خبراء الحروب الأهلية !

تتوفر لدى العرب اليوم خبرة هائلة في الحروب الأهلية قد لا تتوفر لأمة غيرهم، حيث أصبح بإمكان الدول العربية - أو بالأصح أصبح لدى الأطراف المتنازعة داخل ما كان يسمى بالدول العربية - تقديم المشورة في كيفية إذكاء نار الفتنة في 3 دقائق وتحويل الاختلافات الطبيعية بين البشر إلى سبب مهم لسفك الدماء في الطرقات، أساتذة متخصصون في نشر الكراهية في كل جزيئات الهواء ومدربون محترفون في فنون نشر الشائعات والتحريض على الآخر ومعلمون مجربون في إلغاء قيمة الوطن في القلب والعقل.

كيف تكون مليشيا مارقة في 5 أيام؟، كيف تهيئ الأسباب لنشوء المليشيا المنافسة كي تجد المليشيا الأولى ما تعيش عليه؟، هذا هو العلم الذي يمكن أن يقدمه العرب للعالم اليوم، هذه حصتنا في عصر العولمة، حين حضر العالم من شرقه إلى غربه لرسم صورة القرية الكونية التي حلم بها طويلا كانت مساحتنا في اللوحة تلك التي تتعلق بالإرهاب والحروب الأهلية.

أغلب أمم الأرض أنهت حروبها الأهلية منذ زمن بعيد وتفرغت لمشروعها الحضاري إلا نحن الذين دخلناها متأخرين فتجاوزنا كل من كان قبلنا في الذبح والسلخ والتدمير وأصبحت حروبنا بلا نهاية بعد أن دخل الإرهاب على الخط واختلطت جثة الحابل بجثة النابل.

وهكذا مثلما تتوفر في دول العالم مهن مثل: أطباء، مهندسون، ضباط، سوف يتوفر لدينا مهن مثل: انتحاريون، غاسلو أدمغه، مهربون، مفخخو سيارات، فرق تهكير إلكتروني، أدلاء فرق إغاثة، مؤلفو إشاعات في الفيس بوك، مبدعو شتائم طائفية على تويتر، أساتذة في التكفير السريع واستشاريون في التخوين غير المشروط، متعهدو تشييع جنازات حاشدة، مخرجو فيديوهات نحر، صانعو أحزمة ناسفة، حفارو قبور جماعية!.

يا لها من بقعة بائسة منحوسة تلك التي تسمى بالعالم العربي تحولت رغما عنها أحيانا وبرغبة من أهلها في أحيان أخرى إلى مختبر الكراهية الأبرز في هذا الكوكب، هنا المكان الأبرز لاستثمار الأحقاد التاريخية، في هذه النقطة التي خرجت منها كل الديانات السماوية وكتبت فوق ألواحها أقدم القوانين في هذا الكون قرر العالم أن يفتتح سوق الحروب الأهلية وسط ترحيب كبير من أهل الدار.. وياله من مهرجان للتسوق!.

* نقلاً عن جريدة "عكاظ"