الابن .. مسرحية من فصل واحد ( في ثلاثة مشاهد)

مهداة إلى الصغار.. والكبار! المشهد الأول (الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز جالس في داره، التي هي دار الخلافة في عهده على فراش بسيط مرتفع عن الأرض قليلا.. ويقرأ بعض الرقاع، وبعد فترة يدخل عليه خادمه). الخادم: جاء وزيرك يا أمير المؤمنين. الخليفة: فليدخل.. يخرج الخادم ويدخل الوزير الوزير: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين. الخليفة: وعليك السلام، تفضل بالجلوس، لعلك تعرف ابني، الذي يسكن بلدا بعيدا عنا. الوزير: نعم يا أمير المؤمنين.. أعرفه الخليفة: يا ميمون، إن ابني عبد الملك قد زين في عيني، وإني أتهم نفسي في ذلك، وأخاف أن يكون حبي له قد غلب على علمي به؟ وأدرك ما يدرك الآباء من العمى من عيوب أولادهم، فسر إليه واسبر غوره وانظر هل ترى فيه ما يشبه الكبر والفخر..فإنه غلام حدث..ولا آمن عليه من الشيطان. الوزير: حسنا سأفعل.. الخليفة: أسأل الله لك التوفيق. المشهد الثاني (في بيت عبد الملك ابن الخليفة) عبد الملك: يا غلام. انظر من الطارق يذهب الغلام ويفتح الباب فيدخل عليه وزير والده. الوزير: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عبد الملك: وعليكم السلام.. مرحبا بك.. تفضل بالجلوس، لقد سمعت أبي يذكرك بما أنت أهل له من الخير.. وإني لأرجو أن ينفعنا بك. الوزير: كيف تجد نفسك؟ عبد الملك: بخير من الله- عز وجل- ونعمة. غير أني أخشى أن يكون قد غرني حسن ظن والدي؛ وأنا لم أبلغ من العقل. وإني لأخاف أن يكون حبه لي قد غلبه على معرفته بي؛ فأكون آفة عليه. الوزير: أعلمني من أين معيشتك؟ عبد الملك: من غلة أرض اشتريتها من مال لا شبهة فيه، فاستعففت بذلك عن فيء المسلمين. الوزير: فما طعامك. عبد الملك: ليلة لحم،وليلة عدس وزيت، وليلة زيت وخل.. وفي هذا بلاغ.. الوزير: أفما تعميك نفسك؟؟ عبد الملك: قد كان في شيء من ذلك؛ فلما وعظني أبي بصرني بحقيقة نفسي وصغرها عندي، وحط من قدرها في عيني، فنفعني الله- عز وجل- بنصحه. جزى الله والدي خيرا. بعد أن ينتهي كلامه يدخل عليه غلامه الغلام: أصلح الله الأمير، قد فرغنا.. عبد الملك: جزاكم الله خيرا.. ويخرج الغلام من المجلس الوزير: ما هذا الذي فرغوا منه؟ عبد الملك: الحمام. الوزير: وكيف؟ عبد الملك: أخلوه لي..من الناس. الوزير: لقد كنت وقعت من نفسي موقعا عظيما.. حتى سمعت هذا.. عبد الملك: يرحمك الله (وبذعر) وما في ذلك يا عم..؟! الوزير: الحمام لك؟! عبد الملك: لا.... الوزير: فما دعاك لأن تخرج الناس، وكأنك تريد أن ترفع نفسك فوقهم وتجعل لك قدرا يعلو أقدارهم.. ثم إنك تؤذي صاحب الحمام في غلة يومه. عبد الملك: أما صاحب الحمام فأنا أرضيه وأعطيه غلة يومه. الوزير: هذه وقفة سرف خالطها كبر! وما يمنعك أن تذهب إلى الحمام مع الناس وأنت كأحدهم.؟! عبد الملك: يمنعني من ذلك طائفة من رعاع الناس يدخلون الحمام بغير أزر فأكره رؤية عوراتهم؛ وأكره أن أجبرهم على وضع الإزار..، فيأخذون ذلك على أنه اقتدار مني عليهم بالسلطان الذي أسأل الله أن يخلصنا منه.. عظني يرحمك الله عظة انتفع بها وأجعل لي مخرجا من هذا الأمر. الوزير: انتظر حتى يخرج الناس من الحمام ليلا ويعودوا إلى بيوتهم ثم ادخله. عبد الملك: لا جرم.. لا أدخله نهارا أبدا بعد اليوم.. بالله عليك لتطوين هذا الخبر عن أبي فإني أكره أن يظل ساخطا علي، وإني لأخشى أن يحل الأجل دون الرضا منه. الوزير: ولكن لو سألني أمير المؤمنين هل رأيت شيئا فهل ترضى لي أن أكذب عليه؟ عبد الملك: لا .. معاذ الله.. ولكن قل له رأيت منه شيئا فوعظته.. فسارع إلى الرجوع عنه.. فإن أبي لا يسألك عن كشف ما لم تظهر له لأن الله- عز وجل- أعاذ من البحث عما ستر. الوزير: لك ذلك علي.. لك ذلك علي.. إن شاء الله تعالى. المشهد الثالث (في دار أمير المؤمنين.. الخليفة..) الغلام: وزيرك يا أمير المؤمنين. الخليفة: دعه يدخل. الوزير: يدخل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الخليفة: وعليكم السلام.. تفضل بالجلوس.. أخبرني أيها الوزير كيف رأيت ابني عبد الملك؟ الوزير: أقول ذلك في كلمات قليلة يا أمير المؤمنين.. الله أكبر، صلاح الآباء يدرك الأبناء. الخليفة: اللهم لك الحمد... والشكر.. ستار نشر في مجلة (الأدب الإسلامي) عدد(5)بتاريخ(1415هـ)