عندما تخسر الصحف من سيخسر معها؟

ماذا ستخسر البلاد عندما تفقد الصحف السعودية قدرا كبيرا من حصتها من الإعلان؟

بالطبع سيخسر المساهمون، وسيخسر العاملون والصحافيون، وسيخسر عدد من الموظفين، ولكن هؤلاء بشر سيملكون (عاجلا أو آجلا) مخارج لتدبير أمورهم. قد يعاني بعضهم أكثر من الآخر، وإلى حد هنا لا تختلف الصحف عن أي قطاع تجاري آخر يتعثر.

لا أستطيع أن أضع قائمة الكتاب والمفكرين والشعراء والنقاد الذين خرجوا من عباءة الصحافة، ولكن سأجازف بالقول إن جميع الكتاب والمفكرين والشعراء السعوديين خرجوا من صفحات الجرائد.

مثلت الصحافة في تاريخها الطويل الراعي الرسمي لنشر الفكر والأدب على المستويات كافة، وتحملت مسؤولية دعم الكتاب والكاتبات بدفعهم للشهرة وتعريف الناس بهم، وكانت أيضا تقيم لهم الندوات، أو تسهم في تغطية ندواتهم، وتغطي فعالياتهم الثقافية في كل مكان في المملكة وخارجها وتروج لها، كما كانت مفتاح النشر للقدرات الجديدة،

الصحافة ليست كما يشي اسمها في أذهان بعض الناس مجرد مقالة وتحليل وخبر وصورة، الصحافة في المملكة بوابة، ومفتاح الثقافة على مدى عمر المطابع في المملكة.

عندما نتحدث عن خسارة الصحافة للإعلان، نحن نتحدث عن خسارة الثقافة والفكر لدخل ضروري يغذيه دون أن يلجأ إلى مصادر رسمية بيروقراطية يطولها الجمود بعد سنة أو سنتين من إقرارها. تنافسية الصحف على الكتاب والمبدعين وتنوع أفكار قياداتها قادا إلى بناء فكر متجدد ومتطور ومتنوع.

الإعلان اليوم يتبعثر؛ أصبح في أيدي مجموعة كبيرة من نشطاء السوشال ميديا، خلق دخلا كبيرا لعدد من المواطنين، ولكنه لن يخلق تيارا ثقافيا. هؤلاء النشطاء يصعدون ثم يخفقون ليحل مكانهم نشطاء جدد، فتحول دخل الإعلان إلى مساعدة سريعة لفئة معينة من الناس بينهم عدد كبير غير مواطنين. إذا استمر الحال فسينتقل دخل الإعلان إلى نشطاء جدد يستولون عليه وهم خارج المملكة، كما أن الإعلان سيذهب إلى شركات السوشال ميديا الكبرى، مثل: جوجل، وفيس بوك.. إلخ.

من يظن أن ضعف الصحافة نعمة يرتكب خطأ جسيما في التكفير المنطقي، ولا يدرك خطورة البعد الاستراتيجي الوطني لهذه الخسارة. الصحافة إحدى أهم الأدوات التي تحافظ على تماسك الفكر الوطني وانسجامه، والجدار الأول الذي يتصدى للحملات الخارجية التي تهدف إلى إضعاف الجبهة الداخلية. في كل مرة يحدث أمر تعمل أجهزة الدولة على التفاهم مع الصحافة وتنسق الأمر معها.

الدخل الإعلاني الذي يتبعثر أو يذهب إلى أيد أجنبية يضع واحدة من أهم أسلحة البلد في أيدي الآخرين.

بقلم/ عبد الله البخيت - الرياض