مفاهيم أم كلمات؟

استعذب كتابنا كلمة الشعبوية مؤخراً واستوردوها من أميركا رغم أن مفهوم الشعبوي موجود ومتجذر وأصيل في ثقافتنا الإعلامية والدعوية. صادف أن تسارع دورانها في الإعلام الأميركي أثناء سباق الرئاسة الأميركية الأخير فقرعت أسماعنا بشدة. تعبير يصف شكلاً من أشكال الاتصال بالجماهير وإقناعهم مجاناً أو بتسويق الأماني المستحيلة لمصلحة ما.

عشنا إعلامياً مدة طويلة لا نطالب الأجهزة الحكومية بالإفصاح عن المعلومات. كانت المعلومات الحكومية اما سرية أو سرية للغاية أو غير موجودة أصلاً. قبل حوالي عشرين سنة أمدنا الغرب بمصطلح (الشفافية) على إثره استيقظنا على أهمية المعلومات لبناء الرأي السديد. عشرات المصطلحات والتعابير استعرناها من الثقافة الغربية كالحداثة والإيديولوجيا والليبرالية والكوادر إلخ. غيرت هذه البضائع الثقافية المستوردة حياتنا الاجتماعية والفكرية.

هل نستورد من الغرب مصطلحات عجزنا عن سكها رغم أن مفاهيمها متوفرة في ثقافتنا أم نستورد مفاهيم غير موجودة فيأتي معها المصطلح المناسب؟

تأمل كلمة فساد وتطورها في ثقافتنا. متى تجازوت دلالاتها المعنى المضاد للفضيلة والطهر المتعلقة بالسلوكيات، لتصل لدلالة أوسع وأخطر وتصف الاعتداء على المال العام.

في حياتنا الثقافية والإعلامية على وجه الخصوص نستخدم كثيراً كلمات إنجليزية مترجمة إلى العربية. بعضها نحتنا له كلمة عربية كقولنا (شعبوية) من شعب. وبعضها تبنيناه بنطقه الأعجمي كقولنا إيديولوجيا. ما الفائدة أو الضرر من هذه المصطلحات المستوردة؟

مفهوم الشعبوية أو ممارستها لا تحتاج إلى علم أو ثقافة. شيء متجذر في الإنسان وفي كل الحضارات. عندما أقف على منبر وأدعو إلى تحرير القدس السليبة الآن وفوراً من براثن المغتصب الصهيوني. أو عندما أكتب مقالاً لنصرة المرأة، أطالب حكومتنا الرشيدة بصرف عشرة آلاف ريال لكل ربة بيت. أو عندما افتح «هاشتاق» في تويتر أطالب المسلمين بمقاطعة البضائع الأميركية. هذا ما تكشفه كلمة الشعبوية.

الشعبويون عادة نجوم المجتمع وفرسانه ومحبوبوه. مطالبهم رائعة ويتمنى الجميع تحقيقها. المصطلح لا ينفي روعة هذه المطالب ولكنه يوقظنا على الزيف والانتهازية المنطوية في هذه المطالب.

لكي ندرك فائدة استعارة المصطلحات لنسأل هل كنا قادرين على نقد بعض الدعاة لو لم يمدنا الغرب بمصطلح (إيديولوجيا)؟

مثلما أيقظنا مصطلح شعبوي على الزيف الكامن في الخطاب الشعبوي أسهم مصطلح إيديولوجيا في تحريرنا من الخوف من الصدام مع المجتمع بعد أن أضاء المسافة بين الدين الحنيف وبين استخدامات الدين للمصالح السياسية أو أي أغراض دنيوية أخرى. أصبح المتدين شيئاً والمؤدلج شيئاً آخر.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض