمات الساحرة.. التفاتة منه حزينة نحوي.. نظراته الغائبة عن الواقع ترمقني..قال بشفتيه المتعبتين من الهذيان: من؟ ليلى!! جمعت نفسي مزمعا على الهرب..يا هذا..توقف..نادى علي القابع إلى جواره.. لا عليك إنه مجنون. -مجنون؟! -نعم..هذا مجنون ليلى. -قيس بن الملوح!! لسان الحب العذب.. فاقد العقل في قلب الحبيبة.. دخل صوته إلى عالم الواقع.. وقطع شرودي... يسمونني المجنون حين يرونني نعم بي من ليلى الغداة جنون خاطبت هذا الذي أظنه في عقله..رغم الهم الذي كساه.. ومن أنت؟ قال بعد أن دفع آهة كانت عالقة في حلقه: أنا من ضيع العينين في عينيها.. ونحر القلب بين يديها.. عزة..أنا كثير عزة.. وهذا الباكي إلى جواري جميل بثينة.. حديث نحيب.. نظراته دموع.. بعد فقده بثينة.. قلت لنفسي: أرايت ماذا فعل الحب بالرجال.. أحالهم أطفالا يداعبون التراب... ويذرفون الدمع لإفلات السراب.. صمت خرج من قبضة الهذيان وساد المكان.. يدغدغه صوت النار تأكل الحطب.. عاد الهذيان من جديد.. يقطع الصمت وكل شيء حتى أوتار القلب المجروحة... أصلي فما أدري إذا ما ذكرتها أثنتين صليت الضحى أم ثمانيا قلت لكثير عزة والدمعة تمرق المجنون: صاحبك هذا قد رفع عنه القلم..ويله، هل تعرف دواء أو طبيبا حاذقا ليداويه...قال بأسى: نعم أعرف طبيبا يملك الدواء له.. قلت بلهفة: من هو؟ قال بنفس نبرته المشؤومة: ليلى هي الطبيب وهي الدواء.. يأس يجري في العروق..آه..ويحك يا... نشر في مجلة (الأدب الإسلامي )عدد(5)بتاريخ(1415هـ)