ومضى عام 2015.. هل القادم أسوأ؟

دخل العام الجديد 2016 والعالم العربي يمر بحالة حالكة ربما اشد سوادا من اي وقت مضى، ولم يستطع تخطيها بعد. رحل العام الفائت والمشهد ظل كما هو قائما وقاتما حيث لا يخلو من فوضى وحروب وازمات وصراعات ونزاعات ذات امتدادات إقليمية ودولية وما عدنا قادرين على التكهن بما سيحدث فالتنبؤ بات يستعصي على الجميع دون استثناء. والمعروف ان ازمات مشكلات الشرق الأوسط والعالم باتت متداخلة بحيث انه لم يعد بالإمكان الفصل ما بينها أو التعاطي معها بطريقة منفردة، أضف الى ذلك ان النظام العربي حقيقة يواجه مخاطر وتحديات تهددان وجوده في أسوأ الأحوال.

ولذا المتابع للوضع الإقليمي يلحظ بأنه يتسم بدرجة كبيرة من السيولة السياسية وتسارع المتغيرات لا سيما بعد التصعيد الإيراني وقطع السعودية العلاقات مع نظام ولاية الفقيه وبالتالي ثمة ضرورة لمواجهة تلك التداعيات خاصة فيما يتعلق بملفي الأمن القومي العربي والإرهاب.

غير ان المقام هنا للوقوف على الخلل، وفي خضم كل هذا الاحتدام لا سيما ونحن لا نعلم ما هو المسوغ لكل هذا العنف وكلها مشاهد رعب ونفور وتعاسة تفضح واقع العرب المخزي.

أفعال الكراهية والقتل والصراع وتفجير الطائفية واثارة الفتنة مشروعات ممنهجة استهدفت مجتمعاتنا وجاءت في سياق هز الامن والاستقرار. اساليب مورست وبامتياز في عامنا الراحل من دول وجماعات راديكالية لها اجندة وكأني بها ارهاصات لصراعات ونزاعات أكبر قادمة في العام الجديد.

أصبح عصيا على المتابع فهم المسوغ لأفعال العنف والتي تهدف الى تشويه مبادئ الشريعة السمحة، والقيم والاخلاق بل والتي تقف وبلا مواربة ضد إنسانية الانسان وضد قيمة الحياة.

المثير للغرابة ان توصيف تلك الأفعال لدى منتجيها هو في ان تعيش كما تريد وتحرم الاخرين من العيش وهذا سلوك دموي اناني بشع لا يقوم به الا مرضى سيكوباتيون ومنهم بعض العرب.

وفي ظل هذه المعاناة يكتوي الإنسان العربي بنار هذا المسلسل البشع مما سطرته داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة في العام الذي غادرنا من تبريرات وممارسات في صراعها مع الغرب وذلك بتشويه الإسلام فضلا عن استخدام شباب المسلمين كمشروعات تفخيخية لأهدافهم.

ولكي نمضي الى المزيد من الشفافية نعترف بأن الانجراف مع تيار الأيديولوجيا كما نعيش الآن وصراعات الطائفية والقتل على الهوية والصراع المذهبي وكراهية الاخر عناوين بارزة لأحداث شهدها العام الفائت وهي من أبرز ظواهر التخلف التي تنزع لنمط لا يتناغم مع لغة العالم المتحضر.

وفي هذا السياق ايضا ومن يتأمل تفاعلات الخارطة السياسية الآنية للعالم العربي يشعر بان مسلسل الانفصال والتقسيم والتفتيت قد بدأ فعلا، وحمم التشظي وصلت حقيقة الى تضاريس سورية والعراق واليمن وليبيا.

هذا يؤكد حقيقة المأزق الذي تواجهه تلك الدول بسبب فشلها في النهوض بواجباتها بدءا بالمواطنة والتنمية الإنسانية العادلة والمتوازنة بين الجميع، وترسيخ ممارسة ديمقراطية حقيقية تنهض على إطلاق الحريات والتعددية وحماية حقوق الأنسان وبالتالي لم تتمكن من إرساء المقومات الأساسية لوحدة دولة جاذبة ومنتجة. في حين يرى آخرون أن الدولة التي نشأت ما بعد الاستقلال ما هي سوى هجين دولة ذات عملية قسرية وبالتالي من المتصور أن تكون عرضة للتفكك والانهيار. ولذلك عندما تدخل هذه الدولة او تلك في حيز بؤرة توتر وصدام، فتأكد بما لا يدع مجالا للشك بان الأمور ستندفع باتجاه التأزيم وانسداد في الأفق السياسي وهذا يعني الاقتراب من مسلسل التقسيم والانفصال كما حدث ويحدث في سورية والعراق واليمن وليبيا.

تورط تلك الدول في مشروعات التقسيم، ومن زاوية موضوعية، يكشف وبامتياز عن غياب مقومات الاندماج الاجتماعي، وعدم بناء دولة تنموية يسودها الدستور والقانون والمواطنة، ناهيك عن وجود اوبئة مذهبية وطائفية وعرقية وعشائرية في نسيج المجتمع.

ومن يتباكون على مسلسل الانفصال لم يسألوا أنفسهم من هيأ الظروف وولد الأسباب الموضوعية لمسلسل التفكيك والتجزئة، مع ان المشهد يعبر بامتياز عن هشاشة النظام السياسي العربي وإن كانت لغة التخوين ستكون حاضرة، انما الحل يكمن في بناء دولة مؤسسات تلغي كل الفوارق وتحفظ قيمة الانسان.

ولكن يا ترى هل ستتجه الأمور الى ما هو اسوأ؟

الحقيقة انه طالما لم تعالج تلك العوارض والدُمل فإنها ستفرز قيح ازماتها لأن جذر المشكلة يتمثل في ضعف المشروع التنموي، وعدم تأسيس دولة المواطنة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تبقى مواجهة التطرف والجماعات الراديكالية ضرورة قصوى لحماية العالم من الانزلاق في مواجهة كونية غير مسبوقة. ناهيك عن تحديات اخرى لا تقل خطورة من حيث تداعياتها تكمن في المشروع التوسعي الايراني وانخفاض اسعار النفط والمماحكات الروسية مع الغرب واللاجئين والهجرة غير الشرعية والمواجهات على الانترنت او ما يسمى بالمواجهة السايبرية التي وصفتها صحيفة الغارديان البريطانية بأنها ستكون ساحة قتالية جديدة للدول والكيانات المستقلة فقد تحول العالم كما تقول إلى "مقهى دولي".

صفوة القول: المتأمل لإرهاصات العام الفائت يشعر ان حجم التهديدات سيزيد في العام الجديد ونقطة الغليان قادمة ولا يُستبعد تشكل صور انشطارية لدول قائمة ما يعني زيادة فوضى ومخاطر جديدة وبالتالي تدهور الاوضاع للاسوأ ان أردنا الحقيقة.

بقلم: د. زهير الحارثي - الرياض