شرائح الهواتف المجهولة!

ذهبت إلى أحد محلات سوق الاتصالات بالرياض لشراء شريحة هاتف للعاملة المنزلية، وعندما قدّم لي الشريحة أظهرت له بطاقة أحوالي فقال: (ما يحتاج) قلت: أليس هناك قرار صدر من هيئة الاتصالات قبل سنوات يُلزم الناس بشراء الشرائح مسبقة الدفع ببطاقاتهم الشخصية، كما أن شحن الشريحة لا يتم إلا بموجب بطاقة أحوال أو إقامة الشخص المشتري. فرد علي: تجدي رقم الإقامة التي تشحني بها الشريحة على ظهر البطاقة!

حقيقة، فوجئت بمثل هذا أن يحدث، وتوقّعت أن ما حدث هو في هذا المحل، ثم ذهبت إلى عدة محلات ووجدتهم يبيعون الشرائح بنفس النظام..! وقتها دار في ذهني سؤال: هل يُعقل أن تقوم هيئة الاتصالات بإصدار قرار كهذا وتكون عاجزة عن متابعة تطبيقه؟

أتصور أن مثل هذا الأمر هو في غاية الخطورة، خصوصًا إذا ما نظرنا إلى وجود أخطار أمنية ومجتمعية جراء بيع مثل هذه الشرائح، والسؤال الأهم من هو العامل الذي تم وضع رقم إقامته على الشريحة، وهل يعلم بهذا وهل هو موافق، وهل سيكون هو المسؤول إذا ما تم استغلال رقم إقامته في سلوكيات خارجة عن الأطر الأمنية، أو عن الأخلاقيات الاجتماعية؟ كثيرة هي الأسئلة التي دارت في ذهني وأنا أعيش هذه التجربة وأفاجأ بمعلومة عدم تطبيق قرار توثيق بيع كل بطاقة هاتفية باسم المشتري ورقم هويته!

فيما رأيته ووثقته بنفسي، لا يُمكن أن أحسن الظن بشركات الاتصالات وبأنها لا تعلم ما يدور في طريقة بيع شرائحها! ولا يُمكن كذلك إحسان الظن بهيئة الاتصالات في أنها لا تعلم بأن الشرائح المجهولة باتت تُباع وتعبأ بأرقام إقامات مجهولة! أتصور لو فطن هؤلاء العمال ممن تُباع شرائح الهاتف بأرقام إقاماتهم - إن لم يكن بعلمهم- لتمكنوا من رفع قضايا والحصول على تعويضات جراء هذا الفعل الذي يهدّد الأمن والمجتمع. فإيقاف تداول هذه الشرائح بحاجة إلى قانون يحمي المواطن والمقيم منها، بل ويحمي العمالة الذين يتم استغلال أرقام إقاماتهم في بيعها!

في منتصف عام 2012 صدر قرار من هيئة الاتصالات يقضي بفرض غرامة قيمتها خمسة ملايين ريال على شركات الاتصالات، وأذكر وقتها أن الشركات الثلاث طالبت الهيئة بمنحهم مهلة للتصحيح، فهل تم التصحيح؟ أم أن ما حدث مجرد تحايل على قرار الهيئة؟

أضف إلى كل هذه التساؤلات، سؤالاً إضافيًا: فأين الحملات التفتيشية التي توعّدت بها هيئة الاتصالات المحلات المخالفة؟ وحتى الجهات الأخرى مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية قد توعّدت في عدد من التصريحات بالقيام بجولات تفتيشية؟ هل فعلاً هناك تفتيش وهل وجود رقم إقامة خلف البطاقة قادر على تجاوز أن يوضع البائع في خانة المخالف؟ أظن أن القضاء على هذه الظاهرة ليس بالأمر الصعب متى ما كان هناك عزيمة وإصرار في إنهائها، أما السكوت أمام الالتفاف على الأنظمة فهذا أمر آخر قد يحتاج إلى التفاتة من هيئة مكافحة الفساد!

* نقلاً عن صحيفة "الجزيرة"