ما التوظيف المرن؟

في كل مرة أتعرض لأمور اقتصادية أكرر أن خبرتي في الاقتصاد لا تتعدى خبرة رجل عادي. ولكني مثل التاجر يستطيع أن يكسب رغم عدم إلمامه حتى بالقراءة والكتابة. ثمة أمور يرطن علينا فيها أصحاب الاختصاص في أي مجال ويحدث لنا في النهاية مثلما حدث لنا في سوق الأسهم قبل عشر سنوات عندما أصغينا للمحللين السعوديين (الاستراتيجيين). خدعونا بالمصطلحات التي كانوا يحفظونها وأفلسوا بنا.

تستوجب هذه المقدمة كلمة المرن. هذه الكلمة تعطي انطباعاً إيجابياً. تحس بالرقة والنعومة فنحن نقول فلان عنده مرونة والقانون ولله الحمد مرن وهكذا، لكن ما أراه في ربط كلمة توظيف بكلمة مرن أن هناك شيئاً يستوجب القلق.

حسب ما أفهم فالتوظيف المرن هو في الحقيقة مرن بالنسبة لصاحب المصلحة أو المنشأة. لا للموظف. هذا القانون إذا جاء كما فهمته يقود باستقامة إلى سيطرة رجال الأعمال والتجار على العاملين والموظفين حتى تصبح قيمة الموظف أقل من قيمة أبسط جهاز يعمل في المنشأة.

في حي الملك فهد ساحة كبيرة يتجمع فيها عشرات العمال سباكين وكهربائيين وحرفيين. عمالة كما تريد. ينتظرون رزق يومهم. أحياناً يأتي وأحياناً لا يأتي. يتقافزون ويتزاحمون على السيارات التي تقف لعل يكون لهم فيها نصيب. هذا اسمه التوظيف المرن. لا عقود ولا التزام ولا ضمان صحي ولا مستقبل. تشتغل أسبوعاً عشرة أيام شهراً شهرين ولكن عليك أن تتذكر أن عشرات ينتظرون وظيفتك وعليك أن تتذكر أيضاً أن سيدك يستطيع أن يفصلك من العمل متى شاء. الشيء الوحيد الذي يتظاهر بالإيجابية أن أجر الساعة محدد بحد أدنى. لكن مهما كانت مواهبك أو شهاداتك لن تحصل على أكثر من هذا الحد الأدنى.

ظاهر هذا القانون خدمة الطلبة والشباب أو المتقاعدين الذين لا يعقدون آمالاً كباراً على وظيفة كهذه. يلتحقون بهذه الوظيفة إما من أجل تأمين قسط الجامعة أو للحصول على كاش يسد حاجاتهم الترفيهية أو التسلية بالاحتكاك بالناس بالنسبة للمتقاعد.

إذا أقر هذا القانون سوف تحتفل كل الشركات الكبرى وخاصة شركات بيع التجزئة. سوف تكسب هذه الشركات من هذا القانون ملايين الريالات. باستثناء المديرين والملاك سوف يصبح جميع موظفي المؤسسة على قانون التوظيف المرن. لا حقوق ولا تأمين ولا تقاعد ولا نهاية خدمة ولا يستطيع الموظف أن يرفع رأسه. سيأتي اليوم الذي تدخل فيه سوبرماركت ضخماً وواحداً من سلسلة كبيرة. يتقدم منك ابن جارك وبعد تبادل حوار بسيط ستعرف أن هذا الشاب تنقل في الأشهر الأربعة الماضية من بائع تجزئة إلى صبي مطعم وقبل أن يأتي هنا كان يعمل مسجل مرضى في مستوصف.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض