كيف تفشل الكفاءات؟

وهل تفشل الكفاءات؟ الجواب نعم. بل هي التي يصبح فشلها صاخباً مدويّاً جرّاء التوقّعات العليا منها وضخامة الأعمال التي يتولّونها. ولكن كيف تفشل الكفاءات؟ الواقع إن الأسباب كثيرة، ومنها ما هو ذاتي خاص «بالشخص»، الكفاءة ذاتها، ومنها ما هو من بيئة العمل. ويأتي على رأس الأسباب الذاتيّة الظروف النفسيّة والشخصيّة وحجم الطموحات والتوقعات، ولكن أخطر سبب لفشل الكفاءات هو وضع اسم الشخص «الكفؤ» ضمن قائمة الكفاءات بناء على سيرة ذاتيّة ملفقة أو جراء دعم الأصحاب والأقارب دون أن يكون أهلاً لذلك. أما أبرز الأسباب الأخرى فيأتي في مقدمتها سوء توزيع الموارد البشريّة، وتشتيت الإمكانات، وعدم القدرة على فحص إمكانات «الرؤوس» المكلفة بالمهام.

ويحدث أن يطلب بعض الأصدقاء من قادة الأعمال في القطاعين العام والخاص ترشيح أسماء لمشروعات ومبادرات يطلقونها، وحين تسأله عن أبرز السمات التي يريدها في المرشح يسرد لك قائمة طويلة من المهارات والقدرات التي لا يملكها بشر لوحده، والحقيقة أنّه لم يعد للرجل «السوبرمان» مكان في عصر التخصص والاحتراف. وأذكر أن زميلاً تسلم أمانة مؤسسة كبرى، وطلب ذات الطلب فاجتهدت مع زميل محترف، ورشحنا له مجموعة من المتخصصين الأفذاذ، كل في مجاله، وبعد أشهر التقيت الزميل المسؤول فكانت عبارات التذمر التي أطلقها قبل السلام كافية لشرح حال مؤسسته.

ولما سألته عن طريقته في توزيع المهام على من رشحناهم له وجدته قد خلط الحابل بالنابل اعتماداً على استلطافه لهذا الشخص أو ارتياحه لذلك المرشح، وكنّا كتبنا مع سيرة كل مرشح مناطق القوة التي يمكن استثمارها فيه، ومناطق الضعف التي قد تحتاج إلى تنشيط.

في كل منظمة هناك مستشارون وقادة فرق مبدعون ولكنهم وُضِعوا في المكان غير الملائم، أو لم يُمنحوا الإمكانات المطلوبة للتحرّك والإبداع، ثم يصيح القائد «المدير» حينما يصبح الفشل واضحاً فيلقي اللوم عليهم، وقد يعمد إلى تشويه سيرهم المهنيّة أحياناً، خاصة أولئك الذين مازالوا في مقتبل العمر المهني.

هناك بين المستشارين والقادة أشخاص ملهمون في توليد الأفكار ووضع السيناريوهات وبناء الرؤى والأهداف العامة بشكل عبقري مذهل، ولكن هذا الصنف من الناس قد لا يُبدع حال تكليفه بمهام أخرى خارج نطاق هذه الميادين التي يجيدها ويستمتع بها، ولهذا فإن مهام هؤلاء ينبغي أن تنتهي بوضع الأطر الكبرى العامة وسبل ترشيدها. بعد ذلك يأتي دور «المخطط الاستراتيجي» الذي تتجلّى براعته في ترجمة هذه الرؤى والأفكار وربما الأهداف العظيمة إلى خطط عمل تنفيذيّة تتضمن التفاصيل والجداول الزمنيّة والتمويل والمتابعة ومؤشرات القياس والحكومة وما يتبع ذلك. وبعد ذلك يأتي دور القادة التنفيذيين لوضع هذه الخطط موضع التنفيذ وفق الخطة المرسومة لدى المؤسسة.

ولو أجاد كل قائد منظمة تمييز الفروق الفرديّة والمهارات والقدرات لدى القيادات والمستشارين العاملين معه لربما تجنبنا كثيراً من الهدر المالي والإداري جراء مشروعات التجربة والخطأ التي ابتليت بها كثير من المؤسسات العامة والخاصة.

قال ومضى:
لا شيء حقيقي في سيرته الذاتية سوى الحبر والورق..

بقلم: د. فايز الشهري - الرياض