المسار السياسي السعودي.. في الخطاب الملكي

ومع كل ما شهدته المنطقة من تحولات ومشاهد سياسية، إلا أن الخطاب الملكي عكس الاستقرار التاريخي للأداء السياسي السعودي انطلاقا من معايير وموازين فعلية تتبناها السياسة السعودية وخاصة الشفافية العالية في معالجة القضايا المهمة على المستويات الإقليمية والدولية..

أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة وفي دورتها الخامسة والسبعين، تحدث خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - عبر خطاب استثنائي بدت فيه السياسة السعودية وهي تضع قواعد ومنطلقات عكست الكثير من التحولات التي تشهدها السعودية والمنطقة، ومع كل ما شهدته المنطقة من تحولات ومشاهد سياسية، إلا أن الخطاب الملكي عكس الاستقرار التاريخي للأداء السياسي السعودي انطلاقا من معايير وموازين فعلية تتبناها السياسة السعودية وخاصة الشفافية العالية في معالجة القضايا المهمة على المستويات الإقليمية والدولية.

هذا الخطاب الملكي وهو يأتي في سياق دوري لاجتماعات الجمعية العمومية في الأمم المتحدة إلا أن قراءة أعمق تضمنها هذا الخطاب حيث رسم ملامح واضحة وراسخة في السياسة السعودية بإلإضافة إلى نصوص جريئة وصارمة حول كيفية التعاطي مع مشكلات المنطقة وخاصة من تلك الدول التي دأبت على تعريض المنطقة للأزمات، وهذه الشفافية والوضوح أمر استراتيجي مهم ويتم إرساله في هذا التوقيت، حيث ترأس المملكة العربية السعودية مجموعة العشرين المنظمة التي تضم أكبر عشرين دولة في العالم من حيث التأثيرات الاقتصادية والسياسية.

ففي كلمة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - نلحظ ترسيخا للقواعد السياسية ورسما للخطوط والمنطلقات التي تقوم عليها السياسة السعودية، تأكيدا للريادة السياسية السعودية عربياً وإسلامياً، حيث أشار خادم الحرمين الشريفين وبالنص "أتحدث إليكم اليوم من أرض الرسالة، مهبط الوحي، وقبلة المسلمين، موجهاً إليكم رسالة نستند فيها إلى تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، وثقافتنا العربية، وقيمنا الإنسانية المشتركة، ندعو فيها إلى التعايش والسلام والاعتدال، والتكاتف بين دول العالم وشعوبها في مواجهة التحديات الإنسانية الاستثنائية المشتركة، التي تواجه عالمنا".

وهنا تتبلور كل المعالم وتتضح التفسيرات والتنبؤات حول السعودية وسياساتها المستقبلية، حيث رسخ هذا الخطاب منطلقات التزام المملكة التاريخي والعقدي كونها أرض الحرمين ومهبط الوحي كدولة تؤمن بثقافتها العربية وقيم الإنسانية كمشتركات عالمية ورغبة دائمة لتعزيز التعايش بين الثقافات والشعوب والأديان ونشر السلام والاعتدال، وبهذه المنطلقات يمكن تحرير التصورات وفهم الكلمات حول قواعد السياسة السعودية الراسخة والتي سوف تنعكس وبكل تأكيد على جميع المواقف التي سوف تتخذها المملكة العربية السعودية حاضراً أو مستقبلاً.

ومن المشاهد الأساسية في الكلمة الملكية تأكيد الدور السعودي وريادته دوليا وإقليما على المستوى الإسلامي والعربي وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تسهم السياسة السعودية دائما في تعزيز الحلول الجذرية والعادلة لكل القضايا التي تخص المنطقة، ومما جاء في الخطاب الملكي حول أهم قضايا الشرق الأوسط وأكثرها تداولا خلال الثمانية عقود الماضية، تأكيد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - على "إن السلام في الشرق الأوسط هو خيارنا الاستراتيجي، وواجبنا أن لا ندخر جهداً للعمل معاً نحو تحقيق مستقبل مشرق يسوده السلام والاستقرار والازدهار والتعايش بين شعوب المنطقة كافة، وتدعم المملكة جميع الجهود الرامية للدفع بعملية السلام، وقد طرحت المملكة مبادرات للسلام منذ العام 1981، وتضمنت مبادرة السلام العربية مرتكزات لحل شامل وعادل للصراع العربي الإسرائيلي يكفل حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما نساند ما تبذله الإدارة الأميركية الحالية من جهود لإحلال السلام في الشرق الأوسط من خلال جلوس الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق عادل وشامل".

وفي رسالة واضحة للموقف السعودي من إيران أكد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - أن المملكة العربية السعودية، "مدت.... أياديها للسلام مع إيران وتعاملت معها خلال العقود الماضية بإيجابية وانفتاح، واستقبلت رؤساءها عدة مرات لبحث السبل الكفيلة لبناء علاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل، ورحبت بالجهود الدولية لمعالجة برنامج إيران النووي، ولكن مرة بعد أخرى رأى العالم أجمع استغلال النظام الإيراني لهذه الجهود في زيادة نشاطه التوسعي، وبناء شبكاته الإرهابية، واستخدام الإرهاب، وإهدار مقدرات وثروات الشعب الإيراني لتحقيق مشروعات توسعية لم ينتج عنها إلا الفوضى والتطرف والطائفية، واستمرار لذلك النهج العدواني، قام النظام الإيراني العام الماضي باستهداف المنشآت النفطية في المملكة، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية، واعتداء على الأمن والسلم الدوليين، وبشكل يؤكد أن هذا النظام لا يعبأ باستقرار الاقتصاد العالمي وأمن إمدادات النفط للأسواق العالمية".

وختاما لا بد من الإشارة إلى المسار الرئيس الذي تنتهجه المملكة لتحقيق طموحاتها التنموية والتطورية والإصلاحية وطرحها أمام العالم أجمع، حيث أكد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - على أن المملكة العربية السعودية قد اختارت طريقا للمستقبل يمر عبر رؤية المملكة 2030.

بقلم/د. علي الخشيبان -الرياض