فرنسا ودول الخليج.. ما مغزى حضور هولاند للقمة؟

 لم يعد سراً في أن العلاقات السعودية - الفرنسية تعيش اليوم أفضل حالاتها وقد مر التقارب السعودي - الفرنسي تاريخيا بمراحل مفصلية بغض النظر عمن كان في الحكم اشتراكيا ام يمينيا، إلا ان أهمها وأكثرها بروزا كانت إبان فترة اغتيال رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان. وكانت الصحيفة الفرنسية الأشهر اللوموند قبل بضعة أشهر وصفت ذلك التقارب بالحليف الغربي الأفضل للرياض، والبعض وصفها بالحليف البديل عن اميركا، وقد تزامن آنذاك بحالة من الفتور في علاقات الرياض بواشنطن على خلفية تعاطي البيت الابيض مع الملفين السوري والإيراني.

الزيارة تأتي في ظروف استثنائية تعيشها المنطقة ما يجعلها تكتسب أهمية خاصة في توقيتها وطبيعة الملفات المطروح نقاشها. على ان الدبلوماسية السعودية تؤمن بأهمية الحوار واللقاءات المباشرة وتحديداً مع الدول المؤثرة على المسرح الدولي، فضلا عن ان موقع البلدين الجيوسياسي سواء للرياض في مجلس التعاون الخليجي او باريس في الاتحاد الأوروبي يعطي لكليهما زخما كبيرا للتأثير في القضايا السياسية الدولية.

على أن هناك من يرى أن دعوة الرئيس الفرنسي كضيف شرف لحضور القمة الخليجية التشاورية هو بمثابة رسالة سياسية تريد دول الخليج إيصالها لبعض الأطراف لتقاعسها من ناحية في التعاطي مع بعض ملفات المنطقة، وتقدير للمواقف الفرنسية اللافتة في الوقوف معها ودعمها لخياراتها الاستراتيجية من ناحية اخرى.

وتناقلت وسائل الاعلام ان الدعوة الاستثنائية تمت خلال مكالمة هاتفية بين الملك سلمان والرئيس الفرنسي الأسبوع قبل الماضي والتي تعني “انعكاسا لصورة فرنسا كبلد يمكن الوثوق به في المنطقة ولحرصها على أمن واستقرار وسيادة الدول الخليجية".

ولقد ثمنت فرنسا دعوتها للقمة الخليجية واعتبرتها لفتة ودية مؤكدة ان السعودية تعتبر نقطة انطلاقة رئيسة لعلاقاتها مع دول المنطقة.

ولعل الشراكة السعودية - الفرنسية تنطلق من رؤية استراتيجية مستندة على: التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري ما يعني ان المكانة التي اعتادت عليها باريس لم تعد كما هي بل تجاوزتها بكثير بدليل انعكاسات ذلك المناخ الإيجابي على علاقتها بدول الخليج.

على ان الرياض وباريس تجمعهما مصالح متنوعة ساهمت في ترسيخ علاقة وثيقة لاسيما في جوانب عدة ومن أهمها التقنية النووية السلمية بالإضافة الى حجم تبادل تجاري بين البلدين بلغ ثمانية مليارات يورو فضلا عن ملفات عسكرية ودفاعية، وإن كان الملف اللبناني عادة ما يأتي على رأس القواسم المشتركة، وخاصة في الوقت الراهن وتحديدا بعد تسلم الجيش اللبناني أسلحة فرنسية، كانت المملكة قد موّلت شراءها، لحماية لبنان من الارهاب. ويتزامن كل ذلك مع تمدد داعش وتهديدات حزب الله للمكونات السياسية في لبنان، وبالتالي فجهود البلدين ستتركز على الدفع باتجاه منع الفراغ الدستوري، والالتزام باتفاق الطائف، وان كانت السعودية ترى ان الاستحقاق لبناني وبامتياز وبالتالي لا مرشح لها ولا تضع فيتو على أحد، بل تأمل ان يتم الاتفاق على مرشح توافقي.

إن التنسيق الخليجي -الفرنسي إن أردنا الحقيقة، جاء ليسد فراغ الدور الأميركي الذي لم يعد مهتمًا بمصير المنطقة وأحداثها ولذا فتطابق الرؤية ما بين البلدين في ملفات عديدة، كتوحيد الجهود الدولية لمواجهة داعش وملف الإرهاب فضلا عن الموقف من البرنامج النووي الإيراني وتثبيت الشرعية في اليمن والمخرج السياسي في سورية، كل ذلك سيصب في تعزيز استقرار المنطقة.

وفي هذا السياق يأتي لقاء الرئيس الفرنسي بالقادة الخليجيين في توقيت مهم كونه يسبق القمة المنتظرة بين القادة الخليجيين والرئيس الأميركي وكذلك يأتي قبل أسابيع معدودة من استحقاق منتظر هو الاتفاق النهائي نهاية يونيو المقبل بين الدول (5+1) وإيران بشأن ملفها النووي.

ولعل الأهمية تكمن هنا في كيفية التعاطي مع السياسة الإيرانية في حال إنجاز الاتفاق او فشله وانعكاسات ذلك وافرازاته على الوضع الإقليمي، وهذا يعني بطبيعة الحال التنسيق والتشاور مع الشركاء الخليجيين لوضع الترتيبات الممكنة لمواجهة الاحتمالات والمتغيرات السياسية والاستراتيجية من جراء هذا الاتفاق النهائي المتوقع. مع تشديد فرنسا ودول الخليج على ضرورة توفر الضمانات للبرنامج النووي من كونه سلميا ومدنيا. ومن المعروف ان فرنسا ترى في دول الخليج منطقة مهمة لأنها تؤثر في شرايين اقتصادها فضلا عن أهميتها كمنصة لتفعيل دبلوماسيتها من خلالها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولعل المتابع يرى ان باريس باتت تقطف ثمار سياستها الخارجية التي تضع في أولوياتها المصالح الأمنية للشركاء والأصدقاء، بدليل ما ذكرته فرنسا عن الازمة اليمنية من انها تجدد "تمسكها بالحلول السياسية التي يتعين أن تأخذ بالاعتبار الأمن الإقليمي" هذا من جانب ومن جانب اخر يعول الخليجيون على دور هولاند في اقناع الرئيس بوتين بتنفيذ بنود جنيف 1 لا سيما وان هناك كما تشير المصادر الإعلامية الى تحول طفيف في الدعم الروسي للأسد بعد لقاء بوتين بالرئيس الفرنسي في أرمينيا قبل أسبوع.

صفوة القول، التقارب الخليجي - الفرنسي ليس بالضرورة ضد أحد بقدر ما انه يسعى لحلحلة الملفات المتأزمة في المنطقة وتحقيق الانفراج السياسي ما يدفع باتجاه خلق توازن في موازين القوى إقليميا ودوليا، ولذا حضور فرنسا كضيف شرف للقمة هو تقدير لمواقفها السياسية وحرصها ودعمها وتفهمها للأولويات التي يطرحها شركاؤها الخليجيون وفي مقدمتها الامن الإقليمي.


* نقلاً عن صحيفة "الرياض"