لمن يسألني.. أقـول..

في مناسبات عديدة، يطرح علي سؤال: «لماذا لا يوجد لك مؤلف بالمكتبة على غزارة ما كتبت في الشأن السياسي والاجتماعي وغيرهما، ولماذا لا تختار من كلمة الرياض نماذج لاتزال حية وتضعها في كتاب»؟..

أقدر حسن نوايا الأخوة السائلين، فأنا جبان أمام أي إصدار يخصني حتى في أمور عامة لأنني أخشى مطاردة «المرّي» لأي حرف يعده أثراً يلاحقني عليه بحسناته وسيئاته، وقد يكون ذلك وهماً لأن أي منشور تم توثيقه ورصده، وبذلك انتفت قضية إخفائه، وهذا صحيح في عصر التدوين المباشر في مختلف الوسائل، وحرية النشر حتى بعدم موافقة المؤلف، وأنا هنا لا أتبرأ أو انسلخ عما كتبت، ولكنه موقف شخصي ربما ينبع من طبيعتي الخاصة..

ما يتعلق «بكلمة الرياض» أو (الافتتاحية) التي درجت على كتابتها ما يزيد على ربع قرن، فبنظري أن نشرها لا يحتمل التجزئة والاختصار فهي سجل يومي للحدث، أياً كان سياسياً أو اجتماعياً، فهي تتصل بتناقضات السياسة وعدم ثوابتها، فصديق اليوم، عدو الغد، وخاصة في الحالة العربية المضطربة لمدى نصف قرن، كذلك ما يخص روابطنا العربية الخارجية، فتقلباتنا معهم تشبه حالة طقسنا الحار والبارد والرطب، أي من السهولة الانتقال من الغرب إلى الشرق والعكس، وتسمية الأشياء بغير مسمياتها، فاليساري ديموقراطي وكذلك من يعوم في فضائه، والرجعي غربي، ومن يركض خلفه، هذا عدا الممارسات الصبيانية لإدارة الدول، وإصدار أوامر تشكيل الأحزاب والهيئات وإثارة النعرات والحروب، والتقويم الغوغائي للصديق والعدو، من أفق بعيد عن التحليل المنطقي والموضوعي الذي يخدم أهدافنا..

قضية «كلمة الرياض» تنفصل تماماً عن كل ما كتبت بصفحة كاملة تحت عنوان «آفاق» أو غيرها في حروف وأفكار، وزاوية «غرابيل» لأنها، كما قلت لابد أن تظهر بتسلسلها التاريخي كما هي، والأمانة تقتضي نشرها بحالها وبالكثير من تناقضاتها، لأنها صورة عنا كتبتها بأمانة المحايد عن أي هوى، رغم من اعتقد من بعض السفراء بأنني أكتبها من مصدر رسمي كبير وأنها تترجم لهذه الأسباب لأهميتها ودور جريدة «الرياض» كناطق رسمي، وهي أفكار غير حقيقية بتاتاً، ولا أستثنى من ادعى كتابتها حين كانت بلا توقيع، أو التهديدات التي تصلني بالهاتف، أو الخطابات من مصادر خارجية، بالتصفية، أو خطف أحد أبنائي، وهي من الأمور التي تحدث لأي كاتب يتماس مع القضايا الحساسة وخاصة السياسية منها وبزمن عربي شهد أسوأ مراحله..

لعل هذه السطور تجيب عن الأسباب التي دعتني عدم الرغبة بالتأليف، ومع ذلك أشعر بأنني مقصر، وكسول، وهو ليس تواضعاً مني بأن لا يكون لي مساهمة متواضعة، ولكنها الأسئلة التي تحاصرني بين الإقدام والتقهقر أمام مثل هذه المغامرة..

بقلم: يوسف الكويليت - الرياض