المملكة.. من الوحدة.. إلى الدولة العصرية

وسط تخلف وشتات، واستعمار تركي وغربي، استطاع المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز بناء كيان وحدوي، سابق لتواريخ المنطقة، ولعلنا نتذكر اجتماعه مع الرئيس الأميركي «روزفلت» على ظهر الطراد «كوينسي» كيف رأى القوى القادمة بقوة، أميركا والاتحاد السوفيتي، والدول الآفلة «بريطانيا وفرنسا» وكان ينطلق من مستقبل عالم يعاد تشكيله وهي نظرة استباقية لرجل عبقري، وأيضاً كيف حضر مؤسس الإخوان المسلمين «حسن البنا» ليعرض على الملك فتح فرع لحزبه، ليرد عليه «بأننا كلنا إخوان مسلمون» مبعداً بلده عن أي تحزب بخدعة الدين وغيره..

الغاية من السطور السابقة تفسير الحالة الراهنة التي يقودها خادم الحرمين الملك سلمان وولي عهده الشاب محمد، ولماذا شكل حضورهما وسط دمار عربي، وحروب مذهبية، وتسلط دولي، وخريف فجر الأحقاد المطمورة وصار تحقيق الأمن معجزة، لأن المملكة ليست محوراً في تصعيد الحرب الباردة مع العالم باسم الدين وغيره، ثم إنها عرفت فصلاً آخر سابقاً حين شنت حكومات ووسائل إعلام حرباً مقننة، وبالتالي ليس منطقياً إعادة تدوير الأزمات، لتلتفت لذاتها بمشروع هائل ومتقدم، بدايته لجم التشدد الديني الذي غايته تفجير ما بقي من دول المنطقة وكذلك القضاء على الفساد الإداري والمالي، والانفتاح على المجتمع بكسر القيود التي فسرت أي تقدم في التعليم، والصناعة، والتنمية البشرية، أنه معارض لمسلمات الدين لنرى لكل شيء تفسيرا مخالفا لرؤى المستقبل لنوضع داخل حبوس من صناعة بشرية لا حقائق دينية..

هذه القفزات لم تكن دعائية يجيش لها الإعلام من أجل الاستهلاك الداخلي بل رؤية محددة بزمن معين تراعي تعديل القوانين وانسجامها مع الشريك العالمي وبأن تكون متقدمة وشفافة، وهذا ما وضع المملكة كحدث في المجاميع الدولية، وبأنها جادة بجعل الثروة النفطية ليست مقياس صعودها ونزولها طالما توجد ثروات طبيعية وطاقات بشرية لديها الاستعداد القيام بهذه الأدوار في مجتمع شاب يملك حوافز الأداء المتقدم، والانفتاح على العالم بدون عوامل نقص، أو تهيب من تحولات متسارعة تقود العالم لعصور جديدة وثرية بإنجازاتها..

صحيح أن العالم تحكمه المصالح، لا العواطف، ومن هذه المسلمات اتسعت علاقات المملكة مع كل الدول، دون عودة لتواريخها كدول وتنظيمات تتصارع مع بعضها أو تتضاد مع منطلقاتنا، طالما الخيارات مفتوحة، فالعالم أقل توتراً مثلما ساد أثناء الحرب الباردة، واستقطاباتها، وعلى هذا الأساس نسعى أن يكون صراعنا مع التقدم فقط، لا الانفصال عن العصر ومن هذه الأسباب جاءت المبايعة الشاملة من المواطنين لرؤية (2030) لأنها الفصل الجديد في تطلعات أجيالنا، وهنا جاء الربط بين من أسس الدولة، ومن يسير بها إلى الاتجاه المتقدم، كخطوة لصناعة نموذج عربي وإسلامي يحتذى به في كل الأزمنة، بسلام مع الذات، ومصالحة مع المجتمع.

بقلم: يوسف الكويليت - الرياض