درب الحرير.. أم طريق السلام؟!

"التاريخ لا يعود" كلمة لا تقبل الإطلاق، فاليهود بعثوا لغتهم من رقاد طويل، وقد تغيرت البحوث في المسلمات إلى إحياء بعض النباتات والحيوانات المنقرضة، وهذا يبعث بنا الأمل مع الحلم الصيني إحياء طريق الحرير والبخور الذي غير معالم التجارة العالمية، ونقل الثقافات والعلوم والبارود الذي كان أخطر الاكتشافات في الحروب، وقد كان هذا الطريق مطمع الحضارات القديمة من فارسية وبيزنطية وحبشية ورومانية وغيرها، برفض احتكار العرب هذه التجارة ما قبل الميلاد وإلى العصور الإسلامية المتأخرة..

الطريق الآخر يمر بآسيا الوسطى إلى تخوم أوروبا، وهذان القوسان سيجعلان الربط التجاري بين القارات ينتقل من الحلم إلى الواقع، ومع أن تحفظات أوروبا تعيدنا إلى سيرة الهيمنة والاحتكار إلا أن قدوم الصين بزخمها الاقتصادي والتقني ورغبة معظم الدول التي سيخترقها الطريقان، ستوازن بين المنافع البعيدة، أما إشاعات أن الصين ستعود دولة عظمى تهيمن على الممرات واقتصادات المستقبل، قول يحتمل الصدق إذا كانت الأطماع ستعلو على المنافع الكبرى وقيمة السلام العالمي، لدولة لم تعرف تصدير الحروب، بل كانت مطمعاً من قبل جميع الغزاة..

مكاسبنا العربية من هذا الشريان الذي سيربط آسيا بالقارتين الأوروبية والأفريقية، كبيرة، حيث سنكون قنطرة العالم للممرات الحيوية، وتصوروا أن يكون البحر الأحمر الموقع الإستراتيجي العالمي، وقناة السويس النقطة الجوهرية، وإذا ما أضيف لهما الجسر الرابط للمملكة مع مصر والذي سيكون بمستوى القناة، إذا ما امتدت الطرق البرية والقطارات والمناطق «اللوجستية» وما سينشأ عنها من مدن صناعية وحركة انسيابية بين القارات، فإننا أمام عالم يتجدد، أي أن أطلس هذا الكوكب، سيتحول إلى وحدات كونية لا تحالفات قوى سياسية وعسكرية، وبصرف النظر عن أن الحروب في مبدئها مطامع اقتصادية، فالعالم لا يحتمل المزيد منها أمام تنامي تقنيات التواصل التي أوصلت المواطن العالمي، إلى حقائق الحياة، وأن كوكبنا تزيد روابطه تجاه المصير الخطر لتخريبه بالتلوث ومقتنيات الأسلحة المدمرة..

هذا المنطق يعززه وعي عالمي، فكما أن التغير المناخي يهدد جميع الشعوب، فالسلام وتنظيف كوكبنا أمر تفرضه حوائج الحاضر والمستقبل..

نرجع إلى موضوع طريقي الحرير، هل دعوة الصين إلى إحياء هذا المشروع استعمار اقتصادي قادم، وهل ستكون المهيمن الوحيد على ثروات العالم، أمام أقطاب آخرين أم سيفرض التعايش قوة ضغطه على الجميع، أو أننا أمام مرحلة إنسانية جديدة، سيغلب فيها قانون العقل على المغامرات غير المسؤولة؟!

السلام حتمية يقررها الخيار بين البقاء والعدم، نزعة الشر أو الخير، وأمام هذه الطرق يوجد درب واحد للتعايش والبقاء وهو السلام العالمي.

بقلم: يوسف الكويليت - الرياض