هل تستطيع العيش بدون وتساب؟

نعم أستطيع وأستمتع بدونه وبدون تويتر، ويمكنني متابعة المستجدات بشكل أفضل من خلال متابعة المصادر الأصلية للخبر. هذا جوابي للسؤال الذي تكرر كثيراً عليَّ.. لقد جربت وتساب أسبوعين ثم انزعجت.. وجربت فيسبوك أشهراً ثم طفشت.. أما تويتر فجربته ساعتين ثم وليت هارباً..

كان هذا أيضاً، جوابي في أحد اللقاءات مع الإعلامي عبد الله المديفر في برنامجه لقاء الجمعة. بعد هذا اللقاء كتب المديفر: «قبل يومين أجريت مقابلة تلفزيونية مع الدكتور عبد الرحمن الحبيب، وسألته عن الدور والأثر الذي يقوم به تويتر في السعودية، فأجابني بأنه ساهم كثيراً في زيادة الوعي الاجتماعي والسياسي والفكري، وكان يعتبره الإعلامي الأول بمعية يوتيوب. وعندما سألته عن سبب اختفائه عن تويتر أجابني بأنه جلس ساعتين فقط في تويتر، ثم هرب بعدما رأى كمية السب خلال120 دقيقة».

قام المديفر بعدها بجولة تويترية في كافة المواضيع فهاله كمية الردود السلبية وعلو مستوياتها سواء محلياً أو إقليمياً أو عالمياً.. موضحاً استطلاعاً لوكالة أسوشيتيد برس أُجري على مستوى الشتم واللعن بين الأمريكيين وصل إلى أنهما زادا لدى الأمريكيين بنسبة أكبر مما كانت عليه قبل 20 سنة.

لكن ما الذي يجذب السعوديين أكثر من غيرهم لهذه الوسائط؟ فحسب دراسات عام 2013م أظهرت أن السعوديين هم الأكثر استخداماً لتويتر ويوتيوب على مستوى العالم قياساً بعدد السكان.. وكان تقرير أصدره مركز جلوبل ويب إندكس للأبحاث كشف عن تصدر السعودية لقائمة أكثر الدول استخداماً لتويتر في العالم والأسرع نمواً في العالم، مشيراً إلى أن أحد عوامل نجاح السعودية في الوصول إلى هذه النسبة هو ارتفاع مستويات ثقافة الإنترنت في السعودية، فهي تحتل مركزاً متقدماً في معدل استخدام الإنترنت عبر الهواتف الذكية.

لماذا نحن السعوديين من أكثر شعوب الأرض استخداماً لتكنولوجيات التواصل الاجتماعي؟ الإجابات متعددة وسبق أن نوقشت وطرحتها في حينها ومعها الدراسات.. وخلاصة ما سبق طرحه من أسباب: درجة الحرية المتاحة في مواقع الإنترنت مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية؛ ضعف وسائل الترفيه والمتعة وقلة النشاطات الشبابية الترفيهية والرياضية؛ أحداث ما أُطلق عليه الربيع العربي... إلخ

لكن ماذا يرى الآخرون، فالسؤال امتد على النطاق العالمي؟ صحيفة الإكونومست تساءلت في تقرير لها: لماذا تحتل السعودية المرتبة الأولى في التصنيف العالمي للعالم الافتراضي؟ لماذا يُعتبر السعوديون من أكبر جماهير وسائل الإعلام الاجتماعية؟ الأسباب التي طرحتها الصحيفة هي: ارتفاع دخل الفرد السعودي، زيادة نسبة الشباب وتأثرهم بالعولمة، وزيادة نسبة الذين يدرسون في الخارج وإتقانهم للغة الإنجليزية.. وهناك أساب إضافية حسب الإكونومست: الافتقار لمصادر الترفيه كالسينما، منع الاختلاط، التنفيس ضد التشدد في المحافظة والرغبة بالحرية .. إيجابية الحرية التي يتيحها الإنترنت انعكست بسبب صدمتها المفاجئة إلى سلبية وأُسيء استخدامها أحياناً لدرجة وصلت لما سمّاه البعض «الاقتتال بالألفاظ» حسب مسح قامت به قناة الحرة التي أوضحت أنّ دراسة أجراها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني كشفت أنّ 53% من عينة الدراسة، ترى أنّ حرية الإعلام الإلكتروني بالسعودية «تعزِّز التعصب الفكري أكثر من الوسائل الإعلامية الأخرى».. لذا عبّر كثيرون عن امتعاضهم من سوء استخدام هذه الحرية، مما حدا ببعض الكتّاب والدعاة بالمطالبة بوضع قيود صارمة على الإنترنت، بل طالب بعضهم بإغلاق تويتر في السعودية!

يُقال: إن الفيسبوك لأناس يعرفون بعضهم، إنما تويتر لأناس يريدون أن يعرفوا بعضهم.. يُقال أيضاً: إن الفيسبوك مكان يتسع للأفكار الناضجة، بينما تويتر لأفكار سريعة غير ناضجة تلهث للحصول على أتباع.. يقول جوناثان زيتراين (أستاذ الإنترنت بجامعة هارفرد): «الصفات التي تجعل تويتر يبدو تافهاً وغير ناضج هي ما تجعله قوياً جداً.»

في دراسة فريدة من مركز بيو للأبحاث عن تشكُّل حشود الاستقطاب في تويتر، وجدت أنها تمثّلت كجماعات ليبرالية وأخرى محافظة في الغالب.. الناس بالكتل التي حددت بأنها ليبرالية تستخدم مواقع الأخبار الأساسية المعروفة، في حين من حددوا بأنهم محافظون يستخدمون وصلات على المواقع الإخبارية المحافظة ومصادر التعليق. تقول الدراسة: «حشود الاستقطاب على تويتر لا يتناقشون. إنهم يتجاهلون بعضهم البعض..»

ماذا يعني كل ذلك؟ نحن أمام ظاهرة عالمية توضح الطبيعة البشرية التي يكشفها تويتر على نحو قاسٍ عبر المحادثات السياسية وما لها من أثر أبعد مدى خارج تويتر: إنه الحشد الاستقطابي بين مجموعتين من الناس داخل كل حالة سياسية، هما غالباً منفصلتان رغم أنهما تتحدثان بنفس الموضوع ولكن بطرق فهم مختلفة ومصادر معلومات مختلفة، ورسائلهما توجه لذات المجموعة دون توجيهها للمجموعة الأخرى إلا عبر فئة محايدة خارجة عنهما أو فئة ضئيلة من معتدلي كل مجموعة، لكن لا يلتفت لاعتدالها إلا قلَّة من المشاركين.. فالحالة الراهنة استقطابية شرسة!

نعود لتويتر «السعودي» الذي يتصدر القائمة العربية بلا منازع (تقرير كلية دبي للإدارة الحكومية)، والذي صار من أكثر الساحات المليئة بالفقاعات والاحتقان والاستقطاب الحاد في القضايا الحساسة دينياً وسياسياً.. هنا، عليك إن رغبت المشاركة في اللعبة ألا تكون معتدلاً إذا أملت أن يُلتفت إليك، وألا تكون عميقاً فلا وقت للتفكير لمن يتلقى آلاف التغريدات كل لحظة.. وقد سبقك في اللعبة أسماء لامعة دينية وثقافية.. وكثير من هذه الأسماء ركَّزت جهدها الإنترنتي في تويتر بعبارات مختصرة فاقعة وجذابة تدغدغ المشاعر، جعلت تويتر أول منصَّة انطلاق صباحية لمتلقي الإنترنت في السعودية، وجعلت المراقب الإعلامي يلتفت إليه قبل أن يلتفت للمشهد السعودي الواقعي..

الظاهرة عالمية، فلقد أصبحت الثقافة السائدة إعلامية بالدرجة الأولى كما يقول المفكر الفرنسي إيمانويل لوميو، حتى قيل إن الإعلام هو السلطات الأربع، وليس فقط السلطة الرابعة. هذا الإعلام صار خاضعاً للإعلان التجاري، لتغدو بعدها الثقافة كلها خاضعة له، وذلك يتطلب الإثارة ولفت الانتباه وفقاً لقاعدة جديدة: قبل مجيء الإنترنت، كان الواقعي هو من يُصادق على الإعلام، الآن صار الإعلام هو الذي يُصادق على الواقعي.

إذا كان السعوديون هم أكثر الشعوب تعاملاً مع هذه الوسائط التكنولوجية... فهل يعني ذلك أن مشكلة الإدمان عليها هي أيضاً الأعلى في السعودية، وما العلاج؟ ولذلك مقال آخر.

نقلاً عن صحيفة "الجزيرة"