الوزراء بعد خمس سنوات !

سمو وزير التربية والتعليم وعد بتحقيق نقلة نوعية في التعليم خلال خمس سنوات، وسمو أمير الرياض وعد بإنهاء مشروع مترو الرياض خلال أربع سنوات، ومعالي وزير الصحة الجديد يفترض أن يحقق نقلة نوعية في القطاع الصحي بنفس السرعة التي عمل بها في وزارة العمل، ومعالي وزير الإسكان استهلكت وزارته وقتا طويلا لحل المشكلة الإسكانية، ويفترض أن تحقق إنجازا ملموسا خلال العامين المقبلين، أما معالي وزير التجارة فمن الواضح حتى الآن أنه يمضي في الاتجاه الصحيح.

ترى، ما الذي يمنع هؤلاء الوزراء من تغيير واقعنا اليومي بعد خمس أو عشر سنوات؟، لديهم الصلاحيات شبه الكاملة، والميزانيات المليارية، والوقت الكافي للوصول إلى الهدف، فما الذي جعل البعض يشكك في إمكانية تغير الحال؟، بلا شك المسألة ليست بهذه السهولة، فثمة تحديات كبيرة تعترض طريقهم، أهمها أشباح البيروقراطية التي تسكن مباني الوزارات والإدارات الحكومية منذ عشرات السنين، وكذلك شبهات الفساد المالي التي تصاحب تنفيذ بعض المشاريع العملاقة، هذا غير العلة الجديدة التي طرأت على واقعنا وجعلت السنوات تمر بلا معنى، وهي علة (التعثر)!.

يقول الدكتور سالم باعجاجة أستاذ المحاسبة بجامعة الطائف أن عدد المشاريع المتعثرة أو التي تأخر تسليمها منذ عام 2000 بلغت أكثر من 3 آلاف مشروع، بقيمة إجمالية وصلت خلال السنوات الأربع الماضية إلى حوالي ترليون ريال، والأمر هنا لا يتوقف عند قيمة هذه المشاريع المتعثرة، بل ثمة كلفة سنوية للتأخر تصل إلى 40 مليار سنويا، أي أن كلفة التأخر وحدها كافية لخلق واقع تنموي جديد خلال خمس سنوات فقط!.

وثمة نصائح قديمة جديدة للتخلص من علة التعثر التي ضربت طموحات التنمية في الصميم، منها الاستعانة بشركات عالمية لتنفيذ المشاريع التي لا تستطيع الشركات المحلية تنفيذها، وتطوير وسائل المراقبة على هذه المشاريع؛ كي لا يستفحل الأمر إلى هذه الدرجة، فلو خصص ربع كلفة التأخر السنوية (40 مليار ريال) لمراقبة هذه المشاريع لما وصلنا إلى هذه الحال، كما أن هذه العلة تحتاج إلى مواجهة صارمة على أعلى المستويات؛ لأن تأخر تنفيذ مشروع في وزارة ما يؤثر بالضرورة على الوزارة الأخرى، فالوصول إلى المستشفى الجيد يحتاج طريقا جيدا، وعطاء الطالب في المدرسة الجيدة يتوقف على سكن أسرته في منزل ملائم.. وإلا فإن كل ما يفعله هذا المسؤول سوف يعيقه سوء عمل مسؤول آخر!.

باختصار، فترة خمس سنوات أو عشر سنوات قد لا تعد شيئا في مسيرة الأمم، ولكن مشكلتها أنها لا ترجع أبدا، فالزمن يمر بسرعة البرق، وكل عام خالٍ من الإنجازات يؤثر على العام الذي يليه والعكس صحيح، وكذلك الثروات التي تتوفر في بلادنا اليوم لا يوجد أي ضمانات بأنها سوف تبقى بهذا المستوى، فالانتقال من مرحلة الدولة النامية إلى الدولة المتقدمة يحتاج مائة عام، مع وجود بعض الاستثناءات الطموحة مثلما حدث في كوريا الجنوبية، وأملنا بالله كبير، ثم بالمسؤولين والوزراء الذين يتصدون لهذه المهمة الصعبة كي يتحقق الممكن، بل هو أكثر من ممكن متى ما توفرت الإرادة الحقيقية لتغيير الواقع اليومي

نقلاً عن "عكاظ"