الغيبة دوافعها .. ووسائل تركها

أخي الكريم الغيبة بضاعة وسلعة لا يسعى لها إلا ضعفاء الإيمان، وهي في نفس الوقت تجارة خاسرة للمغتاب بحيث يخسر كثيرا من حسناته ويكسب كثيرا من الذنوب والسيئات لذا جاء النهي عنها والتحذير منها في كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم يقول جل وعلا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يغتب بعضكم بعضا وكونوا عباد الله إخوانا. متفق عليه . ولا يخفى علينا ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال بعض الرواة يعني(قصيرة) فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. رواه أحمد وابن أبي الدنيا والبيهقي وقال الترمذي حديث حسن صحيح . بل إن الإسلام جعل الغيبة من كبائر الذنوب التي تحتاج إلى توبة صادقة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه . رواه البزار والأحاديث الدالة على تحريم الغيبة وبيان خطورتها كثيرة جدا . من هنا يتبين لنا خطر الغيبة على دين الإنسان وخلقه، ولعل الكثير ممن ابتلوا بهذا الأمر يرغبون في التعرف على الوسائل التي تعينهم على الابتعاد عنها، وترك هذا الخلق الذميم، وقبل ذكر هذا الطرق والوسائل تجدر الإشارة أولا إلى الدوافع التي تدفع بالإنسان إلى الغيبة إذ أنه بمعرفة هذه الدوافع نستطيع بيان أسباب العلاج. الدوافع الباعثة على الغيبة: هناك دوافع وأسباب عديدة تدفع الإنسان إلى الغيبة نذكر منها: 1-منها مجاملة الرفقة السيئة وموافقتهم على الغيبة والكلام في الناس، فيرى المغتاب أنه لو أنكر عليهم حالهم ونهاهم عما يقولونه أو يعتقد أنه إذا قطع عليهم حديثهم فإنهم سيستثقلونه وينفرون منه فيدفعه ذلك إلى أن يشاركهم ويساندهم فيما يقولون، ويظن أن ذلك من حسن المعاشرة ومن حق الصحبة ومن هذا نعرف أهمية الرفقة الصالحة والابتعاد عن رفقاء السوء الذين لا يجلبون معهم إلا السوء، وما أحسن ما قاله الشاعر: إذا لم أجد خلا تقيا فوحدتي ?????ألذ وأشهى من صديق أحاذره 2-ومن الدوافع وهو أكثرها وأعظمها: التشفي وإذهاب الغيظ الذي في القلب على فلان وذلك بالوقوع في غيبته وذكر مساوئه، وهذا كله بسبب ضعف الوازع الديني لديه وقلة الحلم والعفو الذي يذهب الحقد والغيظ من قلب المؤمن الحق لالتماسه الثواب والأجر من الله. 3-ومن الدوافع: السخرية والاستهزاء بالآخرين الناشئان عن الكبر والإعجاب بالنفس فيرى في أخيه عيوبا خلقية وخلقية ليست به فيسخر ويستهزئ به ويقع في غيبته، ناسيا قول الله تعالى: لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن (الحجرات 11) 4-ومن الدوافع الحسد وهو أن يحسد من يثني الناس عليه ويحبونه ويكرمونه فيريد زوال تلك النعمة عليه وهذا هو الحسد المذموم المنهي عنه فلا يجد سبيلا إليه إلا بالقدح فيه، حتى يكفوا عن الثناء عليه وإكرامه لأنه يثقل عليه ذلك. 5-ومنها التسلية والتلهي وتزجية الوقت وإشغاله بما يذهب عن نفسه أو نفس جليسه السآمة والملل دون الالتفات إلى فداحة ما يصنع. 6-ومنها أيضا التقرب إلى من يستمتع بهذه الجريمة أو يستفيد من ورائها ويتكسب بها. كيفية الابتعاد عنها: أولا: أن يعلم أنه بغيبته هذه يتعرض لسخط الله تعالى وغضبه لارتكابه ما نهى الله عنه، وإذا كان إيمان الإنسان بالله إيمانا حقيقيا فإنه بمجرد ذكره لما ورد من الأخبار في الغيبة فإنه لخوفه من الله سوف يمسك لسانه عن الغيبة وعن كل ما حرم الله سبحانه وتعالى. ومن هذه الأخبار قول النبي صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم رواه أبو داود ثانيا: أن يتدبر في نفسه، فإن وجد فيها عيبا فإنه يشتغل بعيب نفسه، ومهما كان العيب فينبغي أن يستحي من أن يترك نفسه ويذم غيره. ثالثا: ليعلم المغتاب أن عجز غيره عن التنزه عن العيوب التي فيه كعجزه هو عن التنزه عن عيوب نفسه، هذا إذا كان هذا العيب يتعلق بفعله واختياره. مثال ذلك كأن يظهر من شخص ما حركة أو كلمة دون أن يتحرز منها أو يتعمدها فيقوم آخر بذكر هذا التصرف منه على سبيل الاستهزاء، أما إذا كان أمرا خلقيا فيقوم شخص بالاستهزاء بعوره أو بنحفه أو بعرجه أو بطوله فإن ذمه له ذم للخالق سبحانه وتعالى وليتق الإنسان ربه في سخريته هذه، وإذا لم يجد الإنسان في نفسه عيبا، فليحمد الله تعالى ويشكره على هذه النعمة حيث لم يجعله مثل الذي يستهزئ به واستهزاؤه هذا من أعظم الذنوب ولا يظن هو أنه خال من العيوب ، والله المستعان. رابعا: ليعلم أن غيبته تجارة رابحة لمن اغتابه فذاك يأخذ من حسناته وهو يكسب السيئات والأوزار والعياذ بالله. وما أحسن قول القائل: يشاركك المغتاب في حسناته ????? ويعطيك أجر صومه وصلاته ويحمل وزرا عنك ظن حمله ????? عن النجب من أبنائه وبناته خامسا: وليتصور من يغتاب أخاه المسلم أنه كمن يأكل لحمه وهو ميت فهو ينهش في عرضه وهو غافل عن ذلك. سادسا لابد عند زلة اللسان بالغيبة أن يتوب الإنسان ويذكر الله ويستغفره، وينهى من حوله بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا لم ينتهوا فليقم من ذلك المجلس حتى يخوضوا في حديث غيره. سابعا: إذا ذكر أحد غيبة فلا يجب الإصغاء إلى المغتاب على سبيل التعجب والتنكر، بل الساكت على الغيبة شريك للمغتاب إلا أن ينكر بلسانه أو بقلبه، وذلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم ومن رد غيبة أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة كأن يقول ما علمت عن أخينا إلا كل خير، وفي الحديث: من رد عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة رواه الترمذي وقال: حديث حسن ثامنا لابد أن يعرف المغتاب أن تألم غيره بغيبته كتألمه بغيبة غيره له. وإذا كان لا يرضى لنفسه أن يغتابه أحد فكذلك يجب ألا يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه. تاسعا: وأخيرا من قوي إيمانه استطاع أن يتغلب على نفسه ولسانه وأن يكف عن الغيبة ولابد أن يبادر إلى التوبة من هذه الغيبة وأن يأتي بشروط التوبة كاملة وهي: 1-الإقلاع التام عن هذا الذنب والعودة إلى الله بقلب منيب. 2-الندم على ما زل به لسانه من الوقيعة في عرض أخيه المسلم. 3-أن يعزم عزما أكيدا على عدم العودة لمثل هذا الذنب. 4-التحلل من المغتاب وطلب العفو منه، وإن أراد أن يعرف ما قيل فيه فيخبره عن ذلك بصراحة، وإن لم يستطع التحلل منه وطلب العفو منه أو خشي أن يذكر الغيبة فليدع له ويستغفر له في ظهر الغيب . هذا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. نقلا من كتيب أريد أن أتوب من الغيبة؟ فما الوسيلة ؟ إعداد نوال بنت عبد الله