حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة (حق الله ورسوله )

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعدك فإن معرفة ما للإنسان وما عليه من حقوق وواجبات لله ولعباده والعمل بها من أهم المهمات وأوجب الواجبات، وهذه الرسالة التي نقدم لها على صغر حجمها قد وضعت النقاط على الحروف، وبين فيها ما للإنسان وما عليه، فجزى الله مؤلفها خير الجزاء ونفع بعلومه. فأهم الحقوق حق الله تعالى بمحبته، وخوفه، ورجائه، وطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وحب من أطاعه وبغض من عصاه. ثم حق النبي صلى الله عليه وسلم بمحبته وطاعة أمره واجتناب نهيه ونصر سنته والاقتداء به والإكثار من الصلاة والسلام عليه صلوات الله وسلامه عليه. ثم حقوق الأقارب بالإحسان إليهم، وعدم قطيعتهم، وفي مقدمتهم الوالدين بالإحسان إليهما والبر بهما، وطاعة أمرهما واجتناب نهيهما، ما لم يأمرا بمعصية الله، والدعاء لهما في الحياة وبعد الممات، وحق الأولاد: بالتربية والتعليم والتأديب، والحقوق المتبادلة بين الزوجين بالمعاشرة بالمعروف، والتعاون على البر والتقوى. وحقوق الجيران بالإحسان إليهم بالقول والفعل، ومنع الأذى عنهم بالقول والفعل، وحقوق المسلمين عموما وهي: إفشاء السلام، وعيادة المريض، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة والنصيحة لهم، وإبرار المقسم، ونصرة المظلوم، واتباع الجنائز، وأن تحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر. وقد قرأت هذه الرسالة، وصححتها ورقمت آياتها وخرجت أحاديثها التي لم تخرج في الأصل، وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وأسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يعظم الأجر والمثوبة لمؤلفها، ولمن عمل بها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. كتبها عبد الله بن جار الله الجار الله (رحمه الله ) مقدمة الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله) إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما. أما بعد: فإن من محاسن شريعة الله تعالى مراعاة العدل وإعطاء كل ذي حق حقه من غير غلو ولا تقصير.. فقد أمر الله بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. وبالعدل بعثت الرسل وأنزلت الكتب وقامت أمور الدنيا والآخرة. والعدل إعطاء كل ذي حق حقه وتنزيل كل ذي منزلة منزلته ولا يتم ذلك إلا بمعرفة الحقوق حتى تعطى أهلها، ومن ثم حررنا هذه الكلمة في بيان المهم من تلك الحقوق: ليقوم العبد بما علم منها بقدر المستطاع، ويتلخص ذلك فيما يأتي: -1 حقوق الله تعالى. 2 - حقوق النبي صلى الله عليه وسلم. 3 -حقوق الوالدين. 4 -حقوق الأولاد. 5 -حقوق الأقارب. 6 -حقوق الزوجين. 7-حقوق الولاة والرعية. 8 -حقوق الجيران. 9 -حقوق المسلمين عموما 10-حقوق غير المسلمين. هذه هي الحقوق التي نريد أن نتناولها بالبحث على وجه الاختصار: ونبدأ بالحق الأول: حق الله تعالى هذا الحق أحق الحقوق وأوجبها وأعظمها؛ لأنه حق الله تعالى الخالق العظيم المالك المدبر لجميع الأمور، حق الملك الحق المبين الحي القيوم الذي قامت به السموات والأرض، خلق كل شيء فقدره تقديرا بحكمة بالغة، حق الله الذي أوجدك من العدم ولم تكن شيئا مذكورا. حق الله الذي رباك بالنعم وأنت في بطن أمك في ظلمات ثلاث، لا يستطيع أحد من المخلوقين أن يوصل إليك غذاءك ومقومات نموك وحياتك، أدر لك الثديين، وهداك النجدين، وسخر لك الأبوين، أمدك وأعدك أمدك بالنعم، والعقل والفهم، وأعدك لقبول ذلك والانتفاع به: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) سورة النحل، الآية78. فلو حجب عنك فضله طرفة عين لهلكت، ولو منعك رحمته لحظة ما عشت فإذا كان هذا فضل الله عليك ورحمته بك فإن حقه عليك أعظم الحقوق؛ لأنه حق إيجادك وإعدادك وإمدادك، إنه لا يريد منك رزقا ولا إطعاما: لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى (سورة طه، الآية 132) وإنما يريد منك شيئا واحدا مصلحته عائدة إليك، يريد منك أن تعبده وحده لا شريك له وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (سورة الذاريات، الآيات: 56-58) يريد منك أن تكون عبدا له بكل معاني العبودية، كما أنه هو ربك بكل معاني الربوبية، عبدا متذللا له، خاضعا له، ممتثلا لأمره، مجتنبا لنهيه. مصدقا بخبره؛ لأنك ترى نعمه عليك سابغة تترى، أفلا تستحي أن تبدل هذه النعم كفرا!!. لو كان لأحد من الناس عليك فضل لاستحييت أن تبارزه بالمعصية وتجاهره بالمخالفة، فكيف بربك الذي كل فضل عليك فهو من فضله، وكل ما يندفع عنك من سوء فمن رحمته وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون (سورة النحل، الآية 53) وإن هذا الحق الذي أوجبه الله لنفسه ليسير سهل على من يسره الله له قال الله تعالى وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير (سورة الحج، آية:78) إنه عقيدة مثلى، وإيمان بالحق وعمل صالح مثمر، عقيدة قوامها: المحبة والتعظيم، وثمرتها: الإخلاص والمثابرة، خمس صلوات في اليوم والليلة، يكفر الله بهن الخطايا، ويرفع بهن الدرجات، ويصلح بهن القلوب والأحوال، يأتي بهن العبد بحسب استطاعته: فاتقوا الله ما استطعتم (سورة التغابن، الآية: 16) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين (وكان عمران مريضا): صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب. (رواه البخاري وغيره) زكاة: وهي جزء يسير من مالك تدفع في حاجة المسلمين للفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين وغيرهم من أهل الزكاة (وهي تنفع الفقير ولا تضر الغني) صيام شهر واحد في السنة ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر (سورة البقرة، الآية: 185) ومن لا يستطيع الصيام لعجز دائم يطعم. حج البيت الحرام مرة واحدة في العمر للمستطيع هذه هي أصول حق الله، وما عداها فإنما يجب لعارض، كالجهاد في سبيل الله، أو لأسباب توجبه، كنصر المظلوم. انظر يا أخي هذا الحق اليسير عملا، الكثير أجرا، إذا قمت فيه كنت سعيدا في الدنيا والآخرة ونجوت من النار ودخلت الجنة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (سورة آل عمران، الآية: 185) الحق الثاني: حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحق هو أعظم حقوق المخلوقين، فلا حق لمخلوق أعظم من حق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا. لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه (سورة الفتح، الآيتان: 8،9) ولذلك يجب تقديم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على محبة جميع الناس حتى على النفس والولد والوالد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلمك لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين (رواه البخاري ومسلم) ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم: توقيره، واحترامه، وتعظيمه التعظيم اللائق به من غير غلو ولا تقصير، فتوقيره في حياته: توقير سنته وشخصه الكريم، وتوقيره بعد مماته: توقير سنته وشرعه القويم، ومن رأى توقير الصحابة وتعظيمهم للرسول صلى الله عليه وسلم عرف كيف قام هؤلاء الأجلاء الفضلاء بما يجب عليهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عروة بن مسعود لقريش- حينما أرسلوه ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح في قصة الحديبية- قال: دخلت على الملوك: كسرى، وقيصر، والنجاشي، فلم أر أحدا يعظمه أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمدا، كان إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له. انظر(مختصر سيرة الرسول للشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص30) هكذا كانوا يعظمونه رضي الله عنهم، مع ما جبله الله عليه من الأخلاق الكريمة، ولين الجانب، وسهولة النفس، ولو كان فظا غليظا لانفضوا من حوله. وإن من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم: تصديقه فيما أخبر به من الأمور الماضية والمستقبلة، وامتثال ما به أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، والإيمان بأن هديه أكمل الهدى، وشريعته أكمل الشرائع، وان لا يقدم عليها تشريع أو نظام مهما كان مصدره فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (سورة النساء، الآية 65) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (سورة آل عمران، الآية: 31) ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم الدفاع عن شريعته وهديه بما يستطيع الإنسان من قوة بحسب ما تتطلبه الحال من السلاح، فإذا كان العدو يهاجم بالحجج والشبه فمدافعته بالعلم ودحض حججه وشبهه وبيان فسادها، وإن كان يهاجم بالسلاح والمدافع فمدافعته بمثل ذلك. ولا يمكن لأي مؤمن أن يسمع من يهاجم شريعة النبي صلى الله عليه وسلم أو شخصه الكريم ويسكت على ذلك مع قدرته على الدفاع.