تمثيلية شعرية الشاعر والربيع

(1) (يرى الشاعر جالسا في مكتبه مطرقا وقد وقف أمامه خادمه) الخادم: يا سيدي هلا تنام فقد تغورت النجوم؟ الشاعر: عد يا غلام إلى الكرى دعني وشيبي والهموم الخادم: ماذا يؤرق سيدي أقصيدة تبغي الظهور؟ الشاعر: هيهات مات الشعر في قلبي وليس له نشور عد يا غلام إلى سريرك إنني باق هــنـــا طيب الكرى حق لمثلك ليس من حقي أنـــا الخادم: (يتثاءب) مولاي طاب ليلتك الشاعر: اهنأ بنومك يا غلام فغدا تروعك شيبتك فتبيت مثلي لاتنام (يخرج الخادم) الشاعر: واها على عهد الشباب مضى وخلف لي المشيب أحست لا نوم ألذ به ولا صحو يطيب ( يصمت هنيهة ثم ينهض واقفا وقد علا وجه الدهش) عجبا لقلبي ما يجيش به سبحانك اللهم يا ربي.. إني أحس هميم جائشة كتدفق الينبوع في قلبي وحفيف أجنحة مصفقة ورفيف أوراق وأغصان ونثيث أكمام تفتح عن زهر بأشكال وألوان ونسيم أنفاس معطرة بالدفء تنعش كل مقرور وطنين ألوان الفراش إذا طافت بمنضود ومنثور وحسيس أصداء توسوس في سمعي بألحان من الحب سبحانك اللهم يا ربي ماهذه الأصداء في قلبي (2) (يسمع صدى صوت كأنما يهبط من عل) الصوت: الربيع.. الربيع. (يتوجه الشاعر نحو الشرفة كالمأخوذ) الشاعر: عجبا.. لكأني أسمع صوتا يهبط من علياء السماء. ويقول: الربيع.. الربيع تردده أجواز الفضاء. الصوت: الربيع .. الربيع. قد أهل الربيع. الشاعر: آه أين شبابي ليلقى الربيع؟ الصوت: الربيع .. الربيع. الشاعر: آه أين الشباب؟ كيف ألقى الربيع بهذا الإهاب؟ الصوت: يا بني الأرض هيا احتفوا بالربيع. رحبوا بالربيع .. اهتفوا للربيع. الشاعر: آه واحسرتا.. أين مني الصبا؟ قد تولى الصبا. كيف ألقى الربيع؟ وكيف أقول له: مرحبا؟ (يرتد من الشرفة ثقيل الخطو مهموما) الصوت: الربيع.. الربيع.. الشاعر: قد ذوى في لساني زهر الغزل منذ جف بثغري معين القبل. الصوت: الربيع... الربيع. الشاعر : (ينطرح على مقعده): الشباب الهوى والشباب الأمل فإذا ما انطوى كل شيء رحل (3) (يظهر فجأة بحجرة الشاعر فتى جميل هو الربيع) الشاعر: ويلتاه من أنت؟ الربيع.. لا تخف.. أنا أنت. الشاعر: عجبا.. حقا أنت في صورتي إذ كنت صبيا لكنني من كبري قد بلغت اليوم عتيا الربيع: كلا .. لم تزل- إن وافقتني وأردت الحياة- فتيا. الشاعر: من أنت؟ الربيع: أنا روح الحياة الربيع.. الشاعر: الربيع؟ الربيع: نعم.. أو لم تسمع اسمي يردده الملأ الأعلى للجميع؟ كنت أول من في الأرض أحس بإقبالي. فعلام تقاعس عن أفراح استقبالي؟ ألأنك شيخ كبير؟ الشاعر: أجل أنا شيخ كبير. الربيع: لا تيأس.. إن الحياة بمن لا ييأس منها رؤوم والشباب لمن لا يعرض عن آمال الشباب يدوم انظر.. سأريك حبيبتي السمرا كيف ألقي إليها آيتي الكبرى الشاعر: من حبيبتك السمرا؟ الربيع: هذي الأرض الغبرا ما تراها الساعة راقدة هامدة؟ قد ران عليها الشتاء فصيرها جامدة. سأغازلها قدامك يا أستاذي الأجل. الشاعر: (متعجبا) أستاذك تدعوني يا روح الحياة؟ الربيع: أجل الربيع: هل تلقيت إلا عنك فنون الهوى والغزل؟ أو لم تعلم أني لصنيعك أذكر؟ فبعينك أنظر وبقلبك أشعر وعلى أسلوبك أنظم أو أنثر. هيا يا سيدي اشهد آيتي الكبرى. كيف أحيي فاتنتي كرة أخرى. (ينطلق نحو الشرفة فيهبط إلى الأرض كالطائر) (4) (يتوجه الشاعر إلى الشرفة فيطل منها ليرى ما يصنع هذا الفتى الجميل) الربيع: سمراء سمراء قومي فالهوى يدعوك يا سمراء يا سمراء. (يظهر للشاعر شبح فتاة سمراء جميلة التكوين تقف أمام الفتى وهي تمسح عن عينيها النوم) الأرض: من ذا يناديني؟ الربيع : محب كله شوق إليك وكله برحاء الأرض: ماذا تريد؟ الربيع : أريد أن يتقاربا.. روحي وروحك حيث يشفى الداء الأرض: مه يا خليع إليك عني إنني عذراء من عبث الهوى عصماء. الربيع: عذراء مثلك أنجبتني من أبي ولمثل ذاك تؤمل العذراء الأرض: ويلك ابتعد عني. الربيع: حنانك الأرض: كف عن مسي.. الربيع: كففت فهل لديك رضاء؟ نفسي فداؤك إنني بك مغرم فتنته منك بتولة وحياء أنا لا أحب سواك الأرض: ويلك إنني سوداء الربيع: قرة عيني السوداء الأرض: عد للسماء تجد بها ما تشتهي فيها حسان كالشموس وضاء الربيع: من عندهن أتيت يا سمرا، ما فيهن مثلك هذه الغلواء عندي لك الحلل الحسان جعلتها مهرا لوصلك أنت يا سمراء واشوق عيني أن تراك لبستها ولها عليك تألق ورواء الأرض : رفقا بضعفي.. إنني أخشاك يا هذا.. الربيع : بلغت الأمن يا حسناء (يعانقها) تخشين من هذا العناق وإنه صك الأمان.. (يقبلها) وهذه الطغراء الأرض: ما كنت أحسب أن ثغرك هكذا حلو، وأنك للكلوم شفاء أجريت في دمي الحياة... الربيع: أردتها فجرى الغداة بما أردت قضاء الله خالقها وواهبها معا يقضي بها في الخلق حيث يشاء الأرض: يا ويلتا من ذاك يرقب وصلنا أفما لديه مروءة وحياة؟ الربيع : لا تعذليه فإنما هو شاعر فقد الشباب فطال منه بكاء الأرض: ماذا يريد؟ الربيع: شهود بعثك للهوى من بعد ما غطى عليك شتاء الأرض: فلننأ عن عينيه .. إن الشر في عينيه، تب وتبت الرقباء الشاعر:(متمتما) شتمتني السوداء، آه لم تعد بيضاء تعشقني ولا سوداء (يختفي الحبيبان) أين اختفى هذا الفتى وفتاته قد عز حتى النظرة العذراء أترى الشباب يعود إن أملته وأردته أم أن ذاك هراء (5) (يجري منطلقا في الحقول والروابي وهو جذل نشوان) الربيع: قد بلغت المنى وقضيت الوطر فليكن عرسنا بهجة للبشر غردي يا طيور وابسمي يا زهور وانطل يا نسيم بالعبير الشميم وأزدهي يا حقول بالحلى والحلل واكتسي يا سهول بالنبات الخضل واشهدي يا سما في الثرى موكبي باركي الموسما بالجنى الطيب (6) (يرى الشاعر من شرفته جمعا من الفتيان قد خرجوا في الصباح الباكر) الجميع: (يهتفون) الربيع الربيع مرحبا بالربيع الشاعر: خرج الناس يستقبلون الربيع أفأبقى أنا واقفا ها هنا؟ الجمع: يا رفاق هلموا بنا للربى نقض حق الربيع وحق الصبا. الشاعر: (متحسرا) الصبا.. الصبا......أين مني الصبا.. الجمع:الربيع الربيع.......مرحبا بالربيع. الشاعر: آه لا تتركوني وتمضوا بدوني كنت يوما فتى مثلكم فارحموني اجمعوا من فضول صباكم قليلا قليلا فاخعلوه علي لألبس ذاك الرداء الجميلا.. الجمع: (يبتعدون) يا رفاق هلموا بنا للربى نقض حق الربيع وحق الصبا (يرتد الشاعر مغموما إلى داخل حجرته) الشاعر: آه لم يستجيبوا دعاء الشيخ وساروا لا جناح عليهم.. فثوب الصبا لا يعار (يظهر له الربيع مرة أخرى) الربيع: ما قعودك يا أستاذي الأجل أو لم تشهد الكون كيف احتفل بانبعاث الصبا وانبثاق الأمل فانهض يا رسول الهوى والغزل وأرد كل ما تشتهيه تنل (يمضي لينصرف) الشاعر: أمول أنت الآن؟ الربيع: أجل الشاعر: أو تتركني وحدي؟ الربيع: لا تبل انظر آية الله (يختفي) الشاعر: (ينطلق إلى الشرفة): عز وجل (يتأمل أمامه في نشوة) الله أكبر الله أكبر هذا الثرى بالنبات أخضر وذلك الزهر بين أحمر وأبيض ناصع وأصفر والأرض في حسنها عروس بكل أبرادها تميس والطير فوق الغصون تشدو والظبي بين الربوع يعدو الله أكبر الله أكبر هذا فؤادي الذي تبلد بين الضلوع انتشى وعربد وذا شبابي الذي تولى قد عاد، أهلا به وسهلا الله أكبر الله أكبر. (يمر سرب من الفتيات وهن يتغنين) الفتيات: حيين عيد الربيع حيينه يا عذارى في ظل واد بديع نقضي هناك النهارا الشاعر: (مناديا) مهلا عذارى الحي عجن صبايا الحي الفتيات: ما تبتغي يا عم؟ الشاعر: إني أخ لا عم الفتيات: ما تبتغي منا؟ الشاعر: أبغي رضاكنا نفسي فداكنا عذب هواكنا سؤل فتاكنا (يتضاحكن) إحداهن: هذا شيخ يتصابى أكلته السنون وشابا وهو يزعم بعد شبابا الشاعر: بل عدت اليوم صبيا يا صبايا انظرن إليا تبصرن غلاما فتيا ثانية: إنه والله لطيف ثالثة: وخفيف الروح.. رابعة: ظريف الشاعر: وعفيف الخلق شريف الأولى: ما هذا وجه عفيف.. (يتضاحكن) دعنا منه يا فتيات لا تضعن الوقت معه الشاعر: مهلا بعد يا ظبيات لم يزل في الوقت سعه الأولى: الزهر يدعونا الشاعر: الزهر أنتنا الأولى: والسحر يحدونا الشاعر: السحر فيكنا الأولى: هيا بنا نمضي الشاعر: مهلا عذارى الحي الأولى: ويلك ما تبغي؟ الشاعر: ما يشتهيه الحي هل لي أن أمضي في صحبة الحسن لعلني أقضي حق الهوى مني أنشد أشعاري لكن في الوادي والجدول الجاري يصغي لإنشادي الفتيات: (جميعا) أشاعر أنتا؟ الشاعر: لست سوى شاعر الفتيات: هلم إن شئتا الشاعر: تبارك القادر هذا شبابي عاد والشعر والحب والوصل والميعاد والصد والعتب (يخرج الشاعر إليهن فيمشي متهاديا بينهن وهو يترنم) الشاعر: هيا بنا هيا هيا إلى الوادي الفتيات: هيا بنا هيا الشاعر: نستقبل الدنيا في حسنها البادي الفتيات: هيا بنا هيا الشاعر: نلقى به ريا من حر أكباد الفتيات: هيا بنا هيا الشاعر: ما أطيب اللقيا من غير ميعاد الفتيات: هيا بنا هيا (ســـــتـــار) نشر في مجلة (الأدب الإسلامي) عدد(5)بتاريخ(1415هـ)