بوغرسلان الروسية: أرض عطشى لغيث الإيمان يرويه معهد الفرقان

ن أنصار تاج الدين (&# 1633;&# 1639; عاما) يعرف شيئا عن الإسلام قبل أن ينضم إلى معهد الفرقان الإسلامي في مدينة بوغرسلان في جمهورية روسيا الاتحادية. وبعد فترة قصيرة أصبح أنصار من المواظبين على العبادات ويحفظ أربعة أجزاء من القرآن الكريم، ومائتي حديث شريف. وانعكس نور الإسلام في صدر هذا الشاب وصار يدعو إلى الإسلام بدءا بأقرب المقربين إليه.
أنصار واحد من تسعين دارسا تستوعبهم غرفات المعهد الصغير في حجمه الكبير في أفعاله. بعد أن تهدم سور الشيوعية العتيد، الذي عمل على هدم القيم الإسلامية طوال سبعين عاما، تمتعت شعوب الاتحاد الهالك بقدر من الحرية أتاح لها الاتصال بالعالم الخارجي، والتعرف على مختلف الأفكار والمذاهب.
وبعيد الانهيار تحركت المؤسسات الصليبية قبل الإسلامية. حتى أتباع يهوذا جدوا في البحث عن موطئ قدم في النفوس البكر التي تحمل الإسلام هوية، والشيوعية والعلمانية فكرا.
ومن المبادرين لإعادة المسلمين إلى عقيدتهم الصحيحة مؤسسة الوقف الإسلامي التي اختارت مدينة بوغرسلان ذات الخمسين ألف نسمة لتقيم عليها أحد مشروعاتها الدعوية المثمرة.
تقع بوغرسلان في مقاطعة ألينبورغ في روسيا الاتحادية، ويحدها شرقا جمهورية بشكير ستان، وشمالا جمهورية تتارستان. بينما تحدها غربا مدينة سمارا، وجنوبا جمهورية كازاخستان المستقلة.
وهي مدينة حباها الله من جمال الطبيعة ما تأسر به قلوب قاصديها، ويكسو أرضها بساط أخضر تناثرت عليه الغابات، والجبال، وجداول الأنهار.
تبلغ نسبة المسلمين في هذه المدينة &# 1637; - &# 1633;&# 1632;&# 1642; من مجموع السكان. ولا يختلف واقع المسلمين في بوغرسلان عن غيرهم من المسلمين في المدن، والمقاطعات الروسية الأخرى، إذ ينتشر بينهم جهل شديد بالإسلام وتعاليمه. ويتعاطف كبار السن من المسلمين مع الإسلام إلا أنهم يجهلونه جملة وتفصيلا، بسبب القمع الشيوعي الذي لم يبق لهم إلا صورا باهتة ومبتدعة عن العبادة في الإسلام.
فجل معرفتهم عن الإسلام هو حضور صلاة الجمعة، والعيدين، ومجالس الضيافة. والأخيرة عبارة عن وليمة يستفيد منها فقراء المسلمين، إذ توزع عليهم الصدقات، وتفتتح بالقرآن، ويتخللها الوعظ والإرشاد من إمام القرية، وتختتم بالدعاء. ويتمسك كبار السن بهذه المجالس التي حفظت لهم الإسلام كما يظنون.
وإذا كان كبار السن قد ورثوا معارف مشوشة عن الإسلام وتعصبوا لها، فإن أبناءهم كانوا ضحية ثقافة الثورة البلشفية وتعاليم ماركس ولينين التي سلختهم عن هويتهم، ومسختهم كفارا يؤمنون بالشيوعية، ويكفرون بما عداها، إلا أن انتماءهم للإسلام بقي حيا.
لم يكن يتصور أحد أن تعود المسوخ إلى الدين الحق، وقد كانوا آلة الحرب التي دقت أسوار كابل. إلا أننا رأينا من خلال هذا المعهد وغيره من المشروعات الإسلامية التي تبناها الوقف الإسلامي وغيره من المؤسسات الإسلامية تعطشا حقيقيا لمعرفة الدين الذي ارتبطوا به اسما، والذي من أجله اضطهد آباؤهم، وقتل أجدادهم، ونفوا إلى مجاهل سيبيريا.
ترك ريحان نجم الدين - &# 1634;&# 1636; سنة - مدينته تشلني، وهجر أهله من أجل أن ينهل من المعين الصافي الذي يقدمه المعهد. وهو يحفظ الآن &# 1633;&# 1637;&# 1632; حديثا. ويحفظ يوسف دجودجين - &# 1633;&# 1641; عاما - أربعة أجزاء ومائتي حديث، وقد شجعه والده على الالتحاق بهذا المعهد.
وأصبحت أسرة فهيم فاتح إسحاق - &# 1633;&# 1638; عاما - تؤدي السنن، وتقرأ القرآن، كما أنهم يتعلمون اللغة العربية. وفهيم نفسه يحفظ سبعة أجزاء وثلاثمائة حديث. وبعض الدارسين لديهم من الحماس ما استطاعوا أن يجمعوا به اثني عشر ألف دولار من المسلمين في روسيا واشتروا به مبنى، وأسسوا في مدينتهم مدرسة شرعية.
كانت تلك بعض الثمار التي جناها معهد الفرقان الإسلامي في بوغرسلان. وقد وفق المعهد في إرسال أربعة عشر دارسا إلى الجامعات الإسلامية في المدينة المنورة، ومكة المكرمة، ودمشق. وبدأ بعض خريجي المعهد في ترجمة بعض الكتيبات، والرسائل إلى اللغة التترية والروسية. إلا أن ضيق ذات اليد حالت دون طباعة تلك الرسائل المفيدة.
يتألف معهد الفرقان من مبنيين صغيرين، كل مبنى مشيد من ثلاثة طوابق، ومجموع غرفهما تسع غرف، تضم المطبخ، والمطعم، وغرفة المعلمين، والفصول، وسكن الطلاب. وخصصت غرفتان لسكن الطلاب تسع إحداهما &# 1634;&# 1638; طالبا، وتسع الأخرى &# 1634;&# 1636; طالبا، ونظرا للإقبال الشديد على المعهد تم تحويل أحد الفصول إلى سكن يضم ثلاثين طالبا.
يمتلك المعهد أرضا تقدر مساحتها بـ&# 1634;&# 1636;&# 1632; مترا مربعا، وإذا ما توافر المال اللازم فإنها ستسهم في حل مشكلة الزحام في الفصول الدراسية، وتوفر مصلى لإقامة الصلاة.
ورغم الضائقة التي يعانيها المعهد، إلا أن إقبال المسلمين من أبناء بوغرسلان والمناطق المحيطة بها كبير جدا. ونقل كثير من الآباء أبناءهم من المدارس الحكومية إلى المعهد، بل إن بعض الدارسين تركوا أعمالهم، ومصادر رزقهم؛ ليتفرغوا للعلم.
ومن لم يستطع الانضمام إلى المعهد فإنه يشد الرحال إليه في المواسم الدينية كالعشر الأخير من رمضان. ولا يكاد يواجه المعهد مشكلات مع السلطات المحلية التي كانت على وعي تام بحقيقة أهداف المعهد وسلامة وسائله، بل أبدت استعدادها أكثر من مرة للتعاون مع المعهد، بل إن وسائل الإعلام تحدثت بشكل إيجابي عنه.
ولا يكتفي المعهد باستقبال الطلاب، بل إنه يرسل الدعاة إلى المناطق المجاورة، ويقيم المحاضرات، ويوزع الكتب، والأشرطة النافعة، ويشرف على أربع مدارس.
ويدرس طلبة المعهد العلم الشرعي، والعقيدة السليمة، ويختار منهجه بعناية فائقة يهدف من خلالها إعادة المسلمين إلى المعين الصافي الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام (رضوان الله عليهم). ويبذل المشرفون على المعهد قصارى جهدهم لتبليغ رسالة الإسلام إلى الدارسين سواء من خلال المنهج الصفي، أو من خلال الأنشطة اللاصفية كالمخيمات، والحلقات المسائية.
ولا يقدم المسؤولون عن المعهد على مشروع قبل دراسته دراسة متأنية. وتخضع المشروعات الدعوية إلى دراسات متأنية وتخطيط سليم وفق الإمكانات المتاحة لكل مشروع. ويمتلك المشرفون على مؤسسة الوقف الإسلامي خططا واضحة لآلية تنفيذ المشروعات، ولديهم خبرة كافية في إعداد المناهج، والتعامل مع واقع المجتمعات الإسلامية. ويرى المشرفون أن كفالة المسلم إطعاما وكسوة لا تفي بالغرض إن لم يتبعها كفالة علمية عقدية تنمي الإسلام في فكره، وروحه كما ينمو جسمه.
ويطمح القائمون على المعهد إلى تخريج كوادر إسلامية تحمل الفهم الصحيح للإسلام، وتعكس هذا الفهم بعمل توعوي مثمر في أوساط المسلمين. وحتى يتم ذلك لابد أن يقوم المسلمون بفريضة التعاون على البر والتقوى من أجل تفعيل المشروعات التي تطرحها مؤسسة عاملة مثل مؤسسة الوقف الإسلامي، وإخراجها إلى النور بدلا من أن تظل حبيسة الأدراج.
ورغم النتائج الطيبة التي يحققها معهد الفرقان الإسلامي في بوغرسلان، إلا أنه ما زال يعاني العقبات التي يواجهها، والعوائق التي تقف في طريقه، والتي يسهم في حلها دعم المعهد ماديا، ومعنويا ممن يعتقدون أخوة الإيمان، وروح الاحتساب، والرغبة في عمل البر والخير.