خلاصة كتاب - الحياة السائلة
يعرف باومان العالم السائل بأنه عالم حديث تتغير ظروف أفراده بسرعة لا تسمح باستقرار الأفعال في عادات وأعمال منتظمة. هذه التغيرات تحدث بسرعة شديدة خطيرة يحياها المرء في حالة من اللايقين والخوف من أن تأخذه بغتة أوالفشل في اللحاق بالمستجدات. الحياة السائلة هي حياة استهلاكية مستمرة ومنتج ضخم للنفايات ويكثر بها من ينعم بالثراء المادي والفقر الروحي حيث يجري الكثير خلف سراب مستمر.
يذكر الكاتب في الفصل الأول "الفرد تحت الحصار" مفارقة الفرد والجماعة حيث يجب تميز الفرد ولكن الجماعة تتطلب تشابهه معها وهذه معضلة محيرة ثم يفصّل مواضيع الهوية التي تصارع لتحرير نفسها بين حدين متطرفين: الفردية والانتماء الكلي. الفردية يتمناها المرء ولا يدركها والانتماء الكلي هو بمثابة ثقب أسود يبتلع كل ما يقترب منه.
الهوية أصبحت محصلة جهود يبذلها الفرد وحده وينشغل بها ويضيفها لنفسه وهي مؤقتة. حرية الباحث عن الهوية كحرية راكب الدراجة، إن توقف عن تحريك الدواسة سقط ولا بد من الحركة للاستمرار، ضرورة الاستمرار مأزق بلا اختيار ولكن البديل هو أسوأ. ثم يتطرق الكاتب لتغني الطبقات المثقفة والنخبة بالهوية مع انعزالهم وابتعادهم والهوة الكبيرة بينهم وبين الأخرين.
في الفصل الثاني " من الشهداء إلى الأبطال ومن الأبطال إلى المشاهير" ينبه باومان ل "عدوى المحاكاة" وهو السلوك المحتمل لكل المتفرجين والمشاركين بحماسة في الحدث وعلاقة ذلك بالغرائز والدوافع الوطنية التي يمكن أن تباع حاليا لأعلى مزاود من أصحاب سلاسل المطاعم ومنظمي المباريات الرياضية ومديري الوكالات السياحية وكيف يتحول الأفراد إلى "مستهلكون سعداء قابعون داخل المواطنين".
كلما تقدم المجتمع الحديث السائل تراجع الشهداء والأبطال الذين يجدون مأواهم الأخير حاليا بين شعوب التي تحارب ،حربا خاسرة، ضد قوى عسكرية ومالية عولمية رهيبة تحاصر الأراضي البكر الباقية لتغرس نموذج "حياتها الجديدة". أما هؤلاء الأبطال فغالبا ما يصبحون أداة أو مجندين في أيدي مستغلين محتالين.
الفصل الثالث بعنوان "الثقافة خارج السيطرة والإدارة" يشرح مسببات اغتراب الفرد الحديث عن العالم ومنها مرونة القواعد وميوعة القيم وتعارض الاستهلاك الصارخ مع الإبداع الثقافي ويضرب أمثلة كيف أن السوق الاستهلاكية تروج للتداول السريع للأشياء وتحويلها لنفايات لرميها بسرعة وأن الفن الجيد والفن السيء قد تقرره الصالة الفخمة ذات الإسم اللامع إضافة لتحول العلامة التجارية لقيمة وتلك العلامات التجارية صارت تمنح للرمل والقمح والمعادن ومواد وسلع كثيرة لا نهائية كان يعتقد انها محصنة ضد هذه العملية.
حتى الفن الحديث يحوي الكثير من القص واللصق والتناقضات والتفتت الذي يعكس التجربة الحديثة السائلة حيث أن المضمون والمعنى تحول ل "لحظة خاطفة".
أما بالنسبة للإدارة فغالبا ما تصبح قمعا لا موجب له. والعلاقة بين المدير والمدار هي علاقة صراع في جوهرها والمعايير التي يوظفها المديرون ،سماسرة السوق، تجاه القصًر تحت وصايتهم في عمليات التقويم والضبط والثواب والعقاب هي معايير استهلاكية تسويقية تحتفي بالاستهلاك والاشباع والربح الفوري.
الخوف والأمن والمدينة هو عنوان الفصل الرابع ويصرح به الكاتب أننا عاجزون عن خفض السرعة المذهلة التي يسير بها التغيير حيث ينهمك البعض في تحصين أنفسهم من الأخطار ، المألوفة وغير المألوفة، بحبس النفس وراء الأسوار واستئجار حراس وكاميرات وألبسة وسيارات ضخمة ولكن كل هذا يؤكد شعور الاضطراب ويولد المزيد منه فكل قفل اضافي بعد شائعات جريمة وكل تعديل للنظام الغذائي بسبب "الذعر من الطعام" يجعل العالم يبدو أكثر إثارة للهلع والفزع وتستمر المخاوف في استمداد قوتها من نفسها. الحماية من الخطر كان حافز أساسي لبناء المدن التي تميزها الجدران والأسوار العالية. ولكنها منذ مائة عام تقريبا ترتبط بالخطر ،لا الأمان، فحياة المدينة تتحول للرعب وهيمنة الخوف والغرباء. أكثر أشكال الأسوار الدفاعية شيوعا هي المجمعات السكنية ،المتزايدة، المغلقة بالبوابات والحراس والكاميرات أو التي تتبع طريقة الترهيب بواجهات مهيبة.
بعد بيان أن الشركات الضخمة أصبحت كيانات عملاقة مفترسة تستولي على الأسواق وتستخدم القوة الاقتصادية للحصول على ما تريد يركز الكاتب في الفصل الخامس على المستهلكين في مجتمع حديث سائل يحكم ويقيم أعضائه بقدرتهم الاستهلاكية وما يتبعوه من سلوك استهلاكي. يقوم المجتمع الاستهلاكي على وعد اشباع الرغبات ولكن وعد الاشباع لا يحتفظ بسحره إلا بعدم الاشباع. فالوصول للاشباع التام هو نهاية المجتمع الاستهلاكي. عدم الاشباع هو محرك الاقتصاد المتمركز حول الاستهلاك والمستهلكين المترفين لا يعبؤون بالقاء أشيائهم في عالم النفايات ولا يأسفون أبدا بل يفعلوا ذلك بأريحية وأحيانا برغبة ولذة غير معلنتين فالرمي يعد بالتجديد وتجارب حسية جديدة لذلك المجتمع الاستهلاكي هو مجتمع اسراف وتبذير.
المتلازمة الاستهلاكية التي تغزو العلاقات والروابط بين البشر تتجاوز الانبهار بملذات الطعام والشراب والملذات الحسية وتقوم في المقام الأول على نفي شديد لفضيلة الصبر وإرجاء الرغبات (وهي مبادئ المنتجين) وأصبحت الفضيلة هي الاستجابة لسحر السلع والرغبة الإدمانية في شراءها أما اللامبالاة بهذه السلع أوعدم امتلاك الموارد فتمثل خطايا يجب استئصالها أو رفضها في مجتمع المستهلكين الذي تتفكك به حتى الروابط الأسرية ويصبح الأطفال مستهلكين
يطرح باومان مواضيع العلم والمعرفة في الفصل السادس "تعلم السير على الرمال المتحركة" حيث يشبه التعليم السائل بالقذائف الذكية التي تغير اتجاهها بشكل مستمر لتحديد الهدف مقارنة بالتعليم الصلب الذي كان يحدد الهدف مسبقا. التعليم السائل يجب استمراريته مدى الحياة لحصول التمكين وتحقيق الأهداف وجعل العالم أفضل وأكثر رحابة والا اصبح بلا فائدة. في هذه الأزمنة الليبرالية الضارية يقبل التعليم الذاتي بخطاب يبيح للدولة التنصل من مسؤولياتها في توفير التعليم الجيد الذي هو حق أصيل لكل مواطن في مجتمع ديمقراطي.
الديمقراطية في خطر لأن الأفراد عاجزون عن ترجمة تعاستهم الفردية الى اهتمامات عامة مشتركة وأفعال جمعية. فالشركات أخذت تشكل محتوى أغلب الإعلام السائد وخصخصة الفضاء العام وتصبح المشاركة المدنية ضعيفة وعاجزة تدريجيا مع تواري القيم العامة. المستهلك عدو المواطن والكثير بدأ يدير ظهره للسياسة بلا مبالاة في خضم الحياة الاستهلاكية .
يجب معرفة أن الحريات ليست ممتلكات يكتسبها المرء مرة وللأبد وليست في أمان بل لا بد من رعايتها يوميا بخبرة المواطنين المخلصين وعلمهم وأفعالهم الواعية وإلا جفت وتهمشت لذلك تعليم المواطنة هو مستمر مثل التعليم التقني.
الهيمنة عبرغرس الجهل واللايقين أرخص من السيطرة القائمة على النقاش الدقيق والجهد الدؤوب للاتفاق على الحقائق وأمام هذا الجهل من السهل أن يشعر المرء بالضياع والحظ السيء ومن الأسهل ان يحل به الضياع والحظ السيء بدون أن يشعرفالجهل يفضي إلى شلل الإرادة.
في ختام الكتاب "التفكير في أزمنة مظلمة" يذكر باومان مقولة الشاعر البولندي تشيسلاف ميلوش: "إن المفكرين والفنانين الذين يختاروا أو يضطروا للمنفى يبصرون أزمة البشر التي لم يكن لهم أن يبصروها لو أنهم ظلوا في الداخل”. ثمة نعمة في ثوب نقمة تمثلها العزلة والغربة والاغتراب.
بعض الحلول التي طرحها عبر الكتاب هي التسلح بكلمة "لا" لنفي ورفض السيولة والاستهلاك المذكور والعزم على تغيير الأمور بجهد متواصل والتسلح بمعرفة الخير والشر والتصور المستقبلي وإعادة الروابط المتينة والصداقة والثقة ومهارات التفاعل البشرية إضافة لتفعيل المجال العام للمشاركة الدائمة لا اللقائات العابرة العارضة وجعله مجالا للحوار والنقاش والمواجهة والاتفاق. وصنع فضاء عام عولمي جديد وسياسة كوكبية حقيقية مع مسؤولية واعتراف جمعي باعتمادنا على بعضنا من اجل حاضرنا ومستقبلنا.