الإنترنت رب الأسرة الجديد!!

إذا كان ثمة وصف يطلق على عصرنا فهو عصر الإنترنت بلا منازع ذلك أن الحقب التاريخية تسمى بالإنجاز الأكبر في كل حقبة منها، كعصر الكشوف الجغرافية، وعصر الذرة وعصر الفضاء وأخيرا عصر الإنترنت. فالشبكة العنكبوتية ليست مجرد اكتشاف تقني يسر الاتصال بين أطراف المعمورة وحولها إلى قرية صغيرة حقيقة لا مجازا كما كان يردد عالم الاتصال الأشهر مارشال ماكلوهان، بل هي ناظم جديد لشبكة العلاقات الاجتماعية بمعناها الأوسع سواء على مستوى أفراد الأسرة الواحدة أو المجتمع الواحد أو العالم أجمع. فهي تعيد صياغة أدوار وأنساق اجتماعية راسخة، وتعيد ترتيب العلاقة بين الأجيال وبين الآباء والأبناء. إنها باختصار وسط جديد بين أفراد الأسرة، فكيف نتعامل معه؟ وكيف نقوده ولا يقودنا؟ وماهي محاذيره التي ينبغي أن نتجنبها ومزاياه التي يمكن أن نستفيد منها؟ كل تكنولوجيا جديدة لها مزاياها وعيوبها، وشبكة الإنترنت ليست استثناء من هذه القاعدة، الأمر الذي يحتم على الأسر دراسة وحساب قرار إدخال الإنترنت وتقدير المكسب والخسارة، فلم يعد الخطر يقتصر على برامج الدردشة (الشات) التي تكون أحيانا سببا للانحراف، ولاعلى إدمان الإنترنت بما يرتبط به من أمراض انعزالية عن المجتمع. ولكن الأخطر أن العلماء بدأوا يتحدثون عن المخاطر الصحية من الجلوس ساعات طويلة أمام هذا الساحر الذي ينقل كل العالم إلى حجرة مكتبك أو نومك، حتى أن دراسات طبية تحدثت عن زيادة الاكتئاب أو أمراض القلب. أما خطر (القنص) أو (الاختراق) أو (التجسس) على الأشخاص عبر هذا الجهاز الموصول بالإنترنت فهو أعظم وأكبر. ويكفي أن نعلم أن منشأ وأساس الإنترنت هو أجهزة الاستخبارات الامريكية. وأن (السيرفر الأكبر) يوجد في أمريكا، ومنه يمكن بسهولة مراقبة أي كمبيوتر والحصول على معلومات شخصية عن أناس وهم لا يدرون. العرب والكمبيوتر تقاس درجة تقدم الأمم في هذا الزمان بتقدمها التقني وعدد أجهزة الكمبيوتر فيها وعدد المشتركين في الإنترنت، وهناك دول متقدمة توفر لكل طالب جهاز كمبيوتر موصول بالإنترنت ليدرس من خلاله، ودول أخرى لا تزال تستخدم أسلوب (السبورة الحائطية) والكتابة عليها بالطباشير! ووفقا لدراسة للمنظمة الاجتماعية والاقتصادية، (الأسكوا) التابعة للأمم المتحدة فإن معدل انتشار الحواسب الشخصية في الدول العربية يقل عن المعدل العالمي سبع مرات. وتقول المديرة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا) الدكتورة ميرفت التلاوي: إن ذلك يعد أقل من متوسط المعدل السائد في الدول النامية، فيما يزيد معدل انتشار هذه الحواسب في الدول الصناعية على الدول العربية 14 مرة. وتشير إلى أن المعدل العالمي لاستخدام شبكة الإنترنت يفوق معدل الاستخدام العربي 24 مرة، وأن استخدام الدول النامية للإنترنت يفوق معدل الدول العربية مرتين ونصف، وأن معدل استخدام الدول الصناعية للإنترنت يفوق العرب بنحو 80 مرة! وأوضحت أن الدول العربية تعاني من عدم القدرة على مواكبة مستجدات التكنولوجيا ليس فقط في مجالات التكنولوجيا الحديثة بل في مجال التكنولوجيات المتوسطة الحديثة أو القديمة، أما الطريف فهو أن هذا التخلف العربي حيال هذه التكنولوجيا دفع (الأسكوا) بالتعاون مع منظمة العمل الدولية لعقد مؤتمر في بيروت بعنوان التكنولوجيا ومكافحة البطالة والفقر في الدول العربية. ورغم التخلف العربي عموما في استخدام الإنترنت، فهناك تفاوت حاد بين الدول العربية إذ يزيد الانتشار في الدول الغنية مثل دول الخليج، ودول أخرى متقدمة نسبيا مثل: مصر والمغرب، فيما يتم فرض قيود مشددة عليه ورقابة حكومية في عدد من الدول العربية تارة بدعوى منع المواقع الإباحية، وتارة أخرى بدعوى منع الدخول على مواقع المعارضة السياسية في الخارج أو الداخل. متى يدخل الإنترنت البيت؟ المخاطر التي يسمعها البعض عن الإنترنت دفعت الكثير من الأسر للتفكير جديا قبل إدخال الإنترنت إلى البيت، والاكتفاء بخطوة الكمبيوتر كمرحلة تمهيدية! والسؤال الذي يجب أن يسأله كل رب أسرة لنفسه - كما يقول خبراء تربويون هو - ما هي الفائدة التي ستعود علي وعلى أولادي؟ ومتى أفعل ذلك؟ ذلك أن كثيرين يدخلون الانترنت لمجرد الفرجة أو كنوع من الصرعة. فقد يتطلب عمل رب الأسرة الاتصال المستمر بالإنترنت، وقد يكون أحد أولاده كذلك، أو يدرس في هذا المجال في كليته أو مدرسته مما يستدعى الدخول على الإنترنت، وقد يكون الدخول عليه مفيدا في مطالعة مواقع شيقة توفر المعلومات أو الفتاوى أو النصائح أو الألعاب للأطفال. ولكن إدخال الخدمة إلى منزل يموج بالشباب ويخشى معه أن يسيئوا استغلاله مجازفة محفوفة بالخطر، وهناك تجارب عديدة تمتلئ بها الصفحات عن المشاكل الاجتماعية لشباب دخل الإنترنت - وأبواب الدردشة تحديدا - من باب الفضول وانتهى به الأمر لمراسلة فتيات حول أمور جنسية، فخطر الإنترنت أن كل مستخدم يخفي شخصيته خلال الحوار أو المراسلة، وقد يخدع شاب فتاة بعبارات الغزل العفيف حتى يستدرجها إلى لقاء خارج المنزل، والخطر يزداد في الدول الأجنبية وقد يصل إلى الخطف أو القتل وحدث هذا بالفعل في أمريكا في عدد من الجرائم التي كشفتها الشرطة. كما أن بعض الشباب اليهود يشارك في الشات العربي لجمع معلومات عن الشباب العربي، وهو مابدأ شبان عرب يقومون به بدورهم تحت أسماء، مستعارة ولكن لا ينبغي أن نقابل المخاطر أبدا بالرفض البات لدخول الإنترنت لأن الممنوع مرغوب، ونوادي الإنترنت انتشرت في كل البلاد العربية والإسلامية بصورة مكثفة، ولو لم يدخل عليه الشاب أوالفتاة في البيت فسيدخل عليه في النادي،أو المقهى، والمطلوب هو الترشيد وعدم ترك الحبل على الغارب وإرشاد الأبناء إلى المواقع الجيدة والمفيدة والجلوس معهم بعض الوقت. برامج الحماية.. هل تفيد؟ مع تصاعد المخاوف من خطر المواقع الإباحية على الشباب خصوصا أنها تملأ الإنترنت بدأت بعض الشركات في توفير خدمة إنترنت نظيفة خالية من المواقع الإباحية، وأشهرها شركة مصرية خاصة تسمى (PURE. NET) وفرت خدمة خالية من المواقع الإباحية عبر حصر هذه المواقع ومنع الدخول إليها. ومع انتشار الإنترنت وصعوبة تخلف بعض الدول عن نشر الخدمة بدأت الحكومات تتولى هذا الأمر خصوصا في السعودية، ثم تطور الأمر إلى قيام حكومات عربية ليس فقط بحجب مواقع الإباحية عبر شركات توفير الخدمة، ولكن بحجب مواقع أخرى للمعارضة السياسية أو جماعات معينة وبشكل عام كشفت هذه التجربة عن صعوبات جمة في منع المواقع المختلفة لأسباب فنية في المقام الأول ولتحايل من يريد على هذا المنع. فالمعروف أن شركات توفير خدمة المواقع الإباحية تنتج مئات المواقع شهريا وتغير أسماء مواقعها باستمرار كما أن الكثير منها لا يتخذ اسما وعنوانا إباحيا يسهل منعه، بل إن بعضها يسطو على مواقع محترمة ذات شهرة مثل مواقع النوادي والاتحادات الرياضية ويحول المواقع إلى خدمة إباحية. ويروي الطالب (خالد محمد) أنه سعى يوما لإقناع زميل له في العمل بالدخول على موقع إسلامي يقدم خدمات قرآنية وتلاوات وأعطاه العنوان فجاءه بعد قليل ووجهه يعلوه الخجل، وقال: إنه موقع غيرصحيح، فتصور أنه أخطأ في كتابة اسم الموقع، وتدخل ليكتبه بنفسه على جهاز الكمبيوتر الخاص به، وفوجئ بظهور موقع آخر إباحي وصور عارية وتبين فيما بعد أنه تم السطو على هذا الموقع لفترة لصالح مواقع جنسية! وقد اعترفت الدراسة التي أعدها الدكتور إبراهيم الفريح بأن عملية حجب بعض المواقع غير اللائقة يكتنفها الكثير من الصعوبة، إذ إن الآلية التي تتبعها وحدة خدمة الإنترنت لا يمكن أن تضمن بشكل كامل حجب جميع المواقع غير المناسبة لأن الكثير منها يظهر بشكل يومي، ولذلك فإن المطلوب زيادة الوعي لدى المستخدمين لتجنب الدخول إلى هذه المواقع والتركيز على التربية الصحيحة. المسلم ماذا يريد من الإنترنت؟ قبل بضعة أيام زار القاهرة باحث ألماني يدعى الدكتور ألبريشت ضمن جولة له بالعالم العربي لبحث تأثير الإنترنت على الحياة السياسية العربية والإسلامية، وقد ذكر هذا الباحث أن الأبحاث التي قام بها مع زميل له بمعهد الدراسات التابع له في برلين تصب في خانة أن الشباب العربي - بعكس الغربي - يستخدم الإنترنت كنوع من الفرفشة والوجاهة الاجتماعية تماما مثل أن يقول أحد الشباب للأخر: إن عندي هاتفا محمولا.. أو عندي إنترنت دون أن يكون هناك استفادة حقيقية منه! وقد زار الدكتور ألبريشت العديد من الأسر العربية للكتابة من الواقع وتأكد له أن هدف هؤلاء الشباب أو غالبيتهم هو الدردشة أو الفرجة على المواقع المختلفة دون استفادة علمية حقيقية من الإنترنت أو هدف من استخدامه، ولاحظ أن نسبة إقبال الفتيات على الإنترنت هي الأكبر بسبب التقاليد العربية التي تمنع خروج الفتاة كثيرا فتلجأ للخروج ولكن عبر الإنترنت. ويبدو أن تعامل المرأة مع الانترنت هو الأكثر في العالم كله، فقد كشفت شركة التداول التجاري عبر الإنترنت أي ماركيتر في تقريرها عن إحصائية تتعلق باستخدام ومستخدمي الإنترنت أن النساء شكلن 46 في المائة من مستخدمي الشبكة في الولايات المتحدة وتزامن هذا التقرير مع تقرير آخر أصدرته شركة نيت سمارت أميركا لشبكات الإنترنت جاء فيه أن 58 في المائة من المستخدمين الجدد هم من النساء. وبالنسبة لمواقع شبكة الإنترنت وجدت معظم الدراسات أن النساء الغربيات يقصدن مواقع المعلومات والخدمات الصحية والمراجع ومواقع السياحة والحجوزات بالإضافة إلى استخدام البريد الإلكتروني، إما الرجال في الغرب فقد استأثرت باهتمامهم مواقع أخبار الرياضة وأخبار وخدمات الاقتصاد والاستثمار والبريد الإلكتروني ومواقع أخرى عشوائية أو مختارة من وحي الأحداث الراهنة، وفي أحيان قليلة يقصدون مواقع الخدمات والاستشارات القانونية والمالية. وبالمقابل لا تتوافر الكثير من البحوث في هذا المجال في العالم العربي، والقليل المتوفر من إحصاءات ضعيف، ولكنه يشير الى أن مسألة تصنيف استخدام الإنترنت كأداة مفيدة أو وسيلة ترفيه بحتة لم يحن أوانها بعد عربيا، وأن أغلبية المستخدمين العرب هم من المراهقين والشباب، وجل ما يفعلونه هو البحث عن التسلية، أما بالنسبة للأقلية من مستخدمي الإنترنت الأكبر سنا والمحترفين فمعظمهم يقر بأنه لا يستخدم ولم يلجأ للإنترنت إلاحين أصبح هذا ضرورة مهنية لا مفر منها! لعنة الشات! من أكثر الوسائل إفسادا في الإنترنت وسيلة غرف الدردشة التي توفرها المواقع المختلفة (بعضها يهودي مثل: ICQ- YAHOO) حيث يشارك الشباب في مناقشات أغلبها جنسية- خصوصا في المواقع العربية- ويصل الأمر لتبادل عبارات منافية للآداب. وتوفر مواقع أخرى أجنبية فرصة أخرى للدردشة بأنواعها، فهناك دردشة شاب يريد الحديث مع فتيات، وفتيات يردن الحديث مع شباب، وآخرون يودون إقامة علاقات على النمط الغربي، وهناك أيضا غرف تخصص لمن يرغبون في الحديث عن الدين أو الحب أو الرومانسية وغيرها الكثير. يقول د. أحمد عبد الله (طبيب نفسي): إن علاقة الإنترنت بالعواطف والخيالات الرومانسية والجنسية موضوع مهم جدا، وإن الإنترنت كشبكة، والكمبيوتر كأداة أحدثا انقلابا في المفاهيم والممارسات النفسية والاجتماعية التي كانت مستقرة في الأذهان فقد أصبح مفهوم الذات والشخصية بحاجة إلى مراجعة في ضوء هذه التغيرات الإلكترونية الجديدة!! ويضيف: إن الإنترنت بحكم تحرره من كل قيد أو ضابط اجتماعي أو رقابي، وبحكم الخصوصية والاتساع اللذين يوفرهما يصنع حالة نفسية غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية، فهو يتيح للإنسان إطلاق رغباته الدفينة كلها، والتعبير عنها بصراحة مع من يرغب عبر غرف الدردشة أو ما يطلق عليه الشات. وخطورة هذه الغرف أنها تتيح إمكانية أن يخلو الشاب والفتاة في غرفة إنترنت خاصة بهما فقط ويتبادلان كل الكلام الممكن وغير الممكن فيها! ومن القصص الحقيقية التي يرويها شاب عن تجربته مع هذه الغرف بقوله: أنا شاب ملتزم ولله الحمد، أحافظ على الصلوات في المسجد وأصوم وأقوم بالواجبات والنوافل التي فرضها الله علي ولله الحمد والشكر على ذلك، لم أعرف طريق الفتيات ولا التحدث إليهن من قبل سواء عن طريق الهاتف أو غيره، ولكن عندما أدخلت الإنترنت إلى المنزل بدأت أدخل على مايسمى بـ (الشات)، وقد دخلته في البداية من أجل التسلية فقط، ولم يكن يخطر على بالي أبدا أن أتعرف أو أحب أو أتزوج عن طريق هذا الشيء لعلمي المسبق أن كل من يرتادون هذا المكان يأتونه للتسلية فقط، مع العلم أنهم لا يتحدثون بصراحة والكذب هو شعارهم، وقد تحدثت إلى فتيات كثيرات في هذا المكان، وتأكدت من أنهن يملكن حرية مفرطة زادت عن الحد ولا يعرفن الصدق أبدا، بل إني لن أخطئ لو قلت إن دينهن ضعيف جدا وإيمانهن كذلك، وإنهن يسارعن وراء الشهوات والغرائز، وكل شاب يتكلم مع فتاة ليأخذ رقمها ويتحدث معها، ومن ثم يقابلها والعكس كذلك فولد هذا لدي كراهية كبيرة جدا لهذا المكان وقاطعته.. وفي استبانة أجرتها مجلة خليجية على عدد من مقاهي الإنترنت وجدت أن 80? من مرتادي هذه المقاهي تقل أعمارهم عن 30 سنة. ويقضي 60? من رواد تلك المقاهي أوقاتهم في مواقع المحادثة CHATTING أو مايسمى بغرفة الدردشة و20? يزورون المواقع الثقافية و12? للمواقع الطبية والحاسوبية والتجارية و 8? المواقع السياسية وأبرزت الاستبانة أسباب الأقبال على تلك المقاهي وأهمها: - إهمال الآباء وضعف مراقبة الأسر لأبنائهم، ففي إحصائية وجد أن 55? من رواد المقاهي من الأبناء لا يعلم أهلوهم بوضعهم. - الفراغ الممتد في يوم الشاب والفرار من الأعمال الجادة. - توفر السيولة لدى كثير من الشباب. - الفضول والبحث عن الممنوع - يعلم كثير من المستخدمين لشبكة الإنترنت أن بوسع غيرهم أن يتعرف عليهم فيما لواستخدموا أجهزتهم الشخصية ولذا فرارا من انكشاف أفعالهم المخزية يلجأون إلى هذه المقاهي لتقييد جرائمهم ضد مجهول. - تحفظ كثير من الأسر من إدخال الإنترنت في البيوت جعل عددا كبيرا من الشباب يبحثون عن المتعة من خلال هذه المقاهي. مآس مروعة كانت جوهرة (11سنة) تجد في غرف الدردشة (CHAT) على شبكة الانترنت بديلا لغياب والدها الذي يعمل مديرا لإحدى الشركات في دبي ووالدتها التي تعمل طبيبة. تعرفت من خلال إحدى الغرف على شاب هندي بدبي يدعى ساهي (26سنة) يعمل نادلا في أحد الفنادق بالمدينة نفسها. تبادلا الهواتف وأصبحا يتهاتفان كل يوم ولم تتأخر الخطوة اللاحقة كثيرا إذ سرعان ما واعدها والتقيا خارج المنزل في أحد المراكز التجارية القريبة من المنزل ثم تكررت لقاءاتهما وتطور لما هو أسوأ. في أحد الأيام عاد والد جوهرة إلى المنزل قبل موعده فوجد شابا غريبا في المطبخ يرتدي زي عمال الصيانة وعندما سأله عن سبب وجوده بادرت ابنته بالإجابة بأن صاحب العمارة أرسله لتفقد التمديدات الصحية. أقتنع الأب المخدوع بإجابة ابنته الكاذبة خصوصا أنها لم يظهر عليها أي ارتباك. اتصل الأب بحارس العمارة ليحضر له بعض الأغراض من البقالة ثم سأله عن سبب الإصلاحات المفاجئة التي تجرى للإمدادات الصحية دون سابق تنبيه، وهنا كانت المفاجأة: ليس هناك من إصلاحات تجرى في العمارة. اتصل الأب بالشرطة واعتقلت ساهي الذي اعترف بأنه اغتصب جوهرة في أحد الأماكن التي استدرجها إليها بعد أن تعرف عليها من خلال (الشات) وأنها بعد أن استوعبت الصدمة الأولى أصبحا يتواعدان لإعادة الكرة بل إنها كانت تبادر بالاتصال به وتحديد المواعيد وكثيرا ماكانا يلتقيان في البيت عندما تضيق بهما السبل في إيجاد مكان خارج المنزل! ومازالت أوراق المأساة مدرجة في ملف أحدى القضايا التي تنظرها محكمة دبي! القصة الأخرى بطلتها بنت من عائلة محافظة ومعروفة بإحدى الدول العربية تزوجت من رجل محترم يحبها ويثق بها بدرجة كبيرة حتى جاء يوم وطلبت منه أن يدخل خدمة الإنترنت وحلفت له أن لا تسخدمه بطريقة سيئة. وافق ودخلت الشات وتعرفت إلى شخص كانت تحادثه ساعات كما تقول. ثم تضيف تشاجرت أنا وزوجي وألغى اشتراك الإنترنت وأخرج الكمبيوتر من البيت ولكي أعاقبه قررت أن أكلم الرجل الذي كنت اتحدث معه بالشات واتصلت به وتحدثت معه بالهاتف. كان يعدني بالزواج لو انفصلت عن زوجي ويطلب أن يقابلني دائما ويلح علي في ذلك حتى انجرفت وراء رغباته وقابلته وكثرت مقابلتي معه حتى سقطنا في أكبر ذنب تفعله الزوجة في حق زوجها. لقد أصبحت بيننا علاقة وقد أحببت الرجل الذي تعرفت عليه بالشات وقررت أن يطلقني زوجي وطلبت منه الطلاق وبعد ذلك طلبت من الآخر التقدم لخطبتي فأجابني بهدوء: ياغبية أتصدقين أنني من الممكن أن أتزوج من خانت زوجها! وهذه قصة أخرى أكثر مرارة تقول صاحبتها: بداية حكايتي كان مع بدء إجازة الصيف للعام الدراسي السابق سافرت أمي مع أبي وجدتي للعلاج خارج الدولة وتركتني مع أخواتي الصغيرات برعاية عمتي.. وهي (نصف أمية). كنت أشعر بالملل والكآبة فهي المرة الأولى التي أفارق فيها أمي .. بدأت أتسلى على (النت) وأتجول في عدة مواقع وأطيل الحوار في غرف الدردشة (الشات). ولأنني ربيت تربية فاضلة لم أخش على نفسي حتى تعرفت يوما على شاب من نفس بلدي بدأت أطيل الحديث معة بحجة التسلية والقضاء على ساعات الفراغ، ثم تحول إلي لقاء يومي وطلب مني أن يحدثني على المسنجر فوافقت. خلال حديثي معه تعرفت على حياته وتعرف هو على حياتي عرفت منه أنه شاب (لعوب) يحب السفر وقد جرب أنواع الحرام.. كنا نتناقش في عدة أمور مفيدة في الحياة وبلباقتي استطعت أن أغير مجرى حياته فبدأ بالصلاة والالتزام..؟ بعد فترة وجيزة صارحني بحبه لي فطلب مني اللقاء، وافقت على أن يكون مكانا عاما ولدقائق معدودة فقط. وفي يوم اللقاء استطعت أن أفلت من عمتي بحجة أنني سأزور صديقة. عندما حان موعد اللقاء بدأ قلبي يرتجف ويدق دقات غير اعتيادية حتى رأيته وجها لوجه لم أكن أتصور أن يكون بهذه الصورة إنه كما يقال في قصص الخيال فارس أحلام. تحاورنا لدقائق ثم تركته وعدت إلى منزلي السعادة وتغمرني. وعدني بأنه سيتقدم لخطبتي فور رجوع أسرتي من السفر ولكني رفضت وطلبت منه أن يتمهل حتى تنتهي الدراسة ومع بداية السنة الدراسية طلب منى لقاء فرفضت لأنني لاأجرؤ على هذا الفعل بوجود أمي، ولكن تحت إصراره بأنه يحمل مفاجأة سعيدة وافقت وفي الموعد المحدد تقابلنا وإذا به يفاجئني (بدبلة لخطبتي) سعدت كثيرا وقد أصر أن يزور أهلي فرفضت بحجة الدراسة. في نفس اليوم وفي لحظات الضعف استسلمنا للشيطان. لحظات كئيبة لا أعرف كيف أزنها ولا أرغب أن أتذكرها. وجدت نفسي بحلة ثانية، لست الفتاة التي تربت على الفضائل والأخلاق ثم أخذ يواسيني ويصر على أن يتقدم للخطوبة وبأسرع وقت. أنهيت اللقاء بوعد مني أن أفكر في الموضوع ثم أحدد موعد لقاءه بأسرتي رجعت إلى منزلي مكسورة حزينة. عشت أياما لا أطيق رؤية أي شخص وتراجع مستواي الدراسي كثيرا. كان يكلمني كل يوم ليطمئن على صحتي. بعد حوالي أسبوعين تأكدت أن الله لن يفضح فعلتي والحمد لله، فبدأت أستعيد صحتي واتفقت معه على أن يزور أهلي مع نهاية الشهر ليطلبني للزواج. بعد فترة وجيزة تغيب عني ولمدة أسبوع وقد كانت فترة طويلة بالنسبة لعلاقتنا أن يغيب وبدون عذر. حاولت أن أحدثه فلم أجده بعد أن طال الانتظار وجدت في بريدي رسالة منه مختصرة وغريبة لم أفهم محتواها، فطلبته بواسطة الهاتف لأستوضح الأمر. التقيت به بعد ساعة من الاتصال وجدت الحزن العميق في عينيه. حاولت أن أفهم السبب دون جدوى. فجأة انهار بالبكاء. لا أتصور أن أجد رجلا بهذا المنظر فقد كانت أطرافه ترجف من شدة البكاء أعتقدت بأن سوءا حل أحد أفراد أسرته حاولت أن أعرف سبب حزنه ثم طلب مني العودة، استغربت وقلت له: أن الموعد لم يحن بعد ثم، طلب مني أن أنساه فلم أفهم، فقال: إنه اكتشف مرضه بعد أن فات الأوان. أي مرض وأي أوان ؟؟ لقد كان مصابا بمرض الايدز وقد علم بذلك مؤخرا وبالمصادفة. الآباء شركاء مجرد وجود شبكة الإنترنت في المنزل لا يعني الكارثة. لكن الكارثة تبدأ مع غياب الرقابة والإشراف، وللأسف فهذا هو واقع التعامل مع الشبكة فالآباء نادرا مايعرفون ماذا يفعل أبناؤهم على الشبكة وفي ظل انعدام الرقابة الناجم عن انشغال الوالدين أو جهلهما بأمور الكمبيوتر تقع الكوارث. في دراسة بريطانية تبين أن لدى الآباء فكرة بسيطة عن كيفية استخدام أبنائهم لشبكة الإنترنت سواء في المنزل أو المدرسة. وجاء في الدراسة التي استندت إلى مسح لاستخدام الإنترنت في بريطانيا نشرها مركز بحوث أوروبا أن واحدا من بين كل سبعة آباء ليس لديه أي فكرة عما يتعرض له أطفاله بالدخول إلى عالم الإنترنت. ويثير مثل هذا النوع من غياب الإشراف من قبل الوالدين على أطفالهم مخاوف متعددة من تعرض الأطفال إلى مواد غير مناسبة على الشبكة الإلكترونية، قد تكون مخلة بالآداب العامة أو عنيفة أو مضرة بنشأة الطفل، خاصة ما يجرى في غرف الدردشة الإلكترونية. لكن ضعف اهتمام الآباء بالإشراف على مايتعرض له أبناؤهم يظهر أيضا في حقيقة أن الصغار يتعلمون أسرع بكثير من الكبار استخدام التكنولوجيا الحديثة، وفي كثير من الأحيان يحظى الأطفال بفرصة تعلم استخدام الإنترنت في المدارس، ولا يعرف الآباء ماذا يفعل صغارهم معها. وتضيف الدراسة المنشورة حديثا أن 52? من الآباء يعتقدون أن أبناءهم يستخدمون الإنترنت كمساعد في الواجبات المدرسية، بينما يرى 44 ? أن أطفالهم يستخدمون الإنترنت للمراسلة عبر البريد الإلكتروني مع الأصدقاء. كما يعتقد الأهل أن صغارهم يرتادون المواقع الإلكترونية سعيا وراء البرامج التلفزيونية المحببة إليهم، أو للوصول إلى تلك المواقع الخاصة بالألعاب التي يفضلونها. ويكشف المسح الذي شمل حوالي ألفي مقابلة مع الآباء والأمهات أن الأطفال غير المرتبطين بشبكة المعلومات في منازلهم يستخدمون الإنترنت في مدارسهم والآباء لا يعلمون. يوميات مدمن على الإنترنت ! تقول م . ع: عندما اشتركنا في شبكة الإنترنت لاحظت أن أبنائي يجلسون الساعات الطوال أمام شبكة جهاز الحاسوب، وظننت أن هذا شيء طبيعي نظرا لأن كل شيء جديد يأخذ اهتماما في بدايته، ولكن الأمر ازداد خطورة وأصبح شغل أبنائي الشاغل هو الجلوس أمام الإنترنت حتى ساعة متأخرة جدا من الليل، وأثر ذلك على حياتهم كلية فاعتلت صحتهم بسبب السهر الطويل، وأهملوا في أداء واجباتهم وأداء صلواتهم، وفاتحت أباهم في الأمر ولكنه للأسف أخذ الأمر ببساطة وبرود شديد واكتشفت بعد ذلك السبب في عدم أخذه موقفاجديا تجاه إدمان الأبناء للإنترنت وهو أن زوجي أيضا مدمن للإنترنت وخاصة المواقع الإباحية! ولا أدري ماذا أفعل ؟!! وتقول أ. ف: عندما اشتركنا في الشبكة كان زوجي مبهورا بالإنترنت لدرجة أنه بعد عودتة من العمل يبادر بالجلوس أمام الإنترنت قبل أن يبدل ملابسه، ولكن بدأت أثور وأغضب، وحدثت مشاحنات ومشادات كثيرة بيننا بسبب إدمانه للإنترنت، وشيئا فشيئا ثاب الى رشده، ولم يعد يجلس أمامه طويلا ونجلس سويا لنتصفح المواقع الهامة والجادة. وتقول ص. ر: زوجي يعمل فترتين في الصباح والمساء، وأجد لدي وقتا كثيرا فارغا ولا أجد أمامي سوى التلفاز أو الإنترنت، وأنا أتصفح المواقع الهامة التي تخص المرأة، لكن ذلك يأخذ مني وقتا كثيرا لدرجة أنه في أيام كثيرة يعود أبنائي من المدرسة وزوجي من العمل ولا يجدون وجبة معدة لهم، ولايخفى على أحد مايحدث من مشاكل جراء ذلك. يرجع الدكتور حسان المالح استشاري الطب النفسي بجدة الإدمان على الإنترنت إلى أسباب عدة منها المتعة الشخصية التي تقدمها هذه التقنية فهي تقنية جذابة.. ويمكن للفرد أن يشعر بتحقيقه لنفسه من خلالها، كما أن الهروب من مشكلات عملية واجتماعية يعد عاملا مهما.. فالإنسان مجبول على الهروب من الألم إلى المتعة واللذة بأشكالها المتنوعة. كما أن المقصر ربما يهرب إلى الإنترنت تغطية لتقصيره وإهماله في واجباته المتنوعة بحجة أنه يقوم بعمل آخر مفيد. ومن العوامل العامة أيضا البحث عن تحقيق الشخصية وإثباتها.. وتوفر الإنترنت مجالا مناسبا من حيث إبداء الرأي والحوار إضافة للتحكم بالتقنيات والبراعة فيها بسهولة نسبية مما يشد المستخدم ويشعره بقيمته وأهميته لاسيما في حال جهل من حوله بتلك الأمور، وهنا نجد مثلا أن المراهق يتعلق بالإنترنت بدافع التنافس مع أخيه الأكبر أو أبيه حيث يمكن له أن يسجل انتصارات متعددة، وفي بعض الحالات نجد لجوء الأزواج أو الزوجات إلى الإنترنت هروبا من مشكلات الزواج اليومية والإحباطات، ويستدعي كل ذلك ضرورة مراجعة النفس والسير في حل المشكلات بدلاعن الهروب منها. معضلات شرعية مع كثرة استخدام الإنترنت في العالم الاسلامي، بدأت تظهر مشاكل شرعية عديدة ترتبط به مثل: الصور الإباحية، وترويج الشائعات وإضاعة الوقت والسب والقذف والزواج والطلاق عبر الإنترنت، فقد تحولت وسيلة البريد الإلكتروني والدردشة - الأكثر جذبا لملايين الأشخاص في العالم - إلى وسيلة يستخدمها البعض في السب والقذف عن بعد، لاسيما في ظل عدم وجود رقابة قانونية عليه حتى بدأت بعض الدول تتنبه لخطورة ذلك، وتضع الشات تحت طائلة القانون ولو كان عبر الإنترنت! وقد أصدرت محكمة جنح دبي في أغسطس 2000 أول حكم من نوعه بتغريم المتهم (ج. ك) بلجيكي الجنسية (63 سنة) مائتي درهم لاتهامه بسب مدير شركة عبر البريد الإلكتروني، وبإحالة الدعوى المدنية إلى محكمة دبي الإبتدائية لنظرها، والبت فيها. كذلك تحول الشات إلى سباب وشتائم وألفاظ بذيئة بين الشباب العربي خصوصا من الدول العربية المتخاصمة، وتحول أكثر إلى وسيلة للاحتيال وانتحال شخصيات أخرى حيث تحول الفتاة اسمها إلى شاب والشاب إلى فتاة. ووصلت البذاءة لحد تسمية فتيات أنفسهن بأسماء داعرة لجذب الشباب للحوار طالما لا أحد يعرف الآخر أو يمكنه الوصول إليه. وحتى الجماعات المنحرفة مثل الشواذ وعبدة الشيطان وغيرهم أصبح من السهل تجميعهم وتفاعلهم مع بعضهم البعض وأخذ المواعيد عبر الانترنت؟! زواج وطلاق الإنترنت ومن الأمور الشرعية التي اضطرت العلماء لتفعيل فقه الواقع للرد على المشاكل الجديدة المستحدثة مسألة الزواج والطلاق عبر الإنترنت بعدما بدأ البعض يلجأ لها. وقد أكد مفتي مصر السابق الدكتور نصر فريد واصل رفضه لإمكانية إتمام عقود الزواج أو الطلاق عبر الإنترنت، نظرا لاحتمالات وجود التزوير أو التزييف عبر هذه الوسيلة وهو ما أصبح حدوثه محققا بناء على ما يذاع كل يوم عن عمليات قرصنة وتزوير واختراق على مستوى العالم، فالزواج والطلاق من أخطر القضايا وإمكانية الاعتماد على الإنترنت في توثيق هذه العقود المقدسة خطر، لأنه من الممكن أن يحدث التزوير والتحريف والتزييف وما أسهل أن يقدم إنسان عن طريق الإنترنت بيانات غير صحيحة عن نفسه ويدعي أنه فلان بن فلان ويتم التواصل معه على هذا الأساس ويدعي بعد ذلك أنه يريد الزواج ويرد الطرف الثاني العروس فتوافق على الزواج منه ثم يتضح بعد ذلك أنه ليس صاحب العقد!! والعكس يمكن أن يحدث من جانب العروس وينطبق هذا أيضا في مسألة الطلاق مما يجعل العقد باطلا في كلتا الحالتين السابقين. كذلك قال الشيخ يوسف القرضاوي: لا أقر هذا الزواج عبر الإنترنت ولو توافرت فيه كل شروط العقد من توافر الشهود والولي وأرى التشدد في هذا الأمر لتبقى للزواج قداسته وهيبته، فالفقهاء قالوا عن البيع والشراء والتجارة إن أساسها الرضا وقالوا: البيع المعاطاة، أما الزواج فالصيغة والشهود والولي أمور لم يشرعها الله عز وجل من فراغ، فسوف تبنى عليها حقوق وواجبات لله وللمجتمع وللأسرة وللأبناء، كما أن هذا رأيي أيضا بالنسبة للطلاق. وقال: إن القرصنة لم تبق شيئا سريا حيث يمكن للإنسان أن يعرف كلمة المرور الباس وورد الخاص لكل متعامل مع الإنترنت، وأن يعرف توقيعه وموقع زوجته وأن يفعل مايشاء وتقع المصائب. والتشدد في أحكام الزواج والطلاق قد يجعل الزوج والزوجة يشعران بأهمية الرباط والميثاق الغليظ، وقد وصل الأمر لقيام مجموعة من نواب البرلمان المصري بإعداد مشروع قانون جديد يحظر استخدام أسلوب الطلاق بين المسلمين المصريين عبر شبكة الإنترنت أوعبر الهواتف المحمولة أو الثابتة. وقالوا في طلبهم إن الطلاق لابد أن يحدث في المواجهة بين الزوج والزوجة مباشرة وهو مايتم الاعتراف به شرعا وأن طلاق الإنترنت قد لا يكون من الزوج مباشرة، ولكن من خلال أحد أصدقائه، أو قد يكون كذلك في الهاتف أو أن يكتب بلغة (المزاح) السخيف ويقع الزوجان في مأزق صعب دون أن يدريا ويقع الطلاق.