ما هي الخطة بعد رحيل العمالة؟!

حتى هذه اللحظة لا أصدق أن هذا البلد استطاع أخيرا مواجهة طوفان العمالة المخالفة والمتسللة، كنت أظن أن دوائر الفساد ومافيات التأشيرات سوف تنجح في حماية هذه الأعداد الهائلة من العمال الآسيويين والأفارقة والعرب الذين يعملون في كل شيء مقابل أي شيء، فقد كنت حتى بداية هذه الحملة أظن بأن هؤلاء سيتكاثرون ويتزاوجون ويتناسلون في هذه البلاد حتى تظهر قرارات دولية تفرض تجنيسهم أو منحهم إقامات دائمة.

ولكن يبدو أن المعجزات يمكن أن تحدث بين وقت وآخر فقد تحركت الجهات المعنية لأسباب اقتصادية أو أمنية أو ربما لأسباب خفية لا نعلمها من أجل التصدي لهذا الطوفان البشري الذي كان يهدد التركيبة السكانية إلى درجة أنك إذا دخلت بعض الأحياء الشعبية تحتاج إلى مترجم كي يرشدك في هذه الغربة الكبيرة، والسؤال اليوم: ما هي الخطة القادمة بعد رحيل هذه الأعداد الهائلة من العمالة الأجنبية؟ وهل يمكن أن يصدق أحد بأن رحيل هؤلاء الذين كان أغلبهم يعمل في مهن بسيطة مثل البناء والتنظيف والرعي هو إجراء يمكن أن ينتج عنه توفير وظائف للسعوديين؟، وما هي خطط مواجهة ارتفاع أسعار الأيدي العاملة في مختلف النشاطات الاقتصادية بعد رحيل المخالفين؟.

بالتأكيد أنا مع التصدي للعمالة المخالفة ومحاصرة تجار التأشيرات والإقامات من المواطنين ولكنني لست من أنصار التخلص من العمالة الأجنبية النظامية.. فالبلاد تحتاجهم بشدة وكل من يتخيل أننا يمكن أن نعيش دون عمالة أجنبية هو حالم، لقد كانت مشكلتنا الأساسية مع العمالة الوافدة أنها عمالة غير ماهرة ولا تضيف شيئا لمسيرة التنمية خصوصا حين نقارنها بالعمالة الآسيوية والعربية في دول الخليج فبسبب بعض المتنفذين من تجار التأشيرات تحولت أسواقنا إلى حقل تجارب بالنسبة لهؤلاء العمال حيث يعمل في البداية راعيا للأغنام ثم فني ستالايت ثم مدير مطعم ثم مقاولا بالباطن قبل أن يتطور ليصبح مستثمرا أجنبيا.

ومن مشاكلنا التي يجب أن نعترف بها إذا أردنا معالجة قضايا العمالة الأجنبية أننا ألقينا بفشلنا في توظيف السعوديين على هذه العمالة الوافدة فخلقنا حالة أشبه ما تكون بحالة العداء بين المواطنين والوافدين وهذا أمر غير صحي وغير مفيد على الإطلاق وقد تسبب في صناعة حاجز نفسي واجتماعي عملاق بيننا وبين الكثير من الإخوة الوافدين بصورة غير موجودة في دول الجوار وهي بالطبع صورة لا تتواءم مع طبيعتنا وقيمنا، وعلينا أن تدرك بأن عجز الجهات الحكومية عن مواجهة المخالفات في بعض الشركات العملاقة هو مشكلة محلية بحتة لا ذنب للوافدين فيها بل هي من صنع أيدينا.

وأخيرا وليس آخرا، نحن لا نستطيع توفير عمال نظافة سعوديين، ولا عمال بناء، ولا رعاة أغنام، ويكفيكم المناظر المؤذية في المدينة المنورة ومكة المكرمة بعد غياب عمال النظافة كي تعرفوا النتائج التي يمكن أن يصنعها التشدد في مسألة مطاردة العمال، لذلك من الضروري توفير التأشيرات لهذه المهن كي لا يأتي المتسللون مرة أخرى ليشغلوا هذه المهن الحيوية فنعود من جديد إلى نقطة الصفر.. (وكأنك يا أبو زيد ما غزيت)!.

نقلاً عن صحيفة "عكاظ"