"تويتر" يعلن أول أزمة لوسائل التواصل الاجتماعي..!

اليوم - على سبيل المثال - نعيش صورة من أزمات وسائل التواصل الاجتماعي يقودها «تويتر»؛ تلك المنصة التي سمحت للبشرية كلها بأن تعبر افتراضيًا؛ حيث أصبحت البشرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أسيرة للوسيط والرسالة، والسؤال الآخر الذي يهمنا في هذه المرحلة يقول: هل نفهم بعمق المعاني الكامنة وراء تعبيرات الأفراد في «تويتر»

لم تعد التقنية تتحكم في قدرتنا على التواصل المفتوح وبكل الاتجاهات، فقد كانت البداية عام 1844م؛ حيث أرسلت أول رسالة عبر التلغراف الجديد من قبل صامويل مورس، ومنذ ذلك التاريخ انطلقت البشرية لتسهل عملية التواصل بينها؛ لتكسر قواعد الجغرافيا والتاريخ والثقافة، ومع انطلاقة الإنترنت في العالم وصلت قضية التواصل الاجتماعي إلى فكرة تشبه فكرة نهاية التاريخ؛ حيث فتح الإنترنت كل الأبواب لتحقيق التواصل بين البشر بلا قيود في الكم والكيف.

ولدت مع وسائل التواصل الاجتماعي ثقافة الأنا الافتراضية، فأصبح البشر يتحدث بعضهم إلى بعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويؤثر بعضهم في بعض بواسطة هذا العالم الافتراضي الواسع، ويتفاعلون بطريقة تشبه هتافات الجماهير للأبطال، ولكن هذه المرة عبر عالم افتراضي لا أحد يسمع ولا يتكلم، ولكن الجميع يرى ويتفاعل عبر كلمات ينثرها في وسائل التواصل الاجتماعي، ظاهرة التواصل الاجتماعي لا تعرف قيمة للموضوعات من حيث الاختيار، فكل تفاصيل الحياة تحولت إلى شيء مثير للاهتمام بعدما كنا نعتقد أن في الحياة ما هو تافه وما هو غير تافه.

لقد غيرت وسائل التواصل الاجتماعي معايير البشر حول تقييم الأشياء؛ حيث أصبح صراخ طفل متكرر أو شراء لعبة أو سيارة شيئًا يحظى بالاهتمام، ويشاهده ملايين الناس بكل دقة، ويعلقون عليه، ويتفاعلون معه كحدث جدير بالاهتمام. السؤال المهم: ماذا يعني تحول الحياة إلى واقع افتراضي يسقط شروط التواصل البيولوجي ويحولها إلى تواصل افتراضي بمعايير جديدة بحيت يؤثر في الحياة كلها بلا استثناء..؟ لقد أصبح من الصعب علينا أن نفسر ماهية وسائل التواصل الاجتماعي؛ هل هي شكل من حرية التعبير، أم هي شكل من فوضى التعبير، أم هي درجة من العزلة البشرية تم تحويلها إلى عالم رقمي يسقط فرضية الإنسانية؟

خلال العشرين عامًا الماضية تدرج العالم مع وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضهم اعتبرها بديلاً للإعلام التقليدي، وكانت تلك نظرية خاطئة بأن هناك من يعتقد أن الصحافة والإعلام يذوبان في تلك الوسائل؛ كون الإنسان استطاع أن يعبر من خلال تلك الوسائل عن أحداثه بطريقته الخاصة. لقد ثبت أنه ليس كل من يستطيع ركل الكرة هو لاعبًا ماهرًا، هكذا هي وسائل التواصل الاجتماعي، حالة لا يمكن ربطها بأي مظهر من مظاهر الإعلام، صحيح أنها تمتلك التأثير الذي كان يلعبه الإعلام، ولكن هذه الوسائل قضية مختلفة تدور حول الإنسان والحياة وتغيير مفاهيم البشرية حول معنى جديد يفسر أن تكون إنسانًا يعيش في هذا العالم المتلاطم بوسائل التواصل الاجتماعي.

اليوم - على سبيل المثال - نعيش صورة من أزمات وسائل التواصل الاجتماعي يقودها "تويتر"؛ تلك المنصة التي سمحت للبشرية كلها بأن تعبر افتراضيًا؛ حيث أصبحت البشرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أسيرة للوسيط والرسالة، والسؤال الآخر الذي يهمنا في هذه المرحلة يقول: هل نفهم بعمق المعاني الكامنة وراء تعبيرات الأفراد في "تويتر" كنموذج لوسائل التواصل الاجتماعي سواء من الطبقات السياسية أو الطبقات الشعبية..؟ فكرة "تويتر" هي الفكرة ذاتها في وسائل التواصل الاجتماعي كلها - وسيط ورسالة – يحركهما حدث، يتفاعل معه الإنسان.

"تويتر" بطبيعته وانتشاره هو حالة من الوجود الدائم للأحداث، فالفرد في أي موقع في العالم أصبح يشارك في الحدث، وفي أي موقع على الأرض، وهو بتفاعله هذا يعتبر نفسه في تلك اللحظة جزءًا من ذلك الحدث، وهذا يرسخ فكرة الشراهة للأحداث ومتابعتها عبر الكون، والتفاعل مع معطياتها، والمشاركة في أحداثها، وبث الآراء حولها، ولعل السؤال الأخير هنا يدور حول قدرة القوانين على فصل أجسادنا كبشر عن التقنية، ومحالة ضبط مخرجات هذه التقنية، وهذا ما يفسر الأحداث بين رئيس أكبر دولة وأكثر التطبيقات انتشارًا في العالم.

وسائل التواصل الاجتماعي بجميع تطبيقاتها سهلت عملية الوصول إلى البشرية كلها وفي أي موقع جغرافي على هذا الكون، ولذلك فقد يصبح من المستحيل إعادة تعريف وسائل التواصل الاجتماعي؛ كونها إعلامًا اجتماعيًا يشترك فيه الناس جميعًا، وسائل التواصل الاجتماعي هي تغيير جذري لحياة البشر من خلال الصورة المنقولة والتعبير المطلق على الحدث المنشور عبر تلك الوسائل، "تويتر" وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي هي في حقيقتها القنبلة الذرية الحديثة للتقنية والتواصل الافتراضي، وهذا ما سيجعل من هزيمتها أمرًا صعبًا في معاركها مع المشاهير من الساسة أو غيرهم.

بقلم/د. علي الخشيبان -الرياض