أوباما في ديارنا !

ليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات السعودية الأميركية تعقيدات شائكة، فقد حدث ذلك كثيرا.. حيث تشابكت خطوط الحليفين وتصادمت مصالحهما أكثر من مرة قبل أن تعود إلى صورتها المعروفة، قبل أوباما شهدت العلاقات السعودية الأميركية أزمة حقيقية في عهد الرئيس بوش الابن بسبب الدعم الأمريكي للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، ولكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفا، حيث كانت الأزمات السابقة تحدث عادة لأن الرئيس الأمريكي قام بفعل أو اتخذ إجراء لا يتوافق مع مصالحنا أو مبادئنا، أما اليوم فالأزمة نشأت أساسا لأن الرئيس الأمريكي لم يفعل شيئا ولم يتخذ أي إجراء حاسم بخصوص الأزمات التي تعصف بالمنطقة بل والعالم أجمع.

نقاط الاختلاف كثيرة، أولها العلاقة مع إيران التي تحولت في نظر الأمريكان وخلال سنوات وجيزة من طرف رئيسي في (محور الشر) إلى صديق محتمل، وكذلك يبرز الخلاف بين الحكومتين حول الموقف من الأوضاع في مصر، وكيفية التعاطي مع الأزمة التي مرت بها البحرين الشقيقة، ثم يأتي الملف السوري الذي كشف للجميع حالة التردد الكبيرة التي أصبحت سمة لسياسات أمريكا في عهد أوباما.. وهو التردد الذي نتج عنه ضياع سوريا وبقاء الأسد على رأس السلطة رغم كل ما ارتكبه من جرائم ضد الإنسانية، وبروز روسيا وإيران كلاعبين أساسيين في كل معادلات الشرق الأوسط بعد أن تبين لهما أن أمريكا تحولت إلى دولة (خجولة)، فكشف الروس والإيرانيون كل أوراقهما على الطاولة دون خجل أو وجل!.

ولكن نقاط الاتفاق أيضا كثيرة، فالسعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي يمكن أن يضمن استقرار النفط، وهذا أمر يهم الأمريكان وحلفاءهم في الغرب والشرق، كما أن التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب ساهم في صد العديد من العمليات الإرهابية الكبرى حتى عن أمريكا نفسها، ولا أظن أن البلدين كان يمكن أن يحققا هذا النجاح في مواجهة تنظيم القاعدة لو لم يكن التعاون الأمني بينهما بهذا المستوى، أما بخصوص التعاون العسكري الكبير بين البلدين، فهو لا يخفى على أحد، حيث تشكل الولايات المتحدة المصدر الأول لتسليح وتدريب القطاعات العسكرية السعودية، وفي هذا التعاون فائدة كبيرة للطرفين.

ومن اللافت أن جميع الأزمات السياسية التي حدثت بين الحليفين القديمين كانت تنشأ عادة بسبب تضارب المواقف بين البلدين حول قضايا في المحيط العربي، وليس بسبب قضايا تمس البلدين بصورة مباشرة، فمكانة السعودية كدولة قائدة في العالمين العربي والإسلامي ــ وكذلك مصالحها السياسية ــ تحملها مسؤولية الدخول في مواجهة مكشوفة مع الأمريكان متى ما وجدت أن السياسية الأمريكية تجاه هذا البلد العربي أو ذاك لا تتفق مع رؤيتها، وقد يكون ذلك أحد الأسباب الخفية التي ساهمت في توثيق العلاقة بين البلدين، فلو كانت السعودية صديقا هامشيا لما حسب لها الأمريكان كل هذا الحساب، ولما عادوا أكثر من مرة لمراجعة خطواتهم في المنطقة كي تتناغم مع خطوات الصديق القديم.

العلاقة الوثيقة مع القوة الأعظم على وجه الأرض أمر تسعى له جميع دول العالم، ومن الناحيتين السياسية والاقتصادية يمكن الجزم بأن التحالف مع الأمريكان أفضل من التحالف مع أي قوة عظمى أخرى، ولكن هذا لا يعني وضع البيض كله في السلة الأمريكية، فالمصالح الوطنية العليا هي أساس أي تحالف؛ لذلك جاءت الخطوات السعودية المعلومة باتجاه موسكو وبكين وباريس بمثابة رسائل سياسية واضحة بأن المملكة لا يمكن أن تفرط في مصالحها مراعاة لحالة التردد والتقلبات التي يمر بها الحليف الأمريكي.

في نهاية الأمر، لن تكشف لنا شاشات التلفزة عن النتائج الحقيقية لزيارة أوباما، كل ما سنشاهده هو البرتوكول.. وخلف هذا البروتوكول يختبئ مفترق الطرق.. وأي مفترق طرق!.
 
 نقلاً عن "عكاظ"