تعليمنا: إلى الخلف در!

حاولت أن أفهم وأنا أقرأ خبراً نشرته صحيفة «الحياة»، يحاول فيه مسؤول من وزارة التعليم العالي أن يعلن براءته من دم «منهج التربية البدنية للفتيات»، ثم يقذف مسؤولية فتحه والتصدي له إلى وزارة التربية والتعليم، قائلاً إنه أثناء اجتماعاتهم مع وزارة التربية لم يفتحوا هذا الملف، وأن من فتح الملف هو وزارة التربية والتعليم، وحين تلقفت الوزارة السؤال عن هذه الكرة المشتعلة بحريق المسؤولية وجسامتها، لم تجد سوى كلام كبير تدفع به الشبهة عن نفسها، قائلة إنها «تتعامل مع رياضة البنات ضمن ملف وطني شامل لتطوير التعليم». لا إله إلا الله، «ملف وطني» و«منهج تطوير التعليم»!

هل تصدقون أنني في منتصف الثمانينات كنت ألعب ضمن فريق من الفتيات لعبة «الطائرة» في جامعة الملك سعود، وتدربنا سيدة مصرية خفيفة الظل، وتوفر لنا الجامعة ملعباً رياضياً ضخماً وبمواصفات عالمية خصص لطلاب الجامعة، بينما يخصص يوم الخميس للطالبات فقط، وتحملنا الجامعة بالحافلة من مركز الدراسات الجامعية في عليشة، حتى ملعب القبة الهوائية، وسائق الحافلة هو الرجل الوحيد الذي نختلط به ونراه، ونمضي النهار هناك نمارس الألعاب الرياضية في ملعب مغلق، لم نحتج وقتها إلى شعارات تطوير التعليم ولا إلى ملف وطني ولا إلى جبهة تحرير وطنية. ولو عدتم الى مذكرات بعض المسؤولين الذين تحدثوا عن تعليمهم في مطلع حياتهم، لقالوا لكم إنهم لعبوا الرياضة ودرسوا اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وسافروا في رحلات طالبية إلى مصر وتركيا وزاروا متاحف ومراكز علمية.

ولم تقم الدنيا ولم تقعد علينا حتى هبت عواصف الصحويين منتصف الثمانينات، فكنست تعليمنا وأفقرته ووضعت مناهج على هواها، فصارت مناقشة موضوع رياضة الفتيات وكل ما يتعلق بالنساء تعكيراً للسلم الأهلي، وصارت حصص الرياضة كرة ثقيلة يرميها كل مسؤول على الآخر، ولا يزالون يدرسون ويدرسون رياضة الفتيات ضمن ملف وطني شامل لتطوير التعليم الذي تخلف، وإلا كيف أصبحت حصة رياضة الشغل الشاغل لتطوير التعليم؟ وكيف تراجعت المناهج والحصص الرياضية والرحلات الخارجية، وصارت تلزمها شعارات براءة مثل «ملف وطني» و»تطوير» وهي من بديهيات التعليم؟

هل تظنون أن الخوف من المواجهة هو السبب؟ فالمسؤول يظن أنه بالإمكان العمل في الخفاء والبعد عن الإعلام كشرط أساسي للنجاح، ولأن هذا مستحيل في وزارات تتعلق بنصف السكان إن لم يكن كلهم، لهذا سرعان ما يجد نفسه في مواجهة طاحنة مع من يسمون أنفسهم «الإسلاميين» الذين هم أبعد عن الإسلام من كوكب زحل، وإلا فما الذي يقلق الإسلاميين من حصة رياضة بدنية في مدرسة بنات ومدربتهن امرأة؟ من أشهر تحفظات الإسلاميين «أين تغير الفتيات ملابسهن؟»، مع أن مدارس البنات الخاصة التي تقر التربية البدنية تشترط ارتداء ملابس الرياضة تحت المريول، حتى لا يضطررن للإجابة عن هذا السؤال. أما آخر التحفظات فأنهم يريدون المحافظة على الفتاة حتى تصل البضاعة إلى الزوج «صاغ سليم» من دون خدش أو كسر.

أظن أننا لسنا بحاجة إلى مناقشة هل تلعب الفتيات الرياضة أم لا؟ بل أن نضع حوافز وجوائز لمن لا يزال يحب لعب الرياضة؟ ففتياتنا - وفتياننا - ينشطون في أكل الحلويات والتحديق في شاشة «بلاكبيري» و«آيفون» والنوم الطويل وتراكم الدهون وهشاشة العظام، فيما لا تزال الوزارة ذات التعليم العالي مع زميلتها التربية والتعليم تتقاذفان كرة الحصة البدنية أيهما يكفلها ومن يفتح صدره لرصاص المواجهة؟ لديكم حل واحد: اتركوا شعار «تطوير التعليم» وارفعوا شعار «العودة إلى الخلف»، فالخلف ممتاز. كانت الرياضة ضمن مناهج التعليم، وكذلك كان المسرح حاضراً والموسيقى والفنون، دعونا نرجع إلى الخلف جزاكم الله عنا كل خير، إلى الخلف رحم الله والديكم. 

 نقلاً عن "الحياة"