مواقيت الصلاة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما. أما بعد: فإن الله تعالى فرض على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة مؤقتة بأوقات اقتضتها حكمة الله تعالى ليكون العبد على صلة بربه تعالى في هذه الصلوات مدة هذه الأوقات كلها. فهي للقلب بمنزلة الماء للشجرة وتسقى به وقتا فوقتا لا دفعة واحدة ثم يقطع عنها. ومن الحكمة في تفريق هذه الصلوات في تلك الأوقات أن لا يحصل الملل والثقل على العبد إذا أداها كلها في وقت واحد، فتبارك الله تعالى أحكم الحاكمين. ومن المعلوم أن الله جل وعلا قد أوضح الشريعة وبينها للناس سواء في القرآن أو لسان رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون وقال تعالى: وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. فما من شيء يحتاج العباد في دينهم أو دنياهم إلى معرفة حكمه إلا بينه الله تعالى في كتابه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن السنة تبين القرآن وتفسره وتخصص من عمومه، وتقيد مطلقه، كما أن القرآن يبين بعضه بعضا ويفسره ويخصص عمومه ويقيد مطلقه، والكل من عند الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه رواه أحمد وأبو داود وسنده صحيح.. ومن أفراد هذه القاعدة الكلية العامة بيان أوقات الصلوات الخمس أوكد الأعمال فرضية، وأحبها إلى الله عز وجل، فقد بين الله تعالى هذه الأوقات في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بيانا شافيا ولله الحمد. أما في كتاب الله: فقد قال الله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا. فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم (والأمر له أمر لأمته معه) أن يقيم الصلاة لدلوك الشمس أي من زوالها عند منتصف النهار إلى غسق الليل وهو اشتداد ظلمته وذلك عند منتصفه ثم فصل فقال: وقرآن الفجر أي صلاة الفجر وعبر عنها بالقرآن لأنه يطول فيه. واشتمل قوله تعالى: لدلوك الشمس إلى غسق الليل أوقات صلوات أربع هي: الظهر والعصر، وهما صلاتان نهاريتان في النصف الأخير من النهار. والمغرب والعشاء، وهما صلاتان ليليتان في النصف الأول من الليل. أما وقت الفجر ففصله بقوله: وقرآن الفجر وعلم به تعيين الوقت من إضافته إلى الفجر وهو تبين ضوء الشمس في الأفق. وإنما جمع الله تعالى الأوقات الأربع دون فصل لأن أوقاته متصل ببعضها فلا يخرج وقت صلاة منها إلا بدخول وقت التالية. وفصل وقت الفجر لأنه لا يتصل بوقت قبله ولا بعده، فإن بينه وبين وقت صلاة العشاء نصف الليل الأخير، وبينه وبين وقت صلاة الظهر نصف النهار الأول كما تبين ذلك من السنة إن شاء الله تعالى: وأما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس وفي رواية: ووقت العشاء إلى نصف الليل ولم يقيده بالأوسط. وله من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئا قال: فأقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا ثم أمره (يعني بلالا كما في رواية النسائي). فأقام بالظهر حين زالت الشمس. والقائل يقول: قد انتصف النهار وهو كان أعلم منهم ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت (وفي رواية النسائي غربت) الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق . ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول قد طلعت الشمس. أو كادت. ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول قد احمرت الشمس ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق ثم أخر العشاء حتى كاد ثلث الليل الأول ثم أصبح فدعا السائل فقال: الوقت بين هذين. فاتضح بهذه الآية الكريمة والسنة النبوية القولية والفعلية بيان أوقات الصلوات الخمس بيانا كافيا شافيا على النحو التالي: وقت صلاة الظهر من زوال الشمس (وهو تجاوزها وسط السماء) إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ابتداء من الظل الذي زالت عليه الشمس. وشرح ذلك أن الشمس إذا طلعت ارتفع لكل شاخص ظل طويل فلا يزال يقصر شيئا فشيئا حتى تزول الشمس فإذا زالت عاد إلى الطول ودخل وقت صلاة الظهر فقس من ابتداء عودة الظل، فإذا كان الظل طول الشاخص فقد خرج وقت صلاة الظهر. وقت صلاة العصر من كون ظل الشيء مثله إلى أن تصفر الشمس أو تحمر. ويمتد وقت الضرورة إلى الغروب لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر متفق عليه. وقت صلاة المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق وهو الحمرة. وقت صلاة العشاء الآخرة من مغيب الشفق إلى نصف الليل. ولا يمتد وقتها إلى طلوع الفجر لأنه خلاف ظاهر القرآن وصريح السنة حيث قال الله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ولم يقل إلى طلوع الفجر. وصرحت السنة بأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل كما رأيت في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الثاني (والبياض المعترض في الأفق الشرقي الذي ليس بعده ظلمة) إلى طلوع الشمس. وهذه المواقيت المحددة إنما تكون في مكان يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة سواء تساوى الليل والنهار أم زاد أحدهما على الآخر زيادة قليلة أو كثيرة. أما المكان الذي لا يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة فلا يخلو إما أن يكون ذلك مطردا في سائر العام أو في أيام قليلة منه. فإن كان في أيام قليلة منه مثل أن يكون هذا المكان يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة طيلة فصول السنة لكن في بعض الفصول يكون الليل فيه أربعا وعشرين ساعة أو اكثر والنهار كذلك. ففي هذه الحالة إما أن يكون في الأفق ظاهرة حية يمكن بها تحديد الوقت كابتداء زيادة النور مثلا أو انطماسه بالكلية فيعلق الحكم بتلك الظاهرة، وإما أن لا يكون فيه ذلك فتقدر أوقات الصلوات بقدرها في آخر يوم قبل استمرار الليل في الأربع والعشرين ساعة أو النهار. فإذا قدرنا أن الليل كان قبل أن يستمر أربعا وعشرين ساعة. والنهار فيما بقي من الأربع والعشرين ساعة جعلنا الليل المستمر أربعا وعشرين ساعة، عشرين ساعة فقط. والباقي نهارا واتبعنا فيه ما سبق في تحديد أوقات الصلوات. أما إذا كان المكان لا يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة طيلة العام في الفصول كلها فإنه يحدد لأوقات الصلاة بقدرها لما رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي ذكر الدجال الذي يكون في آخر الزمان فسألوه عن لبثه في الأرض فقال: أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قالوا يا رسول الله فذلك اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم، قال: لا. اقدروا له قدره. فإذا ثبت أن المكان الذي يتخلله الليل والنهار يقدر له قدره فبماذا نقدره؟ يرى بعض العلماء أنه يقدر بالزمن المعتدل فيقدر الليل باثنتي عشرة ساعة وكذلك النهار لأنه لما تعذر اعتبار هذا المكان بنفسه اعتبر بالمكان المتوسط كالمستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز. ويرى آخرون أنه يقدر بأقرب البلاد إلى هذا المكان مما يحدث فيه ليل ونهار في أثناء العام، لأنه لما تعذر اعتباره بنفسه اعتبر بأقرب الأماكن شبها به وهو أقرب البلاد إليه التي يتخللها الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة. وهذا القول أرجح لأنه أقوى تعليلا وأقرب إلى الواقع. والله أ