لماذا يتعطل العقل

ادعى داعية في مقابلة تلفزيونية أن امرأة تتحدث سبع لغات. يسوق هذا الكلام للتدليل على تلبس الجن أرواح البشر. لا يوجد ما يثير في هذه القصة، سمعنا مثلها قصصا كثيرة وأتوقع أن نسمع في المستقبل. مازال الطريق طويلا لإنهاء هذه الثقافة.

دار الحوار بين المذيع وبين الداعية وكأنهما يخوضان في نقاش عادي يتكرر كل يوم. جلس رجال ونساء أمام دعاة يقصون عليهم ما هو أشد غرابة من امرأة تتحدث سبع لغات، ومع ذلك لا أحد من المستمعين أو الحضور انبرى وطرح أسئلة بسيطة وأولية. إذا كنت انسانا سويا في ظروف سوية سوف يداهمك الفضول وحب المعرفة وربما المصلحة. ستبادر إلى طرح سؤال أو سؤالين لا يمكن تفاديهما. أين هذه المرأة وما اسمها ولماذا لم يصل إلى هذه المرأة سواك أيها الداعية الفاضل.

لماذا لم يغص المذيع بوصفه إعلامي في هذه القضية التي ستحقق له مجدا عظيما. الحوار مع المرأة المعجزة أهم مليون مرة من الحوار مع ناقل الخبر. قصة مثل هذه تستدعي وكالات الأنباء وعلماء اللغويات وعلماء النفس وعلماء الأعصاب. ربما تضطر الجامعات ومراكز البحوث أن تعيد النظر في كثير من النظريات العلمية السائدة.

الشيء الغريب أن صمت المذيع ليس غريبا. لماذا يصمت الجمهور عندما يكونون في حضرة داعية او خطيب؟ يتركونه يقول لهم كلاما يجافي أبسط محاكمات العقل دون أدنى مساءلة؟ يتحولون إلى أطفال تدهشهم العوالم الخفية والمجهولة. إذا دققنا في الأمر سنجد ان القضية ليست في المحتوى مهما كان ابتعاده عن الواقع. العقل في ثقافتنا المحلية يتعامل مع القصص حسب قائلها؟ ثمة مصدرين للمعرفة في حياتنا. أحدهما قابل للنقاش يسمح للعقل التعامل معه والآخر أحادي الاتجاه عليك أن تنصت وتمضي. حتى لو ساورك الشك عليك أن تلزم الصمت. ستلاحظ في المجالس الخاصة أن الناس يصمتون حتى يغادر الشيخ. لا يجوز إحراجه. إذا التحمت معه بأن شككت في قصته الإعجازية فانت الخاسر. لن يناقشك الشيخ في موضوع القصة ولن تجبره على إحضار الاثباتات. سينقض النقاش على إيمانك. ستصبح سمعتك مهددة وقد يطالك عقاب. خلق الخوف فئة كبيرة من الناس تقف في منتصف المسافة بين مصدق ومكذب. أما بالنسبة للمذيع فلا يجوز له أن يضع هذه القصص امام أي اختبار يخل بقيمة الشيخ امام المشاهدين. الشيخ وقصصه هما بضاعة القناة.

بقلم: عبدالله بن بخيت - الرياض