علموا أولادكم الابتسام والاختلاط

منذ أن شاركت في قيادة السيارة في شوارع المملكة أشعر أن أكثر إخواني المواطنين لا يملكون أدنى حس بالآخر. رغم اكتظاظ الشارع والمطعم والمطار وغيرها من الأماكن العامة مازال كثير من الناس يتصرف وكأنه في مكان خالٍ. لا يعرف قيمة التنازل المتمدن والعيش مع الآخرين. يشاهد رجلاً يعبر الطريق لا يهدئ أو يقف لكي يسمح للرجل بعبور الشارع بل بالعكس يضرب له بوري كصرخة هي أقرب إلى الشتيمة هذا إذا لم يطل برأسه ويشتم الرجل بالفعل. لا يمكن أن يسمح لك أن تدخل قبله سواء بسيارتك أو بقدميك سواء كنت أصغر منه أو أكبر منه. تلاحظ هذا الأمر عند انتظار محل يفتح بعد وقت الصلاة المستقطع. لا يجاملون بعضهم. في وقت الانتظار يسولفون وما أن يفتح السيكيورتي الباب تراهم يتدافعون كل واحد يريد أن يدخل الأول حتى وان لم يكن للأولوية أي قيمة. إذا تقدم أحدنا إلى موظف في خدمة عميل آخر لا ينتظر إلى أن ينتهي الموظف من الآخر بل يندفع ويقدم طلبه غير عابئ بالآخر الذي يتحدث مع الموظف. ويمكن أن تعرف أن هذه العادة متحكمة في سلوك الناس من الموظف نفسه. فالموظف لا يطلب من الشخص الانتظار بل يجيبه وكأنما لا يقف أمامه أحد. يخدم عشرة عملاء في نفس الوقت.

لاحظ نفسك إذا ركبت مصعداً مع عدد من الناس لا تعرفهم. تحس بأن الصمت مشحون بالتوتر. تحس أن هناك كراهية مختنقة في الصندوق المتحرك. إذا وقعت عينه بالصدفة عليك لا يضع على وجهه أدنى ابتسامة. يشيح بوجهه بسرعة وكأنه ارتكب ذنباً. بعضهم يكاد يدخل مرحلة الاختناق، أما إذا كان بين الموجودين امرأة أو أكثر يسخن المصعد من شدة التوتر الذي يجتاح الجميع، كل واحد يحاول أن يثبت أن عينه لم تقع على المرأة ويتحرك بطريقة تشي بأنه يمثل دورا أخلاقياً مبالغاً فيه. تلاحظ أيضا أن المرأة تبالغ في الانكماش والانضمام إلى ذاتها بحيث تظهر أكبر قدر من شطارتها في حفظ الدرس المطول الذي تلقته في حملة الذئاب البشرية. كأن الجميع سينقضون عليها ولكنك تشعر في أعماقك أن هذا التصرف مفتعل. في كل الأحوال تلاحظ غياب كامل لروح التواجد الجماعي والانبساط وابتسامات التهذيب. ثمة أمثلة لا حصر لها تصادفك أينما يممت. ظاهر غريبة. بيد أن هذا التصرف الانعزالي يزول بزوال المكان وتناقص نسبة السعوديين، ما أن ينزل مواطننا العزيز في أي بلد آخر حتى يبدأ بالاختلاف التدريجي. ستلاحظ الفرق بين النساء أو الشباب السعوديين في المطار السعودي وفي مطار الوصول في الدولة الأخرى. ينقشع الهدوء مع انقشاع الغطوة عن وجوه النساء والتصنع عن تصرفات الرجال.

كنت أعتقد أن سلوك الإنسان السعودي في الداخل يختلف عن سلوكه في الخارج في مسألة قيادة السيارة فقط وأبرر ذلك بضعف إمكانيات المرور في المملكة ولكن بالانتباه للسلوكيات الأخرى في الداخل والخارج ومقارنتها ببعضها تكتشف أن الأمر أوسع ويشمل كثيراً من الممارسات. من يتفق معي ولو بنسبة معينة سيتفق معي في السبب. ترى ما هو هذا السبب؟ سأترك الأمر لفطنتكم. 

نقلاً عن "الرياض"