تلاوة القرآن .. فضل عظيم وثواب جزيل

الحمد لله الداعي إلى بابه، الموفق من شاء لصوابه. أنعم بإنزال كتابه. يشتمل على محكم ومتشابه، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه، وأما الراسخون في العلم فيقولون آمنا به. أحمده على الهدى وتيسير أسبابه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من عقابه. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل الناس عملا في ذهابه وإيابه. صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر أفضل أصحابه، وعلى عمر الذي أعز الله به الدين واستقامت الدنيا به، وعلى عثمان شهيد داره ومحرابه، وعلى علي المشهور بحل المشكل من العلوم وكشف نقابه، وعلى آله وأصحابه ومن كان أولى به. وسلم تسليما: قال الله تعالى: إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور. ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور (فاطر: 29 30) تلاوة كتاب الله على نوعين: تلاوة حكمية وهي تصديق أخباره وتنفيذ أحكامه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وسيأتي الكلام عليها في مجلس آخر إن شاء الله. والنوع الثاني: تلاوة لفظية، وهي قراءته، وقد جاءت النصوص الكثيرة في فضلها إما في جميع القرآن وإما في سور أو آيات معينة منه، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه رواه البخاري . وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران متفق عليه والأجران أحدهما على التلاوة والثاني على مشقتها على القارئ. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو متفق عليه. وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه رواه مسلم. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: لا يقل أحدكم نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي رواه مسلم. وذلك أن قوله: نسيت قد يشعر بعدم المبالاة بما حفظ من القرآن حتى نسيه. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد صححه بعض المتأخرين موقوفا على عبد الله). وعنه رضي الله عنه أيضا أنه قال: إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله المتين والنور المبين، والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الترداد، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف (رواه الحاكم). إخواني هذه فضائل قراءة القرآن، وهذا أجره لمن احتسب الأجر من الله والرضوان، أجور كبيرة لأعمال يسيرة، فالمغبون من فرط فيه، والخاسر من فاته الربح حين لا يمكن تلافيه، وهذه الفضائل شاملة لجميع القرآن، وقد وردت السنة بفضائل سور معينة مخصصة. فمن تلك السور سورة الفاتحة، فعن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته. (رواه البخاري). ومن أجل فضيلتها كانت قراءتها ركنا في الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج يقولها ثلاثا، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك. رواه مسلم. ومن السور المعينة في القرآن الكريم سورة البقرة وآل عمران، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة- يعني السحرة- رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان (رواه مسلم) وذلك لأن فيها آية الكرسي، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن جبريل قال وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم البقرة لن تقرأ بحرف منها إلا أوتيته رواه مسلم. ومن السور المعينة في الفضيلة قل هو الله أحد، فعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن رواه البخاري. وليس معنى كونها تعدله في الفضيلة أنها تجزئ عنه ولذلك لو قرأها في الصلاة ثلاث مرات لم تجزئه عن الفاتحة، ولا يلزم كون الشيء معادلا لغيره في الفضيلة أن يجزئ عنه، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل متفق عليه. ومع ذلك فلو كان عليه أربع رقاب كفارة فقال هذا الذكر لم يجزئه عن هذه الرقاب وإن كان يعادلها في الفضيلة. ومن السور المعينة في الفضيلة سورتا المعوذتين قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس : فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألم تر آيات أنزلت لم ير مثلهن: قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس رواه مسلم. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر عقبة أن يقرأ بهما ثم قال: ما سأل سائل بمثلها ولا استعاذ مستعيذ بمثلها. رواه النسائي. فاجتهدوا إخواني في كثرة قراءة القرآن المبارك لا سيما في هذا الشهر الذي أنزل فيه، فإن لكثرة القراءة فيه مزية خاصة. وكان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان كل سنة مرة فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه مرتين تأكيدا وتثبيتا. وكان السلف الصالح رضي الله عنهم يكثرون من تلاوة القرآن الكريم في رمضان في الصلاة وغيرها. وكان الزهري رحمه الله إذا دخل رمضان يقول: إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام. وكان مالك رحمه الله إذا دخل رمضان ترك الحديث ومجالس العلم وأقبل على قراءة القرآن من المصحف. وكان قتادة رحمه الله يختم القرآن في كل سبع ليال دائما وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأخير منه في كل ليلة. وكان إبراهيم النخعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث وفي العشر الأواخر في كل ليلتين. وكان الأسود رحمه الله يقرأ القرآن كله في ليلتين في جميع الشهر. فاقتدوا رحمكم الله بهؤلاء الأخيار واتبعوا طريقهم تلحقوا بالبررة الأطهار. واغتنموا ساعات الليل والنهار بما يقربكم إلى العزيز الغفار فإن الأعمار تطوى سريعا والأوقات تمضي جميعا وكأنها ساعة من نهار. اللهم ارزقنا تلاوة كتابك على الوجه الذي يرضيك عنا. واهدنا به سبل السلام. وأخرجنا به من الظلمات إلى النور. واجعله حجة لنا لا علينا يا رب العالمين. اللهم ارفع لنا به الدرجات. وأنقذنا به من الدركات. وكفر عنا به السيئات. واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. نقلا من كتاب مجالس شهر رمضان تأليف فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عث