هدر الطعام

عملت في الأسابيع الماضية دراسة صغيرة على هدر الطعام في المطاعم في المملكة. ركزت على المطاعم الشعبية. تلك المطاعم التي يؤمها الناس بكثرة لرخص سعرها والاعتياد على وجباتها. مطاعم الفول والمطاعم الشامية (شاورما مشويات) الخ. ومطاعم البروستد ومطاعم الوجبات السعودية الشعبية.

في كل مرة اطلب مثلوثة سفري لشخص واحد اضطر أن اقسمها إلى وجبتين أو ثلاث ويبقى القليل اتخلص منه برميه في الزبالة. كمية المفرد في المطاعم الشعبية السعودية تكفي ثلاثة بالغين. نفس الشيء مع الرز البخاري. لا يمكن أن تأكل اكثر من ربع الوجبة والربع كثير. لا اعرف لماذا قرص خبز التميس بريال. القرص الواحد يكفي ثلاثة أشخاص. أما في المطاعم الشامية فالأمر غير معقول. عندما تطلب مشويات لفرد ومتبل تأخذ مع الوجبة الواحدة ثمانية أقراص خبز. خبزتان غلاف للمشويات والباقي تأخذه في كيس. مع المتبل واللحم بالكاد تأكل قرصا واحدا والباقي مصيره الرمي. سألت صاحب مطعم: لماذا هذا الهدر؟ فقال منتشياً خير الله كثير. فقلت نعم لكن خير الله للناس وليس لبراميل الزبالة. فقال لي بكل بساطة أنت أول واحد يعترض على هذا.

يبدو لي أن الزبون في المملكة اعتاد على هذا الهدر في المطاعم، يظن أنه هو الكاسب، طالما يأخذ هذه الزيادة مجاناً فلم الاعتراض؟ بعض الناس يفقد حساسيته الأخلاقية عندما يرى أن المسألة تميل لصالحه، لا يفكر على المستوى العام، كأنه لا يعلم أن هذا الهدر يخالف القيم الإسلامية. يبدو لي أن الأخلاق التي تعلمناها لا تحتمل التطبيق، يجلس أربعة أشخاص على ذبيحة كاملة مع الرز، وليمة تكفي قرية في الهند، ثم يذهب بهم الحديث إلى الهدر في أميركا، يتباكون على إحراق أميركا نصف محصول القمح للحفاظ على الأسعار، سيصرخ أحدهم لماذا لا يعطونه للصوماليين المساكين، يعبر عن تعاطفه وحزنه وفمه محشو بلقمة تكفي فقيراً هندياً وجبة كاملة وقطع اللحم التي مطرسها بيده تكفي أسرة في بلاد فقيرة. الناس في بلادنا لا يتأملون فيما بين أيديهم، الأخلاق التي تعلمناها في بيوتنا وفي مساجدنا مخصصة لنقد الآخرين فقط.

نتحدث ونبذل جهوداً حثيثة لوقف نزيف المليارات بسبب حوالات العمال ومئات الملايين بسبب هدر المياه ونتجاهل المليارات التي نخسرها في هدر الطعام، أعتقد حان الوقت الذي يصبح فيه الهدر جريمة يعاقب عليها القانون، خصوصاً في المطاعم، تفتيش البلدية يجب أن يشمل كمية الأكل الملقى في براميل الزبالة وليس فقط النظافة وغيرها من المعايير، فالمسألة مالية وأخلاقية.


بقلم/ عبدالله بن بخيت - الرياض