قراءة في خطاب الأمير

الأمير خالد بن سلمان وصف ما تقوم به إيران بـ»الدمار الشامل»، مشيراً إلى أنها تسعى لـ»خلق حزب الله آخر» في اليمن. وقال إن «إيران لا تريد زعزعة استقرار المملكة فقط، بل المنطقة برمتها»، مؤكداً أن «المشكلة مع طهران في سلوكها ورغبتها في التوسع»، ويجب إيقافها بمساعدة المجتمع الدولي..

الحوار وسيلة أساسية في تقارب الشعوب، ما يقطع الطريق على كل دعوة متطرفة لشرخ التواصل الإنساني، ولذلك الخطاب الرسمي دائماً ما يعزز هذه الاتجاه وسبق أن دعا لها ملوك هذه البلاد الراحلين إلى عهد الملك سلمان بالتركيز على القواسم المشتركة التي تجمع بدلاً من التشبث بالاختلافات التي تُفرق. بلادنا اليوم تحث الجميع الخطى بتوجيه الملك وتفاعل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للمساهمة في تشكيل قسمات هذا العالم، كون التواصل مع الآخر بات ضرورة وليس ترفاً. ويتزامن ذلك الدخول إلى مشروع حضاري ينقل البلاد إلى موقع يليق بمقوماتها ومكانتها. فالهدف هو تحول فعلي لإصلاح جذري؛ أي إنتاج وعي ثقافي وتنموي في المنظومة الاجتماعية بما يحقق التطلعات.

ظهر الأمير خالد بن سلمان قبل أيام متحدثاً في قناة أميركية واضعاً النقاط على الحروف. كان لافتاً ومقنعاً وواثقاً حينما أجاب عن محاور الأسئلة التي دارت حول الشأن السعودي الداخلي. ظهوره الإعلامي الأول كان رائعاً ومباشراً وقوياً، وأجاب عليها الأمير بكل صراحة وشفافية، ولم يتأفف أو يتجنب جرأة الأسئلة، بل ارتهن إلى حيز المسؤولية في الاعتراف بالتحديات، ثم ما لبث أن أبدى قدرة لافتة في استيعابه لمجمل الأحداث بألمعيته وبديهيته في التعاطي مع الأسئلة. حواره المنفتح أسقط بذكاء طروحات اليمين المتطرف. وتحدث عن ملفات معينة ولم يكن مدافعاً مبرراً بل ناقلاً الصورة كما هي وليست كما يحب أن يكون.

هنا تتضح رؤية الملك سلمان بن عبدالعزيز عندما استشعر ضرورة انخراط الجيل الشاب من الأسرة الحاكمة في تولي مناصب عليا في الدولة ما يعني رسالة اطمئنان وتأكيد لرسوخ مؤسسة الحكم. الشباب هم المستقبل وهم الأقرب لفهم لغة العصر ومواكبة التحولات المتسارعة وفهم تطلعات الشعب الذي يتجاوز نسبة الشباب فيه نحو 70 %.

بلادنا جزء من هذا العالم وبالتالي لا تستطيع الانفصام عنه وبالتالي نحن بحاجة لأصوات اعتدال تمد الجسور مع الآخر. صوت الأمير خالد كان قريباً من العقلية الغربية وناضجاً لحد الإقناع. حديث الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز لقناة CNN يستدعي منا الوقوف عندها.

قال: في الوقت الحالي لدينا استراتيجية على المدى الطويل، لقد أجرينا تغييرات مذهلة، نحن نعيش حقبة تحولات في المملكة ونريد إصلاح اقتصادنا، وتحديث مجتمعنا، نريد تمكين شبابنا وبمن فيهم النساء». وأضاف: «فيما يخص مشكلة النساء الحالية في المملكة، لدينا نسبة أكبر من النساء في مجلس الشورى لما يعادل نسبة النساء في الكونغرس، وكما قال ولي العهد في مقابلته بالأمس: «قمنا بالعديد من التغييرات ولكن ما زال أمامنا طريق طويل».

الأمير خالد بن سلمان وصف ما تقوم به إيران بـ»الدمار الشامل»، مشيراً إلى أنها تسعى لـ»خلق حزب الله آخر» في اليمن. وقال إن «إيران لا تريد زعزعة استقرار المملكة فقط، بل المنطقة برمتها»، مؤكداً أن «المشكلة مع طهران في سلوكها ورغبتها في التوسع»، ويجب إيقافها بمساعدة المجتمع الدولي. وحول اليمن، قال الأمير إن «جماعة المسلحين الحوثيين في اليمن تتلقى دعماً وتمويلاً من إيران الراعي الأكبر للإرهاب»، مشيراً إلى أن المملكة هي أكبر الدول الداعمة لليمن، من خلال المساعدات الإنسانية التي تقدمها له.

نقاط مهمة ذكرها الأمير خالد وأوصل الرسالة بوضوح للمتلقي، وهنا علينا أن نعترف أننا كمؤسسات نخبوية ووفود رسمية وقطاعات حكومية وثقافية ما زلنا نفتقد الكثير من الأدوات حينما نتعامل مع الآخرين أو نتحاور مع من لديهم وجهات نظر مختلفة تجاه بلادنا. يتضح ذلك في لقاءاتنا وزياراتنا وحواراتنا إلا من رحم ربي. لكن هناك كفاءات قليلة ومنهم الأمير خالد بن سلمان ممن تبين توفر لديها تلك القدرة والتأهيل وهي بلا شك لم تأتِ عبثاً بل من خلال تدريب مستمر وممارسة طويلة وجهد كبير. الكثيرون أبدوا إعجابهم بشخصية المسؤول السعودي الشاب واصفين إياه بأنه شخصية معتبرة وخطابه مقنع.

حديث الأمير خالد بن سلمان أهميته في إعطاء الصورة الحقيقية عن المملكة ما يساهم في تغيير الصورة النمطية عنا. ليس المقصود هنا الدفاع الانفعالي عن قضايانا ومحاولة إيجاد التبريرات وإنما الانطلاق لحوار راقٍ ينقل الواقع الحقيقي بأسبابه الموضوعية مرتهنين لنسبية الأشياء وصيرورة التحول وحركة التاريخ.

بقلم: د. زهير الحارثي - الرياض