اليوم...#الشرق_الأوسط تكمل عامها الأربعين

في يوم 4 يوليو (تموز) 1978م، الموافق 29 رجب 1398هـ، خطت الصحافة العربية خطوة كبرى، فخرجت لأول مرة في تاريخها من الحيّز المحلي أو الوطني إلى الحلبة الدولية.

صحيح، صدر العدد من الصحف والمجلات العربية في مختلف دول العالم، ولا سيما، في المهاجر البعيدة بأميركا الشمالية والجنوبية، وكذلك في أوروبا وأماكن أخرى من المعمورة. غير أن كل تلك الدوريات، على الرغم من موقعها الجغرافي البعيد عن العالم العربي، كانت تخاطب، بالدرجة الأولى، جاليات مهاجرة تقيم في تلك الأصقاع وتعبّر عن همومها وآمالها، من دون ربط مباشر أو تفاعل شامل ومتكامل مع الوطن الأم.

تجدر الإشارة إلى أن أول صحيفة صدرت باللغة العربية كانت «الوقائع المصرية» التي أصدرها محمد علي والي مصر عام 1828م، وذلك في أعقاب إصدار نابليون بونابرت في مصر نشرة «التنبيه» إبان الحملة الفرنسية بين 1801 و1802. وبعد ذلك، أصدر رزق الله حسّون «مرآة الأحوال» من العاصمة العثمانية إسطنبول عام 1855. ثم أتبعها رشيد الدحداح بـ«برجيس باريس» عام 1858 في العاصمة الفرنسية باريس. أما باكورة الصحف العربية في القارة الأميركية فكانت «كوكب أميركا» التي أسّسها الأخوان السوريان إبراهيم ونجيب عربيلي في العام 1888.

في بريطانيا، تأخر الاختراق الإعلامي العربي نسبياً، مع أن الوجود العربي المهاجر ليس طارئاً أو حديث العهد فيها. ولعل من الأسباب أن لندن مدينة أعمال وسياسة أكثر منها مدينة ثقافة بالمقارنة مع منافستها باريس. ثم إن حملة نابليون في مصر، ورعاية فرنسا حُكم الأسرة العلوية وعلاقتها الخاصة بها - التي كان من علاماتها المهمة دور فرنسا في شقّ قناة السويس - من العوامل المؤثرة لتنامي الثقافة الفرنسية، ناهيك من دعم فرنسا القوى الثائرة على الدولة العثمانية في المشرق العربي. ثم إن كثيرا من الشخصيات التي نشطت في تأسيس الحركة الصحافية العربية المهاجرة جاءت من بلاد الشام التي كانت لها علاقات قديمة مع فرنسا، وتالياً، حكمها الانتداب الفرنسي بين 1920 و1943.

أضف إلى ما سبق أن الكثافة الأكبر للمهاجرين العرب إلى بريطانيا ما كانت في لندن بل في غرب إنجلترا وجنوب ويلز، وكانت إحدى أكبر الجاليات العربية فيها والأقدم هجرة، اليمنيين. ولكن في الجزء الثاني من عقد السبعينات من القرن الماضي بدأت الحركة الإعلامية العربية تنشط جدياً في بريطانيا، وخاصة في لندن. ولئن كانت الصحف والمطبوعات الأولى محلية الطابع جاء تأسيس «الشرق الأوسط» علامة فارقة، تجاوزت فعلياً مفهوم الإعلام العربي المهاجر إلى الإعلام العربي الدولي.

قصة البداية

في عام 2003 احتفلت «الشرق الأوسط» بـ«يوبيلها الفضي» (ذكرى مرور 25 سنة على تأسيسها)، ونشرت بتوجيه من عبد الرحمن الراشد، رئيس تحريرها يومذاك، عدداً خاصاً بالمناسبة أرّخ لظروف تأسيس الصحيفة التي غدت «صحيفة العرب الدولية» عن جدارة واستحقاق. وحمل ذلك العدد الخاص جانبا مهما من قصة التأسيس وفلسفته، كما يلي: «في العدد الأول من (الشرق الأوسط) نشر المؤسسان هشام ومحمد علي حافظ رسالة إلى القراء في الصفحة الأولى عرضا فيها أهدافهما وتصورهما للصحيفة التي أسساها»

وجاء في الرسالة: «إن إصدار صحيفة عربية يومية كان دائماً مطمحاً لكثيرين، حاول كل منهم تحقيق هذا الطموح بطريقته. 

ومن دواعي فخرنا وفخر جميع العاملين في (الشرق الأوسط) أن نكون أول من حول هذا الحلم إلى حقيقة». وتابعت الرسالة، مؤكدة على الشخصية العربية للصحيفة بالقول: «ستكون الصحيفة، كما هو واضح من اسمها، صحيفة لكل العرب وليست لدولة عربية واحدة، لأننا نؤمن بالعرب وبرسالتهم السمحة ونؤمن بواجبنا في نشر هذه الرسالة. فهي رسالة الإسلام التي بدأت قبل أربعة عشر قرنا ووحّدت العالم العربي بنشر التوحيد والسلام والأمن والفلاح في بقاع متعدّدة من العالم والشرق الأوسط، تنادي بالاعتدال، وتتحاشى التطرّف تمسّكاً بالآية الكريمة (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً)».

تجاوز المحلية

وحقاً، حتى إصدار «الشرق الأوسط» يصح القول إن المحلية كانت السمة الغالبة على الصحافة العربية من المحيط إلى الخليج، بما في ذلك الأقطار العربية الطويلة الباع في مجال الصحافة. وكانت الصحيفة الوطنية هي الطاغية، وسط غياب لصحيفة عربية شاملة.

ومن جانب آخر، في مطلع عقد السبعينات من القرن الـ20 كانت الإمكانيات محدودة أمام القارئ العربي للاطلاع على صحف تصدر في أقطار عربية بعيدة عن سوقها المحلية. ووفق كتاب «اليوبيل الفضي» للصحيفة «ولكن وسط مؤثرات الحرب اللبنانية وتداعيات معاهدة كامب ديفيد، التي أضعفت كثيراً تأثير الصحف اللبنانية والمصرية، بدا مكان فسيح شاغر ينتظر مَن يشغله، وبالفعل شغلته الصحافة المهاجرة». 

وبالفعل، ما كان مفاجئاً في ظل الاضطراب الذي تعرّضت له خلال السبعينات بيروت والقاهرة، اللتان لعبتا لعقود دور «عاصمتي» الإعلام العربي، الاتجاه إلى مدن بديلة مؤهلة لتولي هذا الدور. وفي هذا السياق، أسست كثير من المطبوعات من شتى التوجّهات والمشارب في مختلف أنحاء العالم، غير أن النشاط الأكبر والأعظم وقعاً شهدته باريس ولندن، ولاحقاً، رجحت كفة لندن، وما زال لها قصب السبق. 

ووفق المراجع التي تناولت تلك الحقبة، تشير الأرقام إلى أنه بحلول عام 1986 بلغ عدد المطبوعات والدوريات العربية اليومية والأسبوعية والشهرية ورُبع السنوية والسنوية الصادرة في بريطانيا 52 مطبوعة. وهذا رقم كبير إذا ما علمنا أن إجمالي المطبوعات اليومية والأسبوعية الصادرة سنوياً في عموم أقطار العالم بلغ 155 مطبوعة. بيد أن غالبية المطبوعات الصادرة في بريطانيا كانت ذات ميزانيات ضئيلة وتوزيع محدود، ولذا لم تصمد كلها طويلاً.

صحيفة «العرب» التي أسّسها الوزير الليبي السابق أحمد الصالحين الهوني عام 1977، والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم تحت إدارة جديدة، كانت حالة مختلفة، غير أنها في المرحلة الأولى من مسيرتها وإن كانت قد ضمّت نخبة من الكتاب والمحرّرين من مختلف أنحاء العالم، ظلت قاعدتها محدودة في بريطانيا وأوروبا الغربية. ومن ثم، جاءت «الشرق الأوسط» في العام التالي لتفتح باب الصحافة العربية الدولية على مصراعيه.

ولادة فكرة

ولدت فكرة في يوليو 1977 بعد سنتين من تأسيس هشام ومحمد علي حافظ صحيفة «عرب نيوز» باللغة الإنجليزية في المملكة العربية السعودية، وذلك عندما كان أحد الناشرين - السيد هشام - في إجازة بإسبانيا، وخطر بباله التفكير بسبب غياب صحيفة دولية مثل «الإنترناشونال هيرالد تريبيون» ولكن باللغة العربية، فتمدّ العرب في الخارج بأخبار العالم العربي.

وبعكس كل الصحف الموجودة في السوق تلك الأيام، كانت مهمة الصحيفة الجديدة التوجّه إلى العرب جميعاً وليس إلى بلد واحد، مستفيدة من أحدث التقنيات وتصدر من لندن وتطبع في وقت واحد في بريطانيا والمملكة العربية السعودية. ولم يطل الوقت حتى وضع الشقيقان الفكرة موضع التنفيذ، واختير للصحيفة اسم «الشرق الأوسط».

اللبنات الأولى

الشركة الناشرة «الشركة السعودية للأبحاث والتسويق» (لاحقاً: «الشركة السعودية للأبحاث والتسويق - المملكة المتحدة») كانت قد اشترت عام 1976 وكالة «برس فوتو» للصور، وهي أقدم وكالة صور صحافية في بريطانيا، واشترت معها المبنى الذي كانت تشغله الوكالة في ساحة غف سكوير التاريخية الصغيرة، على مرمى حجر من «شارع الصحافة» الأشهر... فليت ستريت. وكان من الطبيعي أن يغدو أول مقر للصحيفة.

وبعد، هذا المقر انتقلت في أواخر الثمانينات من القرن الماضي إلى مقرها الثاني في شارع هولبورن، بوسط لندن، على مسافة غير بعيدة من المتحف البريطاني وحي بلومزبري الشهير بخلفيته الثقافية والتعليمية. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 انتقلت إلى مقرها الحالي في حي تشيزيك بغرب لندن.

كما سبقت الإشارة، كانت فلسفة الصحيفة، وما زالت، أن تكون «صحيفة العرب الدولية» التي يقرأونها في أي مكان من العالم، وفي الوقت نفسه صحيفتهم الثانية بعد صحيفتهم المحلية التي اعتادوا قراءتها. وحقاً، كانت أسرتا التحرير والإنتاج منذ 1978 «جامعة دول عربية مصغّرة» ضمت أبناء وبنات كل الأقطار العربية تقريباً.

أيضاً، منذ البداية، اختير أن يكون للصحيفة تميّزها الإخراجي. واستقر الرأي على أن يكون للصفحتين الأولى والثانية، الأخيرة وقبل الأخيرة لون مميز، وبالفعل اختير اللون الأخضر الفاتح. ومن ناحية أخرى، سجلت «الشرق الأوسط» عبر مكاتبها ومراكز طبعها المتعدّدة منجزات تقنية وتحريرية مُبهرة. فكانت لها على الصعيد التقني ريادة النقل بالفاكسميلي، مايو (أيار) - 1980، وكانت من أوائل الصحف العالمية التي اعتمدت الكومبيوتر في التحرير والإنتاج عام 1989. 

وفي طليعة الصحف العالمية في الاهتمام بخدمة الأونلاين، ولقد ظهرت أول نسخة منها على الإنترنت عام 1995، ثم يوم 10 أغسطس (آب) 2000 أطلقت النسخة الإلكترونية كاملة. وعام 2003 تعززت الريادة التقنية بالمباشرة في تطبيق الطباعة الملّونة.

أما على الجانب التحريري، فكان لها قصب السبق في اتفاقيات حقوق النشر، وتميّزت عبر السنين بالمذكرات والمقابلات المتميزة، واستكتاب أعلام في السياسة والأدب والفكر والعلوم. كما اهتمت على امتداد مسيرتها، بالتحقيقات والتغطيات الميدانية، والصفحات التخصّصية، كما شكلت «الشرق الأوسط» حجر الزاوية، بعد نمو المجموعة القابضة في حقب، فيما غدت إحدى أكبر المجموعات الصحافية المتكاملة تحريراً وإعلاناً وتوزيعاً في العالم العربي.

مرحلة الأمير أحمد بن سلمان

على صعيد آخر، تطورّت المجموعة القابضة في أعقاب تولّي المغفور له الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز رئاسة مجلس إدارتها، وقاد الأمير أحمد عملية تطوير جبارة عزّزت مكانة الصحيفة وشقيقاتها في عالمي الإعلام والنشر، واستمر في قيادتها حتى وفاته المفاجئة عن 43 سنة يوم 22 يوليو من عام 2002. وجاءت بداية عملية التطوير عام 2000 مع تحويل المجموعة إلى شركة مساهمة. وكان من أهم منجزات الأمير الراحل تحويله مؤسسة قيمتها السوقية تقدر بنحو 90 مليون دولار أميركي إلى مؤسسة رأسمالها 160 مليون دولار وتربو موجوداتها على 533 مليون دولار.

بعد ذلك، تولى رئاسة مجلس الإدارة كل من الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز (2002 - 2013)، فالأمير تركي بن سلمان بن عبد العزيز (2013 - 2014)، فعبد الله باحمدان (2014 - 2015)، فالأمير بدر بن عبد الله بن فرحان (2015 - 2018)، ثم الدكتور غسان الشبل حالياً.

أما فيما يخص التحرير فقد تعاقب على رئاسة تحرير الجريدة كل من السادة جهاد الخازن (1978 - 1980) فالناشران هشام ومحمد علي حافظ (1980) فمحمد معروف الشيباني (1980 - 1982) ثم عرفان نظام الدين - أول مدير تحرير للصحيفة (1982 - 1987)، ثم عثمان العمير (1987 - 1998)، ثم عبد الرحمن الراشد (1998 - 2003). وخلفه بالوكالة محمد العوّام (2003 - 2004)، ثم طارق الحميّد (2004 - 2012)، فالدكتور عادل الطريفي (2012 - 2014)، فسلمان الدوسري (2014 - 2016)، وحالياً غسان شربل منذ 2016.