الفواكه بين الماضي والحاضر

الشيء الوحيد الحميمي الذي يربطني بملكة بريطانيا، يمكن أن يجعل مني صديقاً لها هو ما قرأت عنه قبل عدة أيام. اكتشفت أن ملكة بريطانيا لا تأكل الخضار والفواكه إلا في مواسمها. لا تحب المستزرع بشكل غير طبيعي كالمحميات أو المستورد من أماكن بعيدة. آمنت بهذه النظرية منذ زمن بعيد دون استشارة من خبير طبي أو غذائي أو بيئي. نظريتي التي تتفق معي عليها ملكة بريطانيا أن الله وزع نباتاته على الفصول وعلى البيئات المختلفة على وجه الأرض. البطيخ والتمر والرمان في الصيف والبرتقال والليمون والجوافة في الشتاء وثمة خضار وفواكه تستزرع في الفصول الأخرى. وهناك فواكه وخضار لا تنبت إلا في بيئات معينة كأميركا الجنوبية وأستراليا، اختلاف المناخ يعني اختلاف حاجات السكان الغذائية. الخضار والفواكه التي لا تنبت في غير بيئتها يفترض أن تؤكل في بيئتها ولا تصدر للخارج البعيد.

أخفيت هذا المفهوم عن الآخرين خشية أن يتهمني الناس بأني من مروجي النظريات على النت أو أن أتهم بمعاداة التلاقح العالمي. طالما أن ملكة بريطانيا أفصحت عن موقفها هذا فلم أعد وحيداً. بيد أني كغيري من الناس تنتابني بضع نزعات التمرد تدفعني للانخراط في العصر الحديث الذي يتداخل فيه كل شيء مع كل شيء. في الدول الثرية كالمملكة وكندا ستجد فواكه الصيف في الشتاء وفواكه الشتاء في الصيف. وطالما أن ملكة بريطانيا أحلت عقدة لساني سأسمح لنفسي أن تفصح عن مكنون إيماني فأشير أن أفضل فاكهتين على مائدتي هما الرطب والبطيخ (الجح). لست وحدي في هذا، هاتان الفاكهتان هما أفضل الفواكه عند العرب من المحيط إلى الخليج، يؤكد ذلك أن للبطيخ اسماً عند كل مجتمع عربي يختلف عن الاسم عند المجتمع الآخر، رقية وحبحب وجح دلاح دلاع.. إلخ. يشير هذا التنوع في التسمية إلى إحساس محبة وامتلاك وكأنه فاكهة حصرية لهذا المجتمع دون غيره.

بصراحة يخيفني جح اليوم. في كل الحالات ستجده رائعاً ولذيذاً وأحمر. كان هذا مستحيلاً في الأزمنة الماضية، يراودني الشك أن صناعة كيماوية تتدخل في إنتاجه. من ذكريات أيام المقيبرة أكبر سوق خضار في الرياض القديمة أن البطيخ ينطوي على حظ، حتى أصبح مضرباً لمثل المفاجأة. كان الناس يقولون الزواج مثل البطيخ، على السكين. يشقها البائع إذا جاءت حمراء يتناولها البشر وإذا جاءت بيضاء ترمى للحيوانات.

ثمة شيء يقلقني في هذه النظرية؛ إذا نظرنا للمجتمعات القديمة التي لا تأكل الخضار والفواكه إلا وفقاً لمواسمها ولا تعرف المعالجات الكيميائية سنرى أن أعمارهم قصيرة وأمراضهم كثيرة مقارنة بأعمارنا رغم أن معظم مأكولاتنا معالجة كيميائياً. ما الذي يحدث؟

بقلم/ عبد الله البخيت - الرياض