تأميم تجارة الأدوية

إذا كان للتجربة الشخصية فائدة ويمكن الاستعانة بها في التعميم سأسمح لنفسي بالقول: إن استهلاك الأدوية في المملكة يفوق أي بلد آخر عشت فيه أو زرته. أقصد الدول الأوروبية وأميركا وكندا. لم أزر طبيباً في المملكة دون أن أخرج وبيدي كيس مليء بالأدوية.

تابعت حالة صديق سعودي دخل مستشفى في كندا لإجراء عملية. في ساعة الخروج اكتشف أن الطبيب المعالج صرفه من المستشفى دون أن يصرف له أدوية، فاستفسر. فقال له الطبيب: لا يوجد في حالتك أي إخماجات أو مشكلات تتطلب العلاج بالأدوية، هذا لا يمكن أن يحدث في المملكة.

تحليل هذه المشكلة يقود إلى اتهام المستشفيات الأهلية والأطباء بتحويل الأدوية إلى بضاعة، المستشفى يبيع الأدوية والطبيب يأخذ نسبة على كل عملية بيع. لا أعلم مدى دقة كلامي هذا، ولكن إذا كان يحدث فسوف يشجع الأطباء والمستشفيات الأهلية على التمادي في صرف الأدوية غير مبالين بالأضرار الجسيمة التي قد تنتج عن ذلك. صحيح الدواء سلعة، ولكنه سلعة خطرة مثل السلاح.

قرأت تحقيقاً نشر في جريدتنا هذه عن إنشاء شركة حكومية تحتكر استيراد وبيع الأدوية. لاحظت أن جميع ضيوف التحقيق يرفضون فكرة إنشاء شركة حكومية للسيطرة على بيع الأدوية. ساق كل منهم أسباب رفضه لمثل هذه الشركة ولكن مع الأسف لم يقنعني أحد. معظم المبررات التي سيقت يتضح فيها الانحياز وقائمة على باب سد الذرائع. بعضهم خشي من أن تؤدي هذه الشركة إلى الاحتكار. ونسي أن هذا هو المطلوب أصلاً عند إنشاء هذه الشركة. ما تملكه الدولة وتسيطر عليه لا يطلق عليه احتكار. قد يكون أمناً قومياً أو حماية للمواطنين في أمر لا يمكن الاتجار به. الاحتكار أن تسيطر شركة أهلية على نشاط ما أو تستحوذ على النصيب الأكبر منه ثم تتحكم في السوق. وهناك من قال: إن هذه الفكرة تتعارض مع فكرة الخصخصة كأن الخصخصة قانون إلهي لا يجوز الخروج عليه. من ينظر إلى سوق الأدوية في المملكة سوف يرى أن بعض الشركات تسيطر على الأدوية في صورة احتكار.

إنشاء شركة حكومية تحتكر استيراد الأدوية وتوزيعها سوف ينشأ عنه مجموعة من السلبيات، ولكن هذه السلبيات مهما كانت كبيرة أفضل من احتكار الأدوية بمورد واحد أو اثنين أو أن تملك توزيعه سلسلة صيدليات واحدة. وسيبقى أيضاً أفضل من تجفيف السوق من دواء معين للتلاعب بالأسعار أو صرف أدوية دون اعتبار لأخلاقيات المهنة.

كثير منا سمع بالطبيب الأميركي الذي أوهم مرضاه بالإصابة بالسرطان لكي يتقاضى أرباحاً هائلة من شركات الأدوية التي تصنع هذه الأدوية. كم واحداً منا أصيب بمرض لا يعلم أن سببه دواء تناوله دون أن يكون في حاجة له؟

بقلم/ عبد الله البخيت - الرياض