الخليجي الواقف على الباب!

اعتاد المواطن الخليجي مع مرور السنين أن يقف بالضبط على باب الوحدة الخليجية! بحيث يضع قدما داخل القاعة وقدما خارجها ويطرب أذنيه بأغنية (أنا الخليجي) دون أن يتخيل شكل اليوم الذي سوف تتغير فيه كلمات الأغنية الشهيرة لتصبح (نحن الخليجيون)، لم يكن الأمر باختياره فقد سارت الأمور منذ البدء على هذا النحو فدرب نفسه على أن يقسم قلبه لنصفين: نصف لخيمته الخليجية العتيدة التي صمدت أكثر من مرة في وجه العواصف والأعاصير ونصف لخصوصيته الوطنية التي يرى أن عملية مراعاتها كانت ولا تزال عاملا أساسيا من عوامل صمود تجربة مجلس التعاون الخليجي.

كان التدرج في الوحدة الخليجية هو الحل المنطقي، ورغم البطء الشديد الذي صاحب هذا التدرج والتأني المبالغ فيه إلا أن مجلس التعاون نجح إلى حد ما في إزالة بعض العوائق البيروقراطية التي كانت تقف في وجه أبناء الخليج كي يصنعوا وحدتهم الشعبية الحقيقية والعفوية، وقد كان أبناء الخليج على قدر التحدي في تحقيق أفضل درجات التعاون والتآخي وتبادل الخبرات، حيث استطاع الآلاف من الدبلوماسيين والعسكريين والتربويين والقضاة ورجال الأعمال وغيرهم من خيرة رجال ونساء مجلس التعاون أن يذيبوا كل الفوارق الهائلة بمجرد اتخاذ القرار السياسي أو ذاك، وكل هذا عائد في الأساس إلى إدراك أبناء الخليج بأنهم إخوة وأبناء عمومة ومصيرهم واحد وأن ما يجمعهم أهم وأكبر كثيرا مما قد يفرقهم، وقد شكل هذا الرصيد الشعبي الهائل من روح المحبة والإخاء والاحترام المتبادل سدا منيعا أمام كل خلافات وجهات النظر التي قد تظهر بين وقت وآخر حيث سرعان ما يتم حلها بهدوء تقديرا لهذه الروابط الشعبية الخليجية التي تجمع بين أبناء المنطقة.

ومع تقديرنا الكامل للأدوار التاريخية المشهودة التي لعبها قادة دول الخليج في الحفاظ على الكيان الخليجي لأكثر من 35 عاما صامدا في وجه كل التحديات بينما تهاوت كل التحالفات السياسية والتجمعات الأقليمية في منطقة الشرق الأوسط، والجهود الكبيرة التي بذلها الوزراء المتعاقبون في الحكومات الخليجية لتذليل المصاعب التي قد تعترض عملية التكامل الخليجي، إلا أن القفزة الحقيقية والمؤثرة في طريق الوحدة الخليجية تحتاج اليوم وبقوة إشراك المواطن الخليجي بأقصى قدر ممكن في تحقيق الوحدة الخليجية وعدم تركه واقفا على الباب!

اليوم تجد دول الخليج نفسها في لحظة مفصلية خطرة: نووي إيراني وربيع عربي وإرهاب وفوضى أمنية في دول الجوار وأجواء طائفية محتقنة حتى أمريكا لم تعد كما كانت بينما العالم العربي الذي طالما شكل البعد الأهم لدول الخليج لم يعد موجودا إلا في صور الدمار والتشرذم، ونسأل الله أن يبعد دول الخليج عن هذه الحرائق المأساوية التي اشتعلت في كل دول الجوار ويعينها على تجاوز هذه المرحلة التي قد تكون الأشد خطورة، فقد تبدلت قواعد اللعبة وتغيرت التحالفات ولم تعد الحسابات الدولية والإقليمية كما كانت من قبل، ولم يبق ثمة شيء يمكن الرهان عليه في هذا الزمان الصعب سوى المواطن الخليجي.. وهو بمشيئة الله من سيحدث الفارق الجوهري في سبيل تحقيق الوحدة الخليجية متى ما أتيحت له فرصة المشاركة.