الشباب .. استقلالية نافعة أم تبعية مهلكة !!

مما يميز الإنسان أنه كائن عاقل مفكر ينمي فكره ومعارفه عن طريق التفكير والتجارب والتعلم من الآخرين، وإن من الغرائز التي جبل عليها الإنسان غريزة حب التجمع والعلاقة مع الآخرين، سواء في المجالس أو الأندية أو حتى في أماكن العمل، والتلقي والاستفادة منهم. ولا شك أن الإنسان عندما ينشأ في بيئة معينة فإن ثقافتها وحضارتها وانتماءها الفكري يسهم في تكوين شخصيته ونمط حياته، وكذلك الحال عندما يجالس أشخاصا معينين فإنه ولا شك سيتأثر بهم. ولعل الشباب باعتبار قوة انطلاقه وقدرته على التكيف يعتبر من أكثر الفئات تأثرا، ولهذا كان الواجب ألا يترك الشاب لنفسه العنان ليتأثر بكل ما حوله دون تفكير أو تعقل، فإن مجرد تقليد الآخرين ومحاكاتهم حتى الآباء والأجداد دون وعي ولا بصيرة أمر مستنكر ومستقبح، وهو يعني ضعف الشخصية وشدة التبعية. ويكفي أن القرآن الكريم قد استنكر مثل هذا التصرف في قوله تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون). فالشاب العاقل البصير هو الذي يرفض طريق التبعية غير الواعية، ويهاجمها بشدة، ويطالب بالوعي والتأمل، وتوظيف العقل في الحكم على القضايا وتمحيصها، واختيار الطريق الأسلم، وتحديد الانتماء الفكري والثقافي بما يتلاءم مع شخصيته وتطلعاته على أن يكون ذلك موافقا لشرع ا لله ودينه الحنيف. وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من موقف الإمعة الذي لا يحدد موقفه وانتماءه عن فهم ووعي وقناعة علمية سليمة؛ بل يعيش مقلدا تابعا للآخرين، أو لظروف البيئة التي ولد فيها، فلا يكلف نفسه بمناقشة أو تمحيص ما وجد نفسه جزءا منه؛ من فكر وعقيدة وسلوك وأعراف، ليتمسك بالصواب، ويرفض ما أخطأ السابقون بحمله؛ ليتم التخلص من الأخطاء والممارسات غير السوية. يقول صلى الله عليه وسلم لا يكن أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم الشباب بين الاستقلال والتبعية جدير بالشاب اليوم وهو يواجه تلك التحولات الاجتماعية، والفكرية والسياسية الجديدة، أن يجعل نفسه في طليعة التغيير والطموح، ويشغل اهتمامه بأوضاع المستقبل، ويتركز لديه النزوع للتغيير إلى الأحسن، والثورة على الواقع غير المرضي، لا أن يكون إمعة للآخرين خاصة من الغربيين تابعا لما يملونه عليه من ثقافة وفكر وعادات وتقاليد. ليس من العقل والحصافة أن يردد بعض الشباب ما يذاع في الغرب من أن الإسلام مثلا هو سبب تأخر المسلمين، وأن التقدم العلمي والتقني والتطور يتطلب استبدال الإسلام كمنهج ونظام حياة، والتزام منهج الحضارة الغربية، دون أن يفكر هؤلاء الشباب في أن المسلمين الأوائل هم الذين أنشأوا الحضارات في ظل تمسكهم بالإسلام، وأن الحقيقة أن كثيرا من المسلمين اليوم لم يعودوا متمسكين بالإسلام، فهم مسلمون بالاسم فقط. وليس من العقل والبصيرة أن يقبل الشباب على تقليد الغرب في الأكل والملبس وطريقة الكلام ظنا منهم أن ذلك يعني تقدمهم ورقيهم وسبيل حريتهم وسعادتهم، ويغفل هؤلاء الشباب عن أن السعادة الحقيقة تكمن في تحقيق الغاية النبيلة والهدف السامي، وأن الحرية التامة هي التي تحرر الإنسان من أسر الشهوات وسجن الملذات. لا بد أن يعي الشباب أنهم عماد الأمة وأساسها، وأن تفوق الأمة وتحررها وتقدمها وقيادتها يعتمد عليهم بعد الله سبحانه وتعالى، فلا بد من وقفة تفكير صحيح وتعقل تام لكل تصرف وفعل يصدر منهم، ولا بد من الاستقلال بالشخصية الإسلامية الرفيعة والالتزام بالمنهج الرباني المستقيم الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والبعد عن التقليد الأعمى للثقافات الغربية والأفكار الفوضوية.